فن قص الأثر عند البدو و مهاراتهم
القيافة على نوعين:
قيااااااااااااافة البشر..
وقياااافة الأثر...
أما قيافة البشر))..
فهي الاستدلال بهيئات أعضاء الإنسان عما يريد كشفه، فكان الواحد منهم يستطيع أن يُلحق المولود بأمه ولو كانت مع عشرين امرأة.
وأما قيافة الأثر))..
فهي الاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر. وقد ذكر في هذا المجال ما يعد من المستحيلات، قالوا: إنهم كانوا يميزون قدم الرجل والمرأة والبكر والثيب والشيخ والشاب والأعمى والبصير...
ولقد تفرد العرب بشكل عام والبدو بشكل خاص بهذا العلم دون غيرهم من الأمم ولهم في ذلك مهارة عجيبة، لا يكاد يجاريهم فيها أحد معتمدين على الفطنة، ودقة الملاحظة والذكاء الفطري. واستطاعت المأثورات تخليد الوقائع بشكل يكاد يرقى في بعض الأحيان إلى مستوى الأساطير والخوارق.
ويحتل قصاصو الأثر في البادية مكانة عالية لما يقدمونه من دور كبير في استقرار المجتمع البدوي من خلال الكشف عن أسرار كل عمل أو فعل قد يلطخ به فاعله سمعة العشيرة، وهناك قصاصون مشهورون يقوم البدو باستدعائهم لتتبع الأثر حين تدعو الحاجة الى ذلك، وهم يتميزون بمهارات خاصة تمكنهم من أداء مهامهم بنجاح، وهي خاصة تعتمد علي قوة الملاحظة، والموهبة المكتسبة والخبرة والمتابعة المستمرة التي تبدأ منذ الصغر.
إن تعلق البدوي الدائم بديرته وارتباطه بعشيرته يدفعانه الى المحافظة على استمرارية الحياة بشكلها الطبيعي للحيلولة دون تعكيرها، فالبدوي يتفحص ديرته ليل نهار، فإن لاحظ أثراً غريبا تبعه حتى يكشف حقيقته، ومن هنا فإن قصاص الأثر، يعين الجهة التي جاء منها صاحب الأثر، كما يعين الجهة التي اتجه إليها بعد ارتكابه الجريمة.
وباعتبار أن البادية مقسمة إلى عشائر ولكل عشيرة منطقتها، فإن الجهة التي يتجه اليها الأثر تساعد في حصر المسؤولية بتلك لتبرئة ساحة بقية أفرادها. كما أن رمال الصحراء تختلف خاصة في ألوانها من منطقة إلى أخرى، لذلك فإن تعلق ذرات من هذه الرمال في حذاء صاحب الأثر تقوم دليلا على وجوده في تلك المنطقة.
أهمية قص الأثر
يعتبر قص الأثر من أهم الأساليب التي تؤدي إلى اكتشاف الكثير من الحوادث الغامضة في المجتمع البدوي، ومن الأسباب التي زادت في أهمية قص الأثر ما يلي:
1- طبيعة الأرض الصحراوية:
إذ من السهل أن تترك حركة الإنسان أو الحيوان مهما كانت خفيفة أثرا واضحا على الأرض الصحراوية لأنها رملية بطبيعتها.
2- قلة السكان:
إن قلة السكان في الصحراء يسهل ملاحظة أي أثر جديد فوقها كما يسهل ذلك على القصاص تتبع الأثر لمسافات بعيدة.
3- التّخوّف من الأثر الغريب:
إن البدوي حذر دائم الانتباه لما يدور حوله، وهو يهتم بملاحظة الآثار الجديدة فوق أرض الصحراء، يدفعه ذلك الخوف من الخطر على نفسه او على أفراد عشيرته أو الخوف على مواشيه...
4- دفع الأخطار:
كذلك يقوم البدوي بتتبع آثار الحيوانات المختلفة المفترسة كالضياع والذئاب من أجل القضاء لأنها تشكل خطرا على البدو ومواشيهم .
5- هواية الصيد:
إن البدوي صياد بالفطرة منذ أقدم العصور، وهو يفاخر أبناء عشيرته بمهاراته في هذا الفن، ومن أجل ذلك يدقق في ملاحظة آثار حيوانات الصيد كالغزلان والوعول والأرانب وغيرها، ثم يقوم بتتبع آثارها لحصر المنطقة التي توجد فيها، وبعدها يختار الوقت المناسب لصيدها.
نماذج من قص الأثر
تبدأ مقدرة قص الأثر عادة بالتعرف إلى آثار أقدام الأهل والأصدقاء ثم أفراد العشيرة، وبعدها تتدرج في التعرف إلى آثار أقدام الآخرين الأغراب، ومن هذه الخاصية اشتهرت بعض العشائر بوجود عدد من أفرادها قد احترفوا هذا العمل بعد مران طويل وصبر وتجلد... والحكايات في هذا المجال اكثر من أن تحصى لكننا نذكر منها ما يلي :
يذكر أن أحد الأشخاص سافر ليلا إلى مضارب فريق آخر من عشيرته بقصد زيارة فتاة يحبها، وحين اقترب من البيوت تبعته الكلاب وتبعه أهل البيوت وبعدها رماهم بعدة طلقات من بندقيته فتركوه وعادوا الى مضاربهم أما هو فغير حذاءه بحذاء آخر ثم ذهب إلى عندهم من جهة أخرى مستفسرا عن أحوالهم فأعلموه بما حدث. وكان قد خبأ الحذاء الأول الذي كان يستعمله أثناء ذلك. وبعد مرور سنة على الحادث، بدأ يستعمل ذلك الحذاء، فتعرف أحد البدو على الحذاء وقال إن صاحب هذا الحذاء هو الذي جاء منذ سنة، وقد خاف من ذلك وادعى بأنه اشترى الحذاء جديدا من شخص لا يعرفه وقد بذل مجهوداً كبيرا حتى استطاع الإفلات.
قص آثار الحيوانات
لا يجد قصاص الأثر صعوبة في معرفة أثر الحيوانات بأنواعها فبعض قصاصي الأثر يميز بين أنواع الحيوانات تمييزاً يدعو إلى الدهشة:
فهم يميزون:
آ- أثر الجمل من أثر الناقة على أساس:
1- أن قدم الجمل تنهب الأرض نهبا، بينما قدم الناقة تلامس الأرض بلطف، وأما الناقة الحامل فتكون مضربة بخطواتها.
2- إن الجمل يبول إلى الخلف، بينما الناقة العادية يسيح بولها مع رجليها، وأما الناقة الحامل فإنها تنثر بولها على ذيلها فيتطاير.
ب- أما الأعور من الإبل فيميزه البدو سواء أكان جملا أم ناقة بناء على الأسس التالية:
1- طريقة السير:
إذ إنه يسير دون تمييز إلى الجهة التي تكون باتجاه العين العوراء، ولذلك فإنه يمكن أن يطأ الحجارة أو الشجر أو غيرها دون تمييز.
2- طريقة الطعام:
إذ إنه يأكل من جهة العين السليمة ولا يأكل من جهة العين العوراء.
ج- يمكن معرفة الناقة إذا كان أحد ثدييها محلوبا أم لا:
إذ إن الناقة تبعد رجلها التي يلامسها الثدي غير المحلوب، أما رجلها التي بجانب الثدي المحلوب فيكون وضعها عاديا.
د- أما بالنسبة للذئب فيميزون بين أثر الذئب أو الذئبة على أساس أن:
1- قدم الذئبة أصغر من قدم الذئب.
2- حين تبول الذئبة فإنها تفتح رجليها لتبول، أما الذئب فيرفع رجله ليبول.
ه- ويميز البدو بين الغزال وهو في طريقه إلى المرعى، والغزال الذاهب إلى النوم، وكذلك الأرنب بالتدقيق في أثر سيرهما، وتمييز حركات السير والسرعة، وفيما إذا كان متثاقلا بسيره أم مرحاً سريعاً
من هو الجفير..؟
الجفير هو قصاص الأثر أو متتبع الأثر .
إنه بالمسمى العربي هو الشخص الذي يتقصى الأثر ... وهي هواية التعرف على آثار أقدام الآخرين والتي تنتشر بين القبائل العربية وبالخصوص البدوية منها ... وهي الصفة التي ينفرد بها سكان الصحراء الذين تنتشر مضاربهم في البراري حيث الرمال الناعمة والسواحل المبتلة رمالها بماء البحر .
كما أن الجفير يعتمد عليه في تقصي اثار الماشية التي تملكها القبيلة في حالة فقدانها في الصحراء ... بالإضافة إلى الاستعانة به في رحلات الصيد لدوره الهام في تقصي اثار الطرائد .
مواصفات الجفير:
كان للجفير مواصفات خاصة منها ما حباه الله بها ومنها ما أكتسبه من الطبيعة ومنها ما تعلمة من الذين سبقوه في هذه المهنة .
1- فراسة العقل .
2- قوة الملاحظة.
3- الخيال الواسع.
4- الصبر.
5- الإلمام بالفروق بين الأثر.
6- اللياقة البدنية العالية .
كيف كان يعمل الجفير..؟
أنطلق أحد البدو قديما في صحراء قاحلة يبحث عن جماله الضائعة وهو في رحلة البحث وجد أثرا للناقة وتمعن النظر في ذلك الأثر ثم قال :- هذه ناقة بعين واحدة وهيه تحمل إمرأة حامل أو شيخا مسنا وهيه كذلك مقطوعة الذيل .
كان مجرد تخمين لذلك البدوي القديم وبعد فترة من الطريق تحقق من كل ما خمنة حيث أنه وجد رجلا يبحث عن ناقة وإمرأة وقام البدوي بإكمال صفات الناقة وماتحمل فإستغرب الرجل الأخر منه وطلب منه الذهاب الى مضاربة وهناك طلب من الرجال الإمساك به ظنا منه بأنه سارق الناقة ولكنه قال بأن الناقة لم تسرق فهية متجهة غربا بقيادة إمرأة حامل فكيف عرف هذا الرجل عن تلك المواصفات !!!
1- وجد بعر الناقة لم يفرق في جلستها وهذا ما جعلة يخمن بأنها مقطوعة الذيل .
2- وجد العشب الذي أكلتة الناقة وهيه جالسة من جانب واحد مما جعلة يخمن بأن الجانب الأخر لم تره الناقة وذلك لفقدانها إحدى عينيها .
3- وجد أثر ليد غارسة في الرمل بجانب ركبة الناقة وهذا ما جعلة يخمن بأنها إمرأة حامل أو أنه شيخا مسنا .
4- قال بأن الناقة لم تسرق لأنها كانت وحدها ولايوجد أي أثر لسارق .
فلكم أن تتخيلوا ذكاء هذا الجفير .
كان الجفير عندما يرى أثرا للخيل أو ناقة وبعدها يجد الخطوات إتسعت من ثم يجد وقفة مفاجئة بإنغراس الخفوف وتحويل الإتجاة الى اليسار أو اليمين .
يخمن من ذلك بأن هذا الخيل مطارد وهذا سبب تسارع الخطوات وربما ظهر له شىء مفاجأ وهذا ما جعلة يقف بقوة ويغير إتجاهه.
كان الجفير إذا وجد أثر الجمل منغرسا فالرمال عرف بأن هذه الناقة محملة .
وكان يعرف من الأثر سرعة الناقة وكم مضى على أثرها .
العوامل المساعدة على الإبداع في هواية تقصي الأثر :-
توفر الوقت الكافي لممارسة هذه الهواية وذلك من خلال تواجد الرجل البدوي في الصحراء لحراسة ممتلكاته من الماشية أثناء فترة رعيها .
- طبيعة المناطق البدوية الصحراوية التي يعيش فيها البدوي ونعمومة رمالها التي تساعد بشكل كبير على وضوح الآثر .
- قلة المترددين على البيئة البدوية بجانب العدد المحدود لأفراد القبيلة الذي يشجع على التعرف والمقارنة والبحث .
- سير معظم الناس ان لم يكون اغلبهم بدون نعل او حذاء .
العوامل التي ساعدت على اندثار هواية الجفير :
- التطور الذي شهدته المنطقة والطفرة الحضارية .. بالإضافة إلى توفر أجهزة الشرطة ... بمعداتها المتطورة من مختبر جنائي ودليل البصمة ... فضلا عن الكلاب البوليسية المدربة على تتبع رائحة المجرم أو الشخص المطلوب .
- توفر العديد من الأحذية ... ناهيك عن كثرة الأماكن والوسائل التي تكمن الفاعل من الهرب والإختباء .
لعل الوضوع غير مناسب لعصرنا الحالي .. لكنني ـاورده حتى
نعلم كم كان يمتلك أجدادنا ألكثير من المهارات
التي أصفها بالرائعه والمذهله
كانت هذة نبذة عن إحدى المواهب التراثية القديمة فما لنا إلآ الوقوف إحتراما لأجدادنا ومواهبهم..