تقديم:
محمد فاضلي من مواليد 1964، بقصر البخاري المدية خريج معهد الغة والأدب العربي 88 بالجزائر، حاصل على ماجستير من الجامعة اللبنانية "تحقيق مخطوط ترجمة شافعي من تاريخ ابن عساكر" ويحضر دكتوراه في الجامعة اللبنانية بعنوان "البناء الشعري عند عبد العزيز خوجة" وهو وزير الثقافة والإعلام السعودي، صدر لفاضلي المقيم بلبنان منذ 18 سنة، ثلاثة دواوين شعرية، "وردة للغريب" وأشواق الوارثين و"شواطئ الجمر والحنين" وقرابة عشرين كتابا تراثيا منها "شرح المعلقات العشر" و"حياة الحيوان الكبرى للدميري"، اشتغل مصححا في الكثير من دور النشر اللبنانية، وكان الباحث الرئيسي في التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي، علاوة على كونه الباحث الجزائري الوحيد الذي شارك في البحث بعنوان "معايير الجوائز الإبداع العربـية".
بعض من كتاباته
مرّوا ببابكَ ما عاجوا ولا وقفوا
وخلّفوكَ وملءُ الخافقِ الشّغفُ
تُقلِّبُ الكفَّ من حُزنٍ ومن أسَفٍ
وليس يُغنيكَ إنْ حُمَّ النَّوى أسفُ
فدمع عينِكَ محبوسٌ بمِحجَـره
ودمعُ قلبِكَ من إعراضهمْ يَكِـفُ
مرّوا سِراعـاً كأنْ لمْ يألفـوا أمدًا
هذي الديار ولمْ يعبثْ بهمْ كَلَفُ
حنَّتْ لهمْ لبِناتُ الدّار وانتفضَتْ
من شوقهم فتحاموها وما دَلفوا
حتّى الحجارُ رعَتْ عهدًا لهمْ فوَفَتْ
ولم يراعوا مواثيقَ الهوى فيَفوا
تنكّروا لرَفِيفٍ من صَبابتنا
يرنو إليه بعين الحاسد التَّلف
وأعرَضوا عن (حِراءٍ) صان عفَّتنا
كما يصون عفافَ اللؤلؤ الصَّدَف
ما ضَرَّهمْ لو أقَرُّوا عينَ عاشقِهمْ
بما يُؤمِّلُ من نعمائهم وشَفوا
لو عرّجوا ساعةً نَروي مواجدَنا
فينتفي الموجعانِ:الصدُّ واللّهَـف
تعوَّدَ الحسنُ أن يطغى على كلِفٍ
يعبّ من منبع الذكرى ويَرتشف
يصول صولةَ جبّارٍ به خَبَـلٌ
يُدمي ويُفني يبيدُ الشّملَ يَختطف
جَلَّتْ معاناةُ من يهوى وإن ضَؤُلتْ
وجلَّ كـلُّ مُعانٍ هـدَّهُ دَنـفُ
وجلَّ في الحبِّ مهجورٌ وهاجرُه
كلاهما مِن نعيم الوجدِ يَغترف
دينُ المحبّة أن ترضى بما قَسَمتْ
يدُ الأخِلاَّءِ هاموا فيك أم عزَفوا
دينُ المحبّة أن تحيا على أملٍ
منَ الضِّياءِ وإنْ حفَّتْ بك السُّدفُ
**** ***** ****
ليلايَ آتيكِ رُغمَ الهجرِ ملتهبًا
فراشةً بلهيبِ الهجرِ تَلتَحـف
قصيدةً مِن لهاةِ الجرح أبدعَها
في موسمِ السّر بوحٌ مِلؤهُ كُشُفُ
آتيكِ آتيكِ طيرًا ضامئًا ويدًا
مُدّي يديكِ نرودُ النجمَ نَكتَشِف
كلٌّ يناديكِ ليلى غيرَ أنَّهمُو
ما جرَّبوا لذةَ النَّجوى وما عَرفوا
رجمًا بغيبٍ ولو تُبلى سرائرُهمْ
عما تُجِنُّ من الأحقادِ لانكَشفوا
شتّانَ بيـن فـؤادٍ شَـفَّهُ ألـمٌ
ومُدَّعٍ في جحيم الزَّيفِ مُعتكف
*** **** *** ***
ليلايَ والآهُ مزروعٌ بأورِدتي
والقلبُ تحت ثلوجِ الهجرِ يَرتجف
تكادُ شعـلتُه تخـبو فـتُلهـبُها
شرارةٌ مِن دفيئِ الوصلِ تَنقذِف
ما أنتَ يا قلبُ؟ همٌّ لا يُسالِـمُني
سبيلُنا رُغم طول العهدِ مُختلف
ما أنتَ يا قلبُ؟ طيرٌ شدَّه قفصٌ
إنْ حدَّثَ الصحبُ عن ليلاكَ تَنخَطف
ما أنتَ؟جرحٌ..قصيدٌ..رجْعُ أمنيةٍ
أم قاتلٌ لنعيمي ليس يَعترف؟
من علَّمَ الحزنَ أنْ يقتاتَ مِن كبدي؟
وعلَّمَ القلبَ أنْ يفنى إنِ انصرَفوا؟
ويلي من البَيْنِ يُدميني فأُدمِنُهُ
ودربُه مُبغضٌ دربي ونأتَلف
رميتَ بالحبِّ قلبًا أنتَ عاشقُهُ
ما خانكَ السَّهمُ.. لكنْ خانكَ الهدفُ!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حبر على ورق
عـرّافةَ الحيِّ هـا حُـزْني وهـا أَرَقي
أتُـبصِريـنَ بِـفـنـجانِ الهوى قَـلـقــي
ماذا يـقـولُ غَـدي؟ هل أنْـتشي ألَـقًا
أمْ يَـدفِـنُ اللـيـلُ في أحـشائِه ألَـقـي؟
أتَـرسـمُ القـهـوةُ السّـمـراءُ لي قَـدَرًا
يَسـتكثِـرُ العِطـرَ فـوّاحًا مِن الحَبَـقِ؟
قُولي ولا تَحـذَري مِنْ خافـقي ألَـمًـا
فـقــدْ تـعــوَّدَ قـلـبي لَـسـعـةَ الحُــرَقِ
فـراكـبُ البـحـرِ مهـتـاجًـا وزورقُـهُ
تلهـو بـهِ الرِّيـحُ لا يَنجو مِن الغَرَقِ!
*** *** *** ***
عـرّافـةَ الحـيِّ ما لِـلْحبِّ يُـنـكِـرُنـي
ولـمْ تَـقُـدنـي إلى جــنّـاتِـه طُـرُقـي
كـمْ عِـشْـتُـهُ بجنونِ الطَّيرِ مُنْـتَـشِـيًا
ما عـادَ مِــنْ أفُـــقٍ إلَّا إلـى أُفُـــقِ
كَـتَـمـتُـهُ فَـتَـفَــشَّـى بـيـنَ أوْرِدتــي
وبُحْتُ فاختالَ مزهُـوًّا على الحَـدَق
وهَـبـتُه مِن طِـباعي كـلَّ غـالــيَـةٍ
حينًا خُضوعي وحينًا ثورةَ النَّـزَق
فأَجهـضَ الحُلُـمَ الآتي وحاصـرني
بحاضرٍ مِن لهـيبِ الأمسِ مُحتًرِقِ
لكنّني لا جـنـونُ الريحِ يَـهـزِمُـني
ولا الوقوفُ على الأطلالِ مِن خُلُقي
فالشّمـسُ تُشرِقُ رُغمَ العَـتْمِ باسمةً
وإنْ عَلاها شُحوبُ الحُزْنِ في الشَّفَـقِ
*** *** *** ***
عَـرَّافـتي في فُؤادي أَلـفُ زنبَـقَـةٍ
ما فـاحَ منها أَريجُ العُـمْرِ بالعَـبَـقِ
لا تُـسـمِـعـيني أحـاديـثًـا مُـكــرًّرةً
فوحدَها الخَمرُ تُستحلَى على العِتَـقِ
دَعي فُؤادي يَـري في غيبِها حُـلُمي
إنْ كان لي حُلُـمٌ بـينَ الضّلوعِ بَـقِي
عـرّافـةَ الحيِّ فِـنْـجـاني يُخَـبِّـرُنـي
لمْ يَبْـقَ مِنِّي سِوَي حِبرٍ على وَرَقِ!!
شعر: محمد فاضلي
بيروت 10/07/2001
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
.
لن أنثني
عجَبًا تُحارَبُ في الهوى وتُضارُ
والشّعر عندكَ صارمٌ بتّار
حتّامَ تَرضى بالدَّنِيَّة والدّجى
مُتَفرعنٌ والمُرجفونَ كِثار؟
وتلوذُ بالصّمت الطويلِ ترفُّعا
والصمتُ في شرعِ الفحولةِ عارُ
تُغضي وحولك أذْؤُبٌ مُهتاجةٌ
يطفو على أشداقِهِنَّ سُعار
يَتربَّصونَ بكَ الدّوائرَ إنْ غَفَتْ
عينُ المُحاذِرِ تُنْشَبُ الأظفار
فعلامَ تَأبى انْ تُزيلَ نواقِضًا
للمَكرُماتِ يَرودُهنَّ صَغارُ؟
وإلامَ والحِلْمُ اتِّكاءَةُ عاجزٍ
يُقْذي عيونَكَ نُكَّسٌ أغْمارُ؟
فمن العجائبِ أنْ تجورَ عصابةٌ
يُثْني خُطاها حِطَّةٌ وعَثار
ومن الغرائب أنْ يَخورَ غَضنفَرٌ
يُنمى إلى أُسْدِ الشَّرى زَءَّارُ
فادفعْ عنِ النفسِ المذلّةَ شامخًا
دُكَّ البلاءُ فهانتِ الأضرار
*** *** *** ***
أغراهمُ صمتي فظُنَّ وداعةً
والظنُّ دون تثبُّتٍ غرَّارُ
فإذا تكشَّفتِ الشَّدائدُ هالهُمْ
خلفَ الوداعةِ مُرعِدٌ هدَّارُ
فمِنَ السّحابِ: غمامةٌ مِعطاءةٌ
ومِنَ السّحابِ: مَهالكٌ ودَمارُ
لا أنْثَني والحقُّ بينَ جوانِحي
قَبَسٌ له بالأَصغَرَيْنِ أُوارُ
أَمضي على دربي أُسامِرُ خافِقًا
يَرنو إلى وَضَح السَّنى يَشْتار
مُتوهِّجَ القَسَماتِ يُخْصِب في دمي
نورٌ إلهيُّ الهوى مِعْطارُ
مهما تدثَّرَ بالشجاعةِ صاغِرٌ
واستأسَدَتْ مِن حِقْدها أَبقار
وتواثَبَتْ تبغي الصِّيالَ ورُبَّما
فضحَ الشجاعةَ حافرٌ وخُوار
وتعملَقَتْ في وجهِ من وهبوا الرَّدى
أرواحَهُمْ .. فتلأْلأتْ أنوارُ
سأظلُ موصولَ الفؤادِ بِنَفْحَةٍ
عُلْويَّةٍ ، تهفو لها الأبصار
طيرًا سَبُوحِيًّا يُبَرْعِمُ في دمي
بَوحٌ إذا أنْجَتْهُمُ أسرارُ
*** *** *** ***
يا غضبةَ الشَّرفِ الجريحِ تَرفَّقي
فُضَّ النَّدِيُّ وفُرِّقَ السُّمَّارُ
ما حيلتي في لاهثينَ يَؤُزُّهُمْ
دَنِسٌ بِكلِّ رذيلةٍ أمَّارُ
(مُتَمَرْكِسونَ على السَّماعِ) ويستحي
مِنْ حُبِّهُمْ للإدِّعاءِ يَسارُ
ناموا بحضنِ الدُّبِّ نومةَ آمِنٍ
أحْنى مِنَ الدُّبِّ الغَدورِ النَّار
هاموا - ولا عَجَبٌ - بكلِّ مُدَنَّسٍ
فالرِّجسُ ملءَ قُلوبِهِمْ خَطَّار
حاديهُمُ وسطَ الضَّياعِ مُظَفَّرٌ
وشفيعُهُمْ للعاهراتِ نِزَار
ركبوا منَ الشِّعرِ الكسيحِ قصائدا
قَعَدَتْ بِهنَّ ركاكةٌ وشِعارُ
أَمِنَ الحداثةِ كلّ خبطةِ حاطبٍ
باللَّيلِ لا فنٌّ ولا أشعارُ
أمْ أنَّ شامخةَ البيانِ تَضَعْضَعَتْ
عَرَصاتُها فاجتاحها إعْصارُ
*** *** *** ***
يا غضبةَ الشَّرفِ الجريحِ تَرفَّقي
أنا ما يزالُ بِخافقي إِصرارُ
(قالوا:ستُحبسُ، قلتُ:ليس بِضائري
حبسي) فقلبي والهوى أحرار
قالوا:ستُنفى، قلتُ:تلك سياحةٌ
طابَ الرَّحيل وطابتِ الأسفار
قالوا:ستُقتلُ، قلت:إنَّا نَرتجي
جنّاتِ عدنٍ تحتها الأنهار
أمضي وبالدَّم قد كتبتُ على الثَّرى
(باقٍ وأعمارُ الطُّغاةِ قِصارُ)
محمد فاضلي
الجزائر 13/02/1988
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
عدنا إلى بيروت والعود أحمد......
افطميني عن الرحيل
كـلّما غبتُ عــن عـيونِكِ أغــدو
مـثــلَ طـفــلٍ أضـاعَــهُ والـداهُ
يَنصبُ الـليلُ حولَـه جُـدُرَ الخَـو
فِ، وتَعْـشى عـنِ السّنى عـيناهُ
قـدماهُ تُـسـقى مـنَ الـتِّـيهِ حتّـى
ثَـمِـلـتْ مِـنْ ضياعِـها قــدَمـاهُ
مُوغِلٌ في الضَّبابِ والصّمتُ يَعْوي
والدُّجـى يَـجهَـلُ المَدى مُنـتهاهُ
فاحْضُنـيني لعـلَّ بَـرْدَكِ يُـطْـفي
حُرْقةَ القـلبِ في الهوى ولَظاهُ
وافْطميني عـنِ الرَّحيلِ فَـبُعدي
عنكِ - لَـو عُدْتُ - غَفلةٌ واشْتباهُ
******
إيـهِ "بيروتُ" بعدَ عشرينَ عامًا
لــمْ يُـجاوِزْ تَـوَلُّـعـي مُبْـتـداهُ
لـمْ أزَلْ طفـلَـكِ الحـزيـنَ إذا ما
شُـقَّ دربٌ إلى السّرابِ مَـشاهُ
لمْ يَـزَلْ يَذْرَعُ "المنارةَ" خَطوي
وتُغـنّي هـوى الجَـنوبِ الشِّفاهُ
لمْ أزَلْ مُغــرَمًا أبوحُ بِـعـشـقـي
فـيـكِ، إنْ يَكـتُـمِ الجـبانُ هواهُ
كُنتِ مأوى الغريبِ إنْ عقَّهُ الأهـ
لُ فـيُــلـقِي على ثَـراكِ عَـنـاهُ
ومَـلاذًا لِـتـائـهِ الـطَّيـرِ أعــيَـا
مِـنْ طَـوافٍ وخانـهُ جـانحـاهُ
فارجِعـي لي كما عهِدتُـكِ لمَّا
حاصرتْ نبضَ خافقي غُـربتاهُ
أوْ دَعي وَحـشةَ الظـلامِ تُنادي
فوقَ جُرحِ الغريبِ: وارَحمتاهُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
نفثة مصدور
أوقدْ بقلبي مـنَ الأشواق ما خَمدا
فلنْ يعيشَ الهوى إلاّ إذا اتّقدا
أوقدْ به ما يشاءُ الحبّ مِـنْ ألَـمٍ
حتّى تذيبَ النُّهى والقلبَ والكبدا
أشرعْ نوافذَ إحساسي لقافيةٍ
فقدْ يُفيقُ فؤادي بعدما هَمدا
يا وحشةَ الروح- عدوى منكَ أَحمِلُها-
هُبِّي فغُصنُ حنيني صار مُختَضَدا
مُدّي إليّ يدًا تَحنو على وَجعي
وربِّتي فوق أحزاني أمدُّ يدا
صُبِّي بكأسي مـنَ الإبداعِ مُسكِرَهُ
وأترِعيها لتبقى نَشوتي أبدا
الشّعرُ والحبُّ أغلى ما نعيشُ به
لولا مخافةُ ربِّي في الورى عُبِدا
هما الحبيبانِ إن جارَا وإنْ عَدَلا
هما الإمامانِ إنْ قاما وإنْ قعَدا
لولاهُما يستحيلُ العمرُ قافلةً
منَ اللّيالي تجوبُ الدهرَ دونَ هُدى
لولاهما.. انْطفِئي يا جمرتي أسفًا
ويا مشاعرُ ذُوبي في الدُّجى كَمَدا
*****
إيهٍ سميرَ الهوى شكوى أبوحُ بها
وقدْ حَملتُ لظاها صابرًا أمَدا
هَجرتُ شِعري وبي مِنْ فَقْدِه غُصَصٌ
كَـوَجدِ أمٍّ ترى مولودَها وُئِدا
هجرتُه حين أضحَتْ كلُّ ناعِقةٍ
مِنْ عُهرِها تتحدَّى البلبلَ الغَرِدا
هجرتُهُ حين فحَّتْ فوق مِنْبرِنا
رَقطاءُ تَنطِفُ مِنْ أحقادِها حَسدا
هجرتُه حين يَعلو عندَ مِحنتِنا
مُواءُ قِطٍّ يَرى في نفسِه أَسَدا
حداثةٌ وعُيونُ الضَّادِ تُنْكرُها
تَشكو إذا نعبَتْ غِربانُها الرَّمَدا
غثاءُ سيلٍ منَ التّهويلِ تَحسَبُهمْ
جَمٌّ كثيرٌ، ولكنْ لا أرى أحَدا
تربّعَتْ عقدةُ التَّغْريبِ في دمِهِمْ
ولَـثغةُ الرَّاء فيهمْ فرَّخَتْ عُقَدا
كفرتُ بالشّعرِ نَستجديه منْ زُمَرٍ
خلفَ البحارِ تَرى إبداعَنا فَنَدا
كفرتُ بالشِّعرِ إنْ لمْ يَنتفِضْ غضَبًا
يحمي العزيزَينِ : سحرَ الحرفِ والبلَدا
كفرتُ بالشّعرِ حتّى رفَّ طائرُه
فعادَ لي مِنْ يقيني بعضُ ما فُقِدا
وعادَ صَوتي إلى أوتارِ حُنجُرَتي
وكنتُ مِن قبلِه صمتًا ورجعَ صَدى
وعدتُ أشدو فيا أطيارُ لا تَقِفي
خرساءَ – ويحَكِ - هذا الفاضليُّ شَدا
********
إيهٍ سميرَ الهوى نجوى ألوذُ بها
طرائقُ الرُّوحِ كانتْ قبلَها قِدَدا
أعدْتَ للقلبِ آمالاً مُنمْنَمةً
تفيـَّأَتْ في الحَنايا عيشةً رغَدا
شِعري حنانيكَ بعضٌ مِنْ تَوهُّجِها
ونقطةُ رشحَتْ تُومي لبحرِ نَدى
يا عاشقَ الحرفِ أمجادٌ تَهيمُ بهِ
بدرٌ تُعانقُ في أفيائِهِ أُحُدا
أبدعْ - فديتُكَ - لا تأبَهْ لمُنتَقِدٍ
فأيُّ صاحبِ فكرٍ ليسَ مُنْتَقَدا
خلِّ القناديلَ في ليلٍ يُهَدْهِدُها
تشاركُ الرّيحَ عزفًا ليسَ مُنفرِدا
هذي نُفاثةُ مَصدورٍ يضيقُ بها
تَبعثرتْ نفسُه مِنْ ثِقلِها بَدَدا
فالروحُ موحشةٌ تَستافُ غربَتَها
لنْ تأملَ الرّوحُ إلاّ الواحدَ الأحدَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
لِسَانُ الرُّوحِ
--------------
فِـي فُـؤَادِي مِـمَّا وَهَـبْتَ حَنَانُ ... يَــتَــهَـادَى فَــتُــورِقُ الأَلْــحَــانُ
يُـزْهِرُ الـعُمْرُ.. هَـاهُنَا الـفُلُّ زَاهٍ ... وَيُــنَـاغِـي نِـسْـرِيـنَهُ الـرَّيْـحَـانُ
أَنْــتَ لِــي وَاحَــةٌ أَفِـيءُ إِلَـيْهَا ... إِنْ أَشَـاحَتْ عَـنِ الْهَوَى أَوْطَانُ
مَــا أَنَــا دُونَ نُـعْـمَيَاتِكَ؟ ضِـغْثٌ ... صَـاحِـبَـاهُ: الـهَـجِـيرُ وَالـحِـرْمَانُ
أَنَــا لَــوْلاَكَ جَـدْوَلٌ مِـنْ سَـرَابٍ ... لاَ يُــبَــالِـي بِــوَهْـمِـهِ ظَــمْــآنُ
أَنَــا لَــوْلاَكَ حَـفْـنَةٌ مِــنْ رَمَــادٍ ... بَـعْـثَـرَتْهَا الـرِّيَـاحُ فَـهْـيَ دُخَــانُ
أَنَـا لَـوْلاَكَ لَـنْ أَكُـونَ.. وَإِنْ كُـنْــ ... ــتُ، فَــنِـضْـوٌ تَـشُـلُّـهُ الأَحْـــزَانُ
*******
يـا سَـمِيرَ الـفُؤَادِ إِنْ عَـنَّ طَيْفٌ ... وسَــرَى بَـيْـنَ أَضْـلُـعِي تَـحْنَانُ
كُـنْتَ فِـي أُمَّتِي مَسَاكِبَ ضَوْءٍ ... فِـي مَـدَى نُورِهَا يَشِبُّ الزَّمَانُ
صُـنْتَ مَـجْداً مِـلْءَ الوَرَى يَعْرُبِيًّا ... كَـــانَ لَــوْلاَكَ مُـهْـدَراً لاَ يُـصَـانُ
الــبُـطُـولاَتُ..! أَيُّ نَــهْـدَةِ عِـــزٍّ ... أَنْـتَ فِـي سِـفْرِ فَـخْرِهَا عُنْوَانُ
مِــنْ أَيَـادِيكَ أَلْـفُ بَـيْضَاءَ، وَالـتَّا ... رِيــخُ يَــدْرِي، لَــهُ بِـهِـنَّ افْـتِتَانُ
خَـلَقَ الـلَّهُ أُمَّـتِي مِـنْ خِـصَالٍ ... يَـدُهَا الـجُودُ، وَالـقَصِيدُ اللِّسَانُ
لُـغَـةُ الـعَقْلِ وَالـعَوَاطِفِ شَـتَّى ... وَحْــدَهُ الـشِّـعْرُ بَـيْـنَهَا تُـرْجُمَانُ
وَيَـقُـولُونَ مَـنْـزِلُ الـوَحْـيِ قَـفْرٌ ... يَـتَـمَـطَّى بِـرَسْـمِـهِ الـنِّـسْـيَانُ
فَــالـدِّنَـانُ الـمُـعَـتَّقَاتُ أُرِيــقَـتْ ... وَنَـدَامَـى الـقَصِيدِ كَـانُوا فَـبَانُوا
أَيَّ رَجْــمٍ بِـالْـغَيْبِ يَـخْتَلِقُ الـنَّا ... عُــونَ حَـتَّـى اقْـشَـعَرَّتِ الآذَانُ
أَيَّ رَجْــمٍ.. فَـمَا تَـزَالُ الـدَّوَالِي ... حُـبْـلَـيَـاتٍ وَحَــوْلَـهَـا الــنُّـدْمَـانُ
لاَ يَـزَالُ الـقَرِيضُ بُسْتَانَ خِصْبٍ ... يَــتَــفَـيَّـا ظِـــلاَلَــهُ الـــوِجْــدَانُ
شَـاطِئاً يَـحْضُنُ الغَرِيْقَ وَكَمْ قَدْ ... أَعْـرَضَتْ عَـنْ غَـرِيقِهَا الشُّطآنُ
هُــوَ فِــي مَـأْتَمٍ مَـنَاحَةُ ثَـكْلَى ... وَعَـلَـى الـعُـرْسِ مِـزْهَـرٌ وَقِـيَانُ
هُـوَ آهُ الـغَرِيبِ إِنْ شَـطَّتِ الدَّا ... رُ، وأَرْخَـــتْ دُمُـوعَـهَا الأَجْـفَـانُ
هُــوَ مَــأْوَى الـمُـتَيَّمِينَ إِذَا مَــا ... لَـــجَّ مُـسْـتَهْتِراً بِـهِـمْ هِـجْـرَانُ
وَهْـوَ سَـوْطٌ عَـلَى الطُّغَاةِ وَطَيْرٌ ... تَـعِـبَ الـسِّجْنُ مِـنْهُ وَالـسَّجَّانُ
وَسَيَبْقى حِجَارَةً في يَدَيْ طِفْــ ... ــلٍ صَــغِـيـرٍ.. كِــلاَهُـمَـا بُــرْكَـانُ
*******
وَابِلَ الشِّعْرِ إِسْقِ جَدْبَ فُؤَادِي ... بَــيْـنَ جَـنْـبَـيَّ خَــافِـقٌ حَـــرَّانُ
مَـا غَـدِي دُونَ فَـيْضِ جُودِكَ إِلاَّ ... جِـيـفَـةٌ طَــوَّفَـتْ بِــهَـا غِــرْبَـانُ
مَـا غَـدِي؟ غَيْرُ قَبْضَةٍ مِنْ فَرَاغٍ ... وَمَــــدًى يَـسْـتَـبيحُهُ الـنُّـكْـرَانُ
فِي زَمَانِ اللُّهَاثِ وَالنَّزَقِ المَسْــ ... ــعُـورِ يَـنْسَى شُـعُورَهُ الإِنْـسَانُ
عَـصْرُنَا الـوَهْمُ، حَـاكِمَاهُ: غَـرِيرٌ ... يَــتَــذَاكَــى وَتَـــائِــهٌ حَـــيْــرَانُ
بُـعِـثَتْ فِـيـهِ أَلْــفُ لاَتٍ وَعُــزَّى ... مِــنْ جَـدِيـدٍ.. وَقُـدِّسَـتْ أَوْثَـانُ
زادُهُ نُــهْــبَـةٌ لِـمِـخْـلَـبِ ضَــــارٍ ... وَلِـــنَـــابٍ يَــسُــنُّــهُ أُفْـــعُــوَانُ
وَحْـدَكَ الـفَجْرُ، إِنْ أَنَـاخَتْ لَـيَالٍ ... قُـلْـتَ لِـلمُدْلِجِينَ كُـونُوا فَـكَانُوا
لَـيْـسَ إِلاَّكَ يَـغْمُرُ الـكَوْنَ بِـالأَلْــ ... ــطَــافِ حَـتَّـى يُـبَرْعِمَ الأُقْـحُوَانُ
كُـنْـتَ دِيــوَانَ مَـجْـدِنَا فَـحَنَانَيْــ ... ــكَ تَـــأَلَّــقْ لِــيَـرْجِـعَ الــدِّيــوَانُ
لاَ يُـرِيـحُ الـنُّـفُوسَ غَـيْـرُ قَـصِيدٍ ... مِــنْ حَـنَـايَاهُ يُـشْـرِقُ الإِيـمَـانُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عذارا ان قصرت بحقك شاعرنا الفاضلي
تحياتي واحترامي لاستاذي ولك من مر من هنا
شموخ امراة