السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعود التساؤلات المنطقية من جديد، بسؤال منطقي يحمل بين طياته الكثير من علامات الاستفهام، محاولة استقراء الأحداث والوقائع، للوقوف على حقيقة الوضع الراهن، لتقديم تصورات تتضمن الحل في بعض جوانبها.
هل
موجة الإصلاح ...
لوزير التربية ...
موجة مفتعلة؟
تسونامي
التربية 2013، بدأ من خلال تسريب اختبار واحد، في هذا العام الدراسي، فكانت الشرارة التي أحرقت الكثير من المناصب، التي قد تكون هشة أساساً، إلا أن ما يتبادر للذهن، تساؤل مشروع حيث هناك من مشكلات كثيرة يعاني منها الجسد التربوي، إلا أن ردة فعل الوزير أثارت الدهشة، وصاحبها ذلك التساؤل المتمثل في: هل وزير
التربية لا يعلم عن الأعوام السابقة وما حصل فيها؟ أم أن
موجة الوزير الإصلاحية العارمة مفتعلة؟ دعنا عزيزي القارئ نفترض حسن النية، بأن الوزير كان يعلم بما يدور في أروقة التربية، إلا أنه ينتظر الدليل، وعندما توفر الدليل، بدأ في موجته الإصلاحية.
هذه المقالة هي منح الوزير المعلومة والدليل، على أحد مكامن الخلل، التي من خلالها تصاعدت
موجة الفساد، والتي يجب أن يعاد النظر فيها، والبحث عن آلية جديدة تحقق العدل والمساواة والكفاءة. المشكلة في التربية، ليس في الوزير بذاته، إنما في الموجهين، والآلية التي تسمح بالترقي للوظائف الإشرافية، والتي اعترضت عليها منذ سبع سنوات ولازلت معترضاً.
الآلية المتبعة في الترقي للوظائف الإشرافية، والكشوف التي تنشر في الجريدة الرسمية سنوياً ويباركها الوزير نفسه، تلك الآلية كرست الشللية في بعض جوانبها، وجعلت من الموجه الفني كأنه هو رب العمل، والمعلم يعمل لديه، بالصخرة. أو على أحسن تقدير كأن الموجه الفني من أفراد المباحث، والمعلم هو المجرم، حيث يقوم الموجه الفني بالبحث عن أخطاء المعلم، ويبدأ محاضرته المملة، التي في أغلبها تتضمن نبرة الاستعلاء، وأحياناً نبرة التوبيخ، وكأنه العالم الأوحد، والملم في جوانب المادة العلمية، والفنية. تلك العلاقة لاشك أنها موجودة، وإن كانت تتفاوت بين المناطق التعليمية؛ تلك العلاقة أشاعت الفساد في الجسد التربوي، كيف؟
من خلال تلك العلاقة، ظهر مثل مصري، أصبح قاعدة تربوية، والمثل المصري المتبع "تمام يا أفندم"، فأتبع تلك القاعدة فئة من الذين عرفوا كيف يرضون أهواء هؤلاء الموجهين الفنيين، وتسلقوا عبر تلك الآليات على أسس طائفية وشللية وعنصرية وغيرها، فترقى البعض منهم، رغم أحقية غيره بذلك الترقي؛ وبدأ يلعب الدور ذاته (دور المباحث)، عبر نفوذه الجديدة الممنوحة له من قبل آلية الترقي، رغم تدني الكفاءة العلمية والتربوية.
معترض على آلية الترقي للوظائف الإشرافية، وسبب الاعتراض الجوهري يكمن في تساؤل، لم يستطيع أن يجب عليه الموجهين أنفسهم، عندما توجهت إليهم بالسؤال خلال السبع سنوات الماضية، ويتجسد التساؤل بالآتي: بأي حق يضع الموجه الفني أو مجموعة من الموجهين، أسئلة تحريرية أكاديمية (تخصصية) يختبرون المعلم طالب الترقي من خلالها، ويقومون بتصحيحها؟ ما هو المبرر الأكاديمي لذلك؟ هل نصب الموجهين أنفسهم، علماء في تلك التخصصات؟ أم أنهم صدقوا الكذبة السابقة أنهم العلماء الأوحد في تخصصاتهم؟ أم أنهم أقوى اعتماداً من الجامعات التي منحت تلك الشهادات العلمية؟
عندما توجهت بتساؤلاتي لأحد الموجهين ممن توسمت بهم الإنصاف بحضور عدد من الموجهين، في أحد لجان التصحيح لشهادة الثانوية العامة، فكان رده صاعقة، حين قال "إن تمسكت برأيك هذا، فسوف يأتي من هو أصغر منك سناً، رئيس عليك"، فعلمت حينها أنني أطرق الباب الخطأ. أعجز حقيقة عن قبول هذا المبدأ، ولا يمكن لعقل قبوله أو تبريره، الموجه يحمل شهادة علمية هي ذاتها مع ذلك المعلم، فلا يحق له أكاديمياً أن يختبر من يوازيه، في الشهادة العلمية، بل أن بعض المعلمين، فاق الموجه في شهادته العلمية، فلا يوجد مبرر مقبول عقلاً لتلك الاختبارات الأكاديمية. قد يكون بعض الموجهين صاحبة الخبرة التربوية (إن أحسنت الظن)، فإن جاز لهم وضع الاختبارات التحريرية، فستكون ضمن الإطار الوظيفي، وأسس التعامل التربوي، منطلقاً من تلك الخبرة، وليس في الجانب الأكاديمي، لأن الموجه الفني، مهما عمّر طويلاً في التربية، أو عايش المنهج الدراسي سنوات كثيرة، ذلك كله لا يمنح له الحق اختبار المعلين أكاديمياً.
إن كان وزير
التربية يبحث عن الإصلاح، فيجب نسف تلك الآلية، حتى تتلاشى تلك الشللية، التي امتهنتها بعض الشخوص من خلال التسلق عبر تلك الآلية للترقي للوظائف الإشرافية. التواجيه الفنية عاجزة على تقييم أنفسها، بل أن أغلبها لا يملك رؤية مستقبلية، ومن ذلك فهي عاجزة عن تقييم معلميها، لعل وزير
التربية لا يعلم أن عمر كتاب مبادئ الفلسفة مثلاً الذي يدرس في الصف الثاني عشر الأدبي تجاوز 30 عام، أي أنه أكبر عمراً من أغلب المعلمين الذين يدرسونه، والمؤلف الرئيس لهذا الكتاب هو الأستاذ دكتور إمام عبد الفتاح إمام، وما جرت عليه من عمليات قص ولصق، لو أطلع عليه مؤلفه، لرفع قضية على وزارة التربة، لما يحتويه من أخطاء. من جهة ثانية تجاوز هذا الكتاب 30 عام، أما أن الأوان لإحالته التقاعد، هو من بلغ 30 عام في خدمة الدولة؟ ومن جهة ثالثة ألا يوجد خبرات وكفاءات في الدولة تستطيع تأليف كتاب مدرسي، هل بلغ الضعف في تواجيه المواد في وزارة
التربية هذا المبلغ من الضعف؟
بند الكفاءة لا يعترف فيه العديد من الموجهين، وكذلك بعض مدراء المدارس، ولا يمكن تحميل ظاهرة الغش فقط على المعلمين، أو الملاحظين، لا يتجرأ الملاحظ أو المعلم على التهاون في الغش إن كان رئيس اللجنة، أو مدير المدرسة، لا يسمح تصريحاً أو تلميحاً في ذلك؛ لذلك الخلل متفشي، في جسد النظام التربوي، حتى أصبح بعض الطلاب يرى أن ظاهرة الغش هي الحق الطبيعي له، بل وهناك من يروج لآليات غش عبر وسائل الإعلام، وللقارئ أن ينظر في الصحف الإعلانية، ليرى حجم الإعلانات في هذا الشأن، وتلك الآليات التي تساعد على الغش واضحة جداً، ومنتشرة انتشار كبير جداً، ولنا في التعليم المسائي ونسب النجاح فيه خير مثال. يجب أن تكون هناك عقوبات رادعة لمثل هذه الانتهاكات، لإعادة هيبة التعليم، والمعلمين، واحترام الشهادة الدراسية.
منذ أكثر من سبع سنوات كانت هناك تحركات للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، والتي بطلها معلمي وزارة
التربية أنفسهم، في القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، بل والعديد من قياديين وزارة
التربية على علم بهؤلاء المعلمين، ولم يحركوا سكاناً بهذا الشأن. تمثلت تلك التحركات الإصلاحية التي قامت بها الوزيرة السابقة والأستاذة الفاضلة نوريه الصبيح، بتشكيل لجنة لحصر هواتف معلمين الدروس الخصوصية من الصحف الإعلانية، والتحقق من أسماء أصحابها، عبر شركات الاتصالات المحلية، وإن كانوا تابعين للوزارة، تطبق بحقهم العقوبات المقررة في هذا الشأن، وهي من الخطوات الإصلاحية المهمة.
هذه بعض النقاط، التي تمثل أمراض متفشية في الجسد التربوي، فكن يا وزير
التربية الطبيب المعالج، لتلك الأمراض عبر أدواتك القانونية، ولا تعيش في الأبراج العاجية التي سكنها غيرك من وزراء التربية، وتركوا الواقع التربوي للقاعدة المتداولة "تمام يا أفندم". فتراكمت الأخطاء والقصور، حتى أصبحت قواعد تسيّر المنظومة التربوية إلى التدهور والتخلف، مما أدى إلى ضعف للمخرجات التربوية، التي تغذي التعليم الجامعي بذلك الضعف، وواقعنا التعليمي يشهد بذلك. هذا والله من وراء القصد.
فيلسوف الكويت
29 يونيو 2013