ويسرد صاحب "طربخانه" ( 41) هذه الرباعية للشيخ أبي سعيد (42) جوابا عن رباعية الخيام الفلسفية المعروفة: دارنده جو تركيب [250] طبايع اراست أي: "لما ركب الخالق الطبائع" (43) وقد وجدها الدكتور روزن في النسخة المخطوطة من ديوان جلال الدين محمد (44) بهذا الشكل "أين صورت تن به خيمه اي ماند راست" (45) ومهما يكن، فإنه لمن الواضح أنها ليست للخيام، بل هي جواب عن رباعية للخيام. 3 - ربما نظم بعض الخبثاء الماكرين، أحيانا، رباعية يقلد فيها الخيام، ويظن، ضمنا، أنه يدافع عنه. ويرد على من رأوه آثما، كهذه الرباعية: "الى متى أظل أبني على الماء؟! لقد سئمت الأديرة وعبدة الأوثا ن. من قال يا خيام إن جهنم ثمة ! من مضى إليها ومن أتي من الجنة؟" 4 - وربما اتكأ ماكر آخر على مسلك الخيام ومشربه في أن الذنب الحقيقي هو إيقاع الضرر بالآخرين، فأجاز مبالغة، حتى "قطع الطرق" فيما يبدو من هذه الرباعية (46): واسمع عن الخيام خير مقالة
اشرب وغن وسر إلى الخيرات
غير أن من الثابت اعتمادا على ما هو متوافر لدينا من خصال الخيام ومسلكه أن رجلا يقول * أصوم عن الفحشاء جهرا وخفية *(47) لا يمكن أن ينظم هذه الرباعية التي تقطر لا أباليه [251[. 5 - ونهد آخر لتقليد الخيام في الرباعية: "دولاب الفلك الذي نحن فيه حيارى"(48) التي يظن في أصالة نسبتها إليه ؛ والرباعية التالية التي تفوح فيها رائحة التقليد، اذ كرر "وي" في الشطرين الثاني والأخير، فقال: " الإنسان كأس وروحه خمر، والجسم ناي صوته فيه. أتسرى يا خيام من ذا الإنسان المخلوق من طين ؟ إنه خيال الظل مصباحه فيه". لقد كان التقليد ودعوى التشبه بمشرب الخيام ومسلكه باعثا على نظم رباعيات كثيرة اشرت إليها في الفصل الثالث من هذا القسم، وقد هدف الناظمون، أحيانا، من ذكر اسم الخيام الى تسجيل مشربهم التشبهي، كما في الرباعيات التالية: 6 - حتى م صومك والصلاة تنسكا
فدع المساجد، واقصدن الحانا (49)
واشرب (50) فسوف ترى رفاتك تارة
كوزا وأخرى أكؤسا ودنانا
7 - خيام طب إن نلت نشوة قرقف
سحباك وردي الخدود وصالا (51)
إن كان عاقبة الوجود هي الفنا
فافرضى فناك وعش سعيدا بالا
8 - علام تأسى للذنب يا عمر
ماذا تفيد الهموم والفكر (52) [252[
لاعفوعمن لم يجن معصية
العفو عمن عصى، فما الحذرة !
ان في مكنة الذوق السليم القويم أن يسرك جيدا أن قائلي هذه الرباعيات كانوا ذوي مشارب ونزعات مختلفة، لكنهم افترضوا جميعا أن الخيام مثال بارز لمعاقرة الشراب والإنحراف عن التعاليم الشرعية. فمنهم من أشاد به،ومنهم من عزاه والتمس له العذر، ومنهم من رد عليه يوحي خياله الخاص، ومنهم من لم يتورع عن التعريض والكناية كما في الرباعية التالية التي يقال أن أحد المتشرعين القشريين نظمها ليدلل ؛ في الوقت نفسه على معرفته الفلسفية. 9 - ألقت الأفلاك يا خيام في بر الأزل (53) (خيمة) كبرى، وسدت باب قول وجدل
ولقد أحدث ساقي الدهر في جام القضا
ألف خيام بدا مثل حباب واضمحل
الرباعية ليست في معظم النسخ، مما يحمل على الظن أن قائلها من المتأخرين، ويكاد تهافتها يسفر عن وجهه، فلفظة "خركة " معناها "الخيمة "، فكيف يصح أن يقال "الخيمة تنصب خيمة "؟ وحينئذ، كيف توصد السماء، وقد نصبت خيمة، باب الكلام ؟! قد تكون الرباعية جوابا عن رباعية الخيام المعروفة: مانفع الدهر مجيء ولا...(54) ومن هذا، كذلك، الرباعية السخيفة التالية التي وجدتها مع حوالي ثلاثمائة ( 300) رباعية أخرى باسم الخيام في حواشي [253] مخطوطة قديمة من ديوان حافظ الشيرازي: "يا من أتبعت مذهب زرادشت، وألقيت الإسلام وراءك ظهريا، إلام تعاقر الخمرة وتلاحق النساء؟
اقعد فإنك ميت لامحالة
وفي رباعية واحدة فقط من الرباعيات المظنون في أصالتها يرى اسم الخيام، في أحد مصادره الموثوقة "مؤنس الأحرار" وقد أبدلت لفظة "خيام بكمة "أيام ". * أيام زمانه ازكسى دارد ننك (55) ومن المحتمل أن الكتبة هم الذين وضعوا كلمة "خيام" مكان "أيام" تجنبا لاستعمال "أيام زمانه"، (الدهر)، غير أن الشطر جاء في مخطوطة أخرى هكذا. *أيام زنام آن كسى دارد ننك أي: "الدهر يخجل من اسم ذاك الذي..." وقد يفسر هذا بتصرف الكتبة كذلك. وثمة رباعيتان رفضهما الدكتور روزن وكريستنسن أيضا ولم يريا أنهما للخيام، وهما عبارة عن "حواريتين " بين الخيام والرسول الأكرم، وليس ثمة من حاجة لذكرهما (56) 2541 م. - 4 - الرباعيات العائرة
منهج زوكوفسكي
للمستشرق الروسي زوكوفسكي (57) بحوث وتحقيقات في رباعيات الخيام (58). ولقد جعل وكده، لكيما يصل الى الرباعيات الأصيلة، أن يدقق في رباعيات شعراء ما بعد عصر الخيام. وكان كلما يعثر على رباعيات للخيام في ديوان أي شاعر آخر يبيح لنفسه أن يشك في أصالتها. يقول الدكتور روزن (59) "عثر زوكوفسكي على اثنتين وثمانين (82) رباعية بين رباعيات مجموعة نيقولا اد ( 464) في دواوين شعراء آخرين فسماها "الرباعيات العائرة / الجوالة. وقد أوصلها المستشرق الإنجليزي "روس " ( 60) والمستشرق الدانماركي كريستنسن الى مائة رباعية ورباعية (101)" ليس ثمة من بأس على هذا المنهج الذي يتعقب سفر الرباعيات من ديوانه الى ديوان. فثمة حوالي مائة رباعية، من المنسوب الى الخيام، باسم: الأنوري ( 61)، والعطار، ونصير الدين الطوسي (62)، ومجد همكر (63)، وأفضل الدين (64), والخواجة عبد الله الأنصاري، وحافظ الشيرازي، وغيرهم. كثير من هذه الرباعيات ليسلت للخيام، وليس ثمة ما يمنع من أن تنسب الى أي شاعر آخر، حتى أن بعضها يتناسب تناسبا كاملا مع الشاعر الذي نسبت إليه. من مثل الرباعيتين: - أنا عبدك العامي، فأين رضاكا؟....................(65) - إن كنت تلهث خلف شهواتك وهواك .................(66) اللتين يقال أنهما للخواجة عبدالله الأنصاري ؛ حتى لو لم يعثر عليهما في ديوانه، فهما بكلامه أشبه وبنكره ألصق. وتجابهنا، أحيانا، رباعيات كالرباعية التالية التي [255م[ تنسب الى جلال الدين محمد والتي لا يعرف أنها للخيام، بل احتمال أنها ليست له أرجح. غير أنها ليست قريبة لا من أسلوب " مولانا" ولا من فكره، وهي، لم تكن للخيام، لواحد من اتباع مشربه: لا تخش حادثة الزمان فإنها
ليست بدائمة علينا سرمدا (67)
واغنم قصير العمر في طرب، ولا
تحزن على أمس ولا تخش ا
لغدا إن أمثال هذه النسبة غير المقبولة في الرباعيات العائرة كثير وهو دليل خطأ منهج زوكوفسكي، أو - في الأقل - عدم اتساقه وإمكان تطبيقه في كل مورد فمثلا، الرباعية (68): هل ألجام مهما تم صنعا ودقة...................... التي وردت للخيام في "تاريخ جها نكشاي للجويني (69)، والتي يمكن أن تعد من الرباعيات الأصيلة، نسبت الى نصير الدين الطوسي في حين أنها لا تتواءم أبدا مع نمط فكره. وثمة رباعيا ت نسبت الى حافظ الشيرازي، وهي لا تمت الى نحو كلامه بأي وجه من الوجوه، سواء أكانت من المظنون في أصالتها للخيام، هن مثل الرباعية ( 70): إن ذاك القصرالذي زاحم الـ افق...................... أم من الرباعيات المشكوك فيها، بل المردودة، مثل (71) "أيا من جئت الى الوجود بقدرتك" بيد أن ثمة رباعية أخرى فيها سمات أسلوب الخيام، وهي (72): إن لم يطق أحد منا ضمان غد * نسبها زوكوفسكي الى فريد الدين العطار في حين أنها لا تمت أبدا الى أسلوب تفكيره بصلة، إن نظائر هذه النسبة [256] كثيرة أسرد الرباعيات التالية شواهد عليها تضاما للفائدة - "ما جدوى مجيئنا ورحيلنا " *(73): حافظ الشيرازي - *أصبحت بالسكر والصهباء مفتتنا *( 74) حافظ الشيرازي - ان ذلك القصر الزي ضم بهرام *( 7).حافظ الشيرازي - * أعب الطللا عمدا ومثلي شو حجى *(76). طالب الآملي - * يقولون: حور في الغداة وجنة *(77): مجد همكر - "أيها الغافلون، إن هشا الجسم لا شىء "(78). نصير الدين الطوسي وثمة نماذج من هذا الاستقراء والتدقيق للباحث المحقق الفاضل جلال الدين همائي في مقدمة "اطربخانه ! وهي، لغير سبب أكثر قبولا وأدعى للثقة والاطمئنان، لأن صواب رأيه قاطع، فضلا عن سعة إطلاعه ودقة نظره لمعرفته بأساليب الشعر وطرز أفكار أصحابه. لكن، مما يؤسف له، أن كل ما ذكره في هذا الموضوع كان مطردا، ليثبت أن كثيرا من الرباعيات المنسوبة ش لى الخيام مبثوثة في دواوين الشعراء المتأخرين. إنه في كل الأحوال، منهج لا يفضي الى نتيجة ثابتة قاطعة.
والأمر الذي يجب ألا يغرب عن البال، هو أف الخلط والاختلاط في الرباعيات كثير. فثمة ما يقرب من ألفي (2000) رباعية باسم جلال الدين محمد (مولوي) في مجموعات مختلفة. ومن المؤكد أن نصفها بريء منه. ولقد بذل العالم المحقق فروزانفر جهدا كبيرا في تحقيق ديوانه الكبير وإخراج هذا الأثر القيم [257]، وتخصيص الجزء الثامن منه للرباعيات وعددها (1983) رباعية لكنه بين في مقدمته العلمية القيمة أن ليس كل هذه الرباعيات لمولانا جلال الدين.
يجب أن يراعى أسلوب الشاعر الكبير ونمط فكره أكثر من أن يراعى ما في النسخ والدواوين، لأننا، كما ذكرت مرارا، لا نعرف ما لدى جماع المجموعات من حصيلة أدبية ودراية بالشعرة على أنه يمكن أن يطمئن أكثر الى الرباعيات التي يستشهد بها في عدد من كتب الأدب والفلسفة، لأن لمؤلفيها، في الأقل، بضاعة ودراية، ولما أوتيه الخيام من فضل وعلم واحترام منذ أواخر القرن الخامس الهجري حتى أحيط اسمه بهالة من نور جعلهم يفزعون الى تأييد آرائهم بأقواله. ومن هنا يدهم الخاطر افتراض أن وجود الخيام الذهني كان محط توجه علماء الدين والمفكرين وذوي الأفكار الحرة، لسببين متغايرين:العلماء، لأن الخيام لم يسخر فهمه وعلمه لخدمة العقيدة ؛ والمفكرون لأنهم يستطيعون وقد تحرر الخيام من إسار العقائد، أن يستندوا الى آرائه وأفكاره ويفيدوا منها.
إن الاعتماد المحض على المخطوطات دون اعتبار لأية أمور أخرى يبتلي الباحث بأخطاء فاحشة، كالذي وقع لأحد الخياميين الأفاضل الباحث التركي "عبد الباقي جول [258[ بيارلي"، إذ عثر على تسع (9) رباعيات باسم الخيام في إحدى المخطوطات فضمنها "مجموعة في حين أنها ليست قريبة من كلام الخيام. غير أنه حذف أربعا ( 4) من رباعيات الخيام الأصيلة لأنها وردت باسم "أفضل الدين" في مجموع خطى بجامعة استانبول، على حين أنها خيامية الأسلوب والأفكار، بعيدة الصلة بأفضل الدين كاشي. والرباعيات المحذوفة.
1 - الدائرة التي أتينا منها وإليها معادنا....(79)
2 - * طبائع الأنفس ركبتها*
3 - "لأن الوجود لا يكون بهواك غير لحظة..... "(80)
4 -*هل الجام مهما تم صنعا ودقة.............؟*
إن كتاب "المجاميع"، خاصة اذا لم يكونوا من أهل اللغة،
يأتون بالعجائب والمضحكات أحيانا، كالذي فعله أحد كتاب المجاميع الترك (947 هـ)، إذ جمع عددا غفيرا من الرباعيات باسم الخيام في وصف أمثال أجير الإسكاف، وأجير الخباز، وأجير النساج. وكلها رباعيات مبتذلة عارية من أي مذاق أدبي. يقال أن ثلاثا من رباعيات هذا المجموع أعد لها هذا الشطر الأخر:
"هب نسيم السحر، وقال: انا"
ليتسابق ثلاثة من الشعراء في نظمها امتحانا لطبائعهم،أخذها صاحب المجموع وأدرجها فيه، وهي:
رأيت الورد يتربع على أطراف العشب،ممزقة ثيابه، [259[
وهو يقول: من مزق ستار جمالي ?
هب نسيم السحر، وقال: انا
كانت "شقائق النعمان "، وهي تتفتح في فضاء العشب،
تقول للياسمين بحرقة:
من يا ترى ينزع عن الورد حلته الذهبية ؟
هب نسيم السحر، وقال: انا
حين يممت صوب العشب متنزها في شهر "دي "(81)،
وألفيت حلل الورد ممزقة،
قلت: من مزق حللك الخفراء هذه؟
هب نسيم السحر وقال: أنا
ومثل هذا، إحدى المخطوطات، في مكتبة باريس (121S. T 1481 Bloceh )وهي تضم أربعا وثلاثين (34) رباعية باسم الخيام. فالبيتان التاليان، اللذان ليسا رباعية في الأصل وقد يكونان لأحد الشعراء المتأخرين، أثبتا فيها رباعية للخيام:
الجدة والشباب والحب وشذى الربيع،
والشراب والماء والخضراء والوجه الحسن،
ما أحلاها، خاصة لمن يستمع وقت الصبوح
الى انغام المزهر العذبة وتغريد الطير الشجي،
إن هذا الخلط والتداخل في المجاميع والنسخ الخطية يفضي الى نتيجة قاطعة، هي أننا لا نستطيع أن نعتمدها، ولا نستطيع،بالطبع " أن ننسب وفقا لها وحدها، رباعياتها الى شاعر ما [260].