خواطر المطر وهواجس الضمير

في هذه الليلة مدينتي تأسرها جحافل الغيوم الغاضبة منذ بداية المساء .. ومع ذلك فإني أعشق تلكم

الغيمات الندية بالخير .. فلقد تدفقت غيرتي عليها من هذه الأرض المتصابية والعطشى لها .. لذلك قررت

أن أسبق منحتها للتراب وأكون أول من يستقبلها بخدودي وعيوني وشفتي .. وحتى تعزف ألحانها على

شعري وتتراقص حباتها على باقي جسدي الذي أنهكته الأيام لعلها تبعثه من جديد .. فخرجت متعجلا

ألملم أشواقي مع أشياءا من ذكرى تمر ألآن بخاطري كما تمر هذه السحائب في سماء ليس لها حدود ..

وسرعان ما سترمي علينا ولادتها عبابا ثم لا تلبث حتى ترحل وبدون وداع ..

وبعد انتهاء مراسيم هذه ألزيارة ألمدرارة والتي ليس لها موعد .. ذهبت حتى أزيح آثارها وخواطر جنوني

عن جسدي وفكري .. ثم جلست متأملا آثارها من خلال نافذتي والتي مازالت عليها بعض حبات قطراتها

الندية وقد تناثرت على زجاجها الشفاف وكأنها هي من تتأملني خلسة حتى لا أشعر بها .. فأخذني إليهن

فضول الأستطلاع وتجربة التمرد .. وصنعت لهن في خيالاتي الجامحة مضمارا للسباق .. ساحاته هي

حدود هذه الزجاجة البسيطة الرقيقة .. فرسمت سبابتي بأسفلها خطا للنهاية .. وطرقت عليها بقبضتي

لكي أقدح شرارة السباق في تلكم القطرات الفتية وبالفعل تحركن بسرعة وإنفعال وتنافس .. نحو ذلك

الخط الوهمي وهن لايعلمن أين يكمن سر هذه اللعبة الحمراء

( والذي هو : أنه ستنتهي مسيرتهن تحت ذاك الخط الدنئ ).. وراهنت نفسي على أحداهن وبالفعل هي

من سبق صوحيباتها ولكن إلى نهايتها .. وإلى ذلك تبعنها البقية .. ولكن ما ثار إستغرابي وكوامني هو

قطرة واحدة متفردة ..وقفت ثابتة بمكانها ومنذ البداية ولم تهتز ولم تتحرك .. وكأنها تتحداني بقوة .. وتحدق

بي بعنف .. وتخيلتها بسمع هواجسي وهي تصرخ بوجهي قائلة أفعل ما شئت .. فإني سأبقى هاهنا

واقفة راسخة أمامك .. ولن تستطيع أن تقتلعني منك كما فعلت مع غيري .. وأنا من سيغير قواعد اللعبة

لديك وسيبدأ ألآن مضماري لسباقك الجديد ولكن بلا خط للنهاية فمنذ عرفتك ودعت كل الحدود .. حينها

وقفت متأملا ومستدركا لكل صفحات ذكرياتي والتي انطوت بين الكثير من التقلبات والمتغيرات

والمتناقضات .. والتي تأرجحت بين الجد والصفاقة .. ومابين العقل والجنون .. فعرفت وآمنت حينها أنه قد

انقلبت قواعد اللعبة على صاحبها .. حيث أنا من وقع الآن تحت نقمة ذاك الخط المجهول .. ولا أعرف

ماستئول إليه النهاية .