( 109 ) مدار الأفكار
إيذاء الأطباء
يقول الشاعر العربي :
غلط الطبيب علي غلطة مورد= عجزت موارده عن الإصـدار
والناس يلحون الطبيب وإنما= غلط الطبيب إصابـة الأقـدار
إن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية , وتعدّ من أصعب المهن وأشرفها وأعلاها قدرا ومنزلة،
وتتطلب ذكاء حادّا، وصبرا طويلا، وقدرة كبيرة على التمييز بين الأعراض ، و تقوم- كما جاء في ( لائحة آداب
مهنة الطب المصرية ) الصادرة بتاريخ 5 سبتمبر 2003م - على العلم و تحتم على من يمارسها أن يكون ملماً
بها و مدرباً تدريباً كافياً على ممارستها و أن يحترم الشخصية الإنسانية في جميع الظروف و الأحوال، وقد
صنف الإمام الغزالي - رحمه الله - علم الأبدان في مرتبة بعد علم الأديان مباشرة , وقد جاء في ( نظام
مزاولة المهن الصحية) في المملكة العربية السعودية والصادر بتاريخ 4/11/1426هـ : ( إنَّ الطبيب
مؤتمن على صحة الإنسان وهي من أثمن ما لديه ومؤتمن على أسرار المرضى وأعراض النّاس، ولذا
صارت مهنة الطب من أشرف المهن وأنبلها، فإن عرف الطبيب قدر مهنته وعظيم شرفها لم يسعه إلا أن
يتصرف بما يليق بقدرها ومكانتها فيسمو بنفسه عن ارتكاب كل ما لا يليق به وبمهنته كالخداع، والكذب،
والتزييف، وإخلاف المواعيد والتكبُّر، وادعاء مالا يعرف، وغير ذلك ممّا لابد أن يُعرف إن عاجلاً أم آجلاً،
فيكتب في ميزان سيئاته، وينقص قدره عند الناس، فيخسر دينه ودنياه ) , و يقول الدكتور حسن الزهراني:
( لقد كانت الناس و إلى عهد قريب تسمي الطبيب حكيماً , وهي نقطة تجمع بين سمات العلم والحكمة
والضمير, و إن مهنة كهذه تتطلب من صاحبها أخلاقيات رفيعة قد لا تكون بالمستوى نفسه في المهن
الأخرى , وتفرض عليه سمات ومواصفات سامية لا تتوافر وللأسف الشديد إلا في القليل ) , ورغم إن مهنة
الطب تفرض على المنتسب إليها مستوى معيناً من السمو الأخلاقي إلا أنها كغيرها من المهن لا تخلو من
الدخلاء وقد تم اكتشاف عدد من الأطباء المزورين لشهاداتهم وكان آخرهم ما نشر عن طبيب عمل
اختصاصياً في جراحة المخ والأعصاب ثم اتضح بأنه سباك ، وفي أرقى مستشفيات الخليج اكتشف
العشرات من المزورين مما يدل على أن حجم المشكلة كبير وبالذات في الخليج والبلاد العربية وكذلك تضم
المهنة بعض ضعاف النفوس من أربابها ممن يستغل هذه المهنة الشريفة لتحقيق مآربه الدنيئة , وقد تناقلت
وسائل الإعلام عن أطباء ينتهكون أعراض مريضاتهم بل ويغتصبونهن ويصورون تلك الأفعال المشينة
و هو أمر يندى له الجبين, والمثير في الأمر أن الظاهرة عالمية وفق تقارير من أمريكا وأوروبا ثم للأسف
الشديد في دول عربية, أما ظاهرة الأخطاء الطبية فحدث ولا حرج , فقد بات لا يخلو منها مستشفى بما في
ذلك المستشفيات الكبرى ومع هذا مازال الدفاع مستميتاً من قبل البعض عن المخطئين مما أوجد ظاهرة
ضرب الأطباء والاعتداء على الجسم الطبي , والتي يقول عنها الدكتور مخلد الفاعوري عندما تابع برنامجا
يسلط الضوء على الظاهرة : ( لقد ظهرت أصوات وبوضوح مع الاعتداء على الطبيب وكل له رأي نابع
من شعوره بالمرارة والمعاناة من سلوكيات بعض الأطباء وشعور الشخص مثلا في بعض مراكز الإسعاف
إن الطبيب لا يقوم بالتفاعل والحرارة المطلوبة في تعامله مع الحالة القادمة إليه مثلا كأن يكون يتحدث عبر
هاتفه الخلوي ولا يقوم بقطع مكالمته فورا أو يتقدم الطبيب نحو حالة ببطء شديد وتثاقل أو مثلا لا يبدي
تعاطفا مع المريض أو ذويه ) , ويقول الدكتور خالد بن علي الوزان موجها الأطباء الجدد : (لا يغرنّك خطأ
الآخرين مهما علا قدرهم، فخطأ الآخرين ليس مبرراً في أن ترتكب الخطأ، والله محاسبك على عملك، والإثم
ما حاك في نفسك وإن رأيت من هو أعلى منك قدراً يـرتكبه) ,ولكن رغم كل ذلك وبعيدا عن التطرف في
مطالب بعض العاملين في الحقل الطبي يبقى التأكيد على أن عمل الطبيب يستهدف مصلحة المريض
المطلقة, أما الأسباب والمبررات التي يسوقها البعض فأنها لا تمنح المريض أو أحد ذويه - مهما تكن
الظروف والحالة النفسية – أن يمارس أو يوقع أي إيذاء على الطبيب الذي نذر نفسه من خلال عمله
للإنسانية وخدمتها, والأجدر في حال وجود الخلل تقديم شكوى إلى الجهات المسؤولة وفق القوانين التي تحكم
الجميع وتنظم العلاقات البشرية .
ما يملك الدكتـور مصبـاح مـارد= حتى يحقق كل مـا يطلـب الفـرد
ترى الخطأ بأعمال الإنسـان وارد= والحكم للقانون بالخصـم والطـرد
من حق موهوب الوطن يا أبو جارد= نهدي له التقدير مع باقـة الـورد