( 117 ) مدار الأفكار
شكرا للواسطة
يقول الشاعر العربي :
الناس للناس من حضر ٍ وبادية ٍ = بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وكل عضو ٍ لأمر ٍ ما يمارسهُ = لا مشي للكفّ بل تمشي بك القدم
إن الواسطة ظاهرة اجتماعية موجودة في كثير من المجتمعات، و قد نشأت مع حاجة الإنسان إلى تأمين
متطلبات معيشته، وتحسين أوضاع حياته. حيث أن لجوء الناس إلى الواسطة وطلب شفاعة أصحاب
السلطة والنفوذ, والجاه و المال ,معروف منذ القدم وذلك بهدف تذليل الصعوبات وتحقيق المصالح والرغبات ,
والواسطة نوعان واسطة محمودة و أخرى مذمومة ,فالواسطة المحمودة تتمثل في مساعدة شخصاً ما
للحصول على مطلب يستحقه أو إعفائه من شرط لا يجب عليه الوفاء به أو أن تساعده في الحصول على
حق لا يلحق الضرر بالآخرين, أما الواسطة المذمومة فهي أن تقوم بهذا الدور لحصوله على حق لا يستحقه
أو إعفائه من حق يجب عليه دفعه مما يلحق الضرر بالآخرين، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قول
الحق سبحانه وتعالى : ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها)
( النساء : 85 ) , و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اشفعوا تؤجروا ) ويقول أيضا : (لأن أمشي مع
أخي في حاجة خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً ) , ويقول الشاعر : (وأحسن الناس بين الورى
رجل ** تقضى على يده للناس حاجات ) , ويرى (عبد الله الممدوح ) وهو أحد مثقفي بلاد ( الواق واق )
بأن الواسطة عمل سيئ وفعل ممقوت، ومحرم شرعاً، وتعيق تقدم المجتمع , وتنسف مبدأ المساواة وتكافؤ
الفرص وتؤدي إلى ظلم الناس والإضرار بمصالحهم مهما أضفي عليها من مسميات لتجميل صورتها,وهي
ظاهرة سلبية يجب محاربتها بكل الوسائل والطرق,وعندما عاد إلى بلاده حاملا شهادته الجامعية وبتقدير
امتياز وبتخصص نادر يحلم أن يخدم من خلاله وطنه إلا أن ذلك لم يشفع له بالحصول على وظيفة تناسب
تخصصه المطلوب والمرغوب ولا حتى في مجال آخر, وأثناء مراجعاته الكثيرة للوزارات والدوائر كان
يصطدم بواقع الأنظمة واللوائح و البيروقراطية و الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى
تأخير المعاملات وتعقيدها ,بينما زميله (عبد الحميد المادح ) قد حصل على وظيفة مرموقة بسهولة ويسر
وفي زمن قياسي بالرغم من أنه أقل منه تقديرا وأدنى تخصصا فتحرى عن السر فوجده يكمن في الواسطة
ودورها الفاعل في المجتمع والتي تنعت بـ ( فيتامين واو ) وقد جبل عليها كثير من الناس حتى صارت
جزءاً من حياتهم اليومية , وأصبح من المعتاد أن يمنح المسؤول من خلال موقعه امتيازات لأقاربه ومعارفه
وهم لا يستحقونها شرعاً وقانوناً، ويحرم منها صاحب الحق الأصلي والأولى بها رغم أن الوظيفة التي تستغل
من قبل البعض استغلالاً خاطئاً لتحقيق المآرب والمصالح الخاصة هي أمانة ومسؤولية و تكليف لا تشريف ،
وفقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه، ناصحاً له ومرشداً: ( يا أبا ذر إنها
أمانة، وإنها حسرة وندامة إلا من أخذها بحق الله فيها ) ,عند ذلك أدرك عبد الله بأن الواسطة أهم من الشهادة
والكفاءة وقد انتشرت انتشاراً واسعاً في كثير من مؤسسات بلاده حتى أنها أصبحت تعرف في المراجع
الأجنبية باسمها المتداول في محيطه Wasta)) ، لذا فقد نازعته بعض الأفكار وأحتار فيما يختار منها فأما
العودة إلى بلاد الغربة التي تدرس بها حيث أن الواسطة في المجتمعات المتقدمة تعد شبه نادرة، وأن الكفاءة
في العمل والإخلاص فيه هما المقياس الأساسي للنجاح والأفضلية ,أو أنه يخضع لسلطان الواسطة ويتخلى
عن نظرته لها باعتبارها من معوقات التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية, وجاء قراره لصالح الاختيار
الأخير وركب موجة الواسطة وحقق من خلالها الوظيفة التي كان يحلم بها وغيرها من متطلبات الحياة
,فأصبح ينظر إلى الواسطة بأنها علاج المعضلات ,والسند في كل الأمور والملمات ,وكتب على مكتبه
( شكرا للواسطة ) فهي التي تخدم الأوطان وتحقق طموح الإنسان .
يا متبع بالجاه منهاج الأخيار=وشفاعتك دايم على نية الخير
تدفع بجاهك والوساطة للأضرار=حيث ٍ لك بالمجتمع قوّ تأثير
لك الثناء يا صاحب الجاه والكار = وآيات شكر ٍ بالمعاني وتقدير