( 105 ) مدار الأفكار
شهر التسامح
يقول الشاعر العربي :
أتى رمضان مزرعة العبـاد= لتطهير القلوب مـن الفسـاد
فـأد حقوقـه قـولا وفعـلا= وزادك فاتـخـذه للمـعـاد
إن رمضان يحرك النفوس إلى فعل الخير ويسكنها عن الشر ّ, فتكون بالخير أجود من الريح المرسلة وأبعد
عن الشرّ من الطفولة البلهاء , ولشهر رمضان منزلة رفيعة ومكانة عظيمة بين الشهور , فهو الشهر الوحيد
الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان ) ( البقرة : 185 ) , وهو الشهر الذي اختصه بفريضة الصيام وأنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر
التي يعد العمل فيها خيرا من عمل ألف شهر, وإن العمرة فيه تعدل حجة فيما سواه مصداقا لقول النبي صلى
الله عليه وسلم : ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) وهو شهر الطاعات , وكسب الأجر والحسانات, واجتناب
المعاصي والمنكرات , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم
من ذنبه ) أي أنه ينبغي أن يكون مؤمنا بفرضيته ووجوبه وأن يكون محتسبا للأجر فيكون صيامه من التقوى
وإخلاصا لله لا لتقليد مجتمعه وأهله وعاداتهم , وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشّر
أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول : ( جاءكم شهر رمضان شهر بركة , يغشاكم الله فيه , فينزل الرحمة
ويحطّ الخطايا ويستجيب الدعاء , ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته , فأروا الله من أنفسكم خيرا ,
فإن الشقي من حرم رحمة الله ), ويقول سفيان الثوري : ( بلغني أن العبد يعمل سرّا فلا يزال به الشيطان
حتى يغلبه فيكتب في العلانية ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يحمد عليه فينسخ من العلانية فيثبت في
الرياء ) , فالمقصود بالصيام هو طاعة الله سبحانه وتعظيم حرماته , وجهاد النفس على مخالفة هواها
في طاعة مولاها , وتعويدها الصبر عما حرّم الله , وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر
المفطرات وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الصيام جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا
يرفث ولا يصخب , فإن سابّه أحد أو قاتله أحد فليقل إني صائم ) و صح عنه عليه السلام أنه قال : (من لم
يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ,وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم
: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا العطش والجوع ) فالصيام ينقي القلوب ويهذب النفوس وعلى المسلم
أن يلتزم سمو الأخلاق, وقويم السلوك في رمضان وفي غيره من الشهور إلا أن رمضان فرصة ثمينة يجب
أن تستغل لتدريب النفس على الأخلاق الحميدة , والأفعال المفيدة وكما يقول الشاعر الشعبي:
حييت يا شهر الفرح والتراويـح= شهر التلاوة والوتر والفضيلـه
شهر المحبة والرضا والتساميح= شهر التراحم والصلة والنفيلـه
شهر التهجد والثناء والتسابيـح= شهر الصيام اللي عظيم ٍ حصيله
إن إدراك شهر رمضان نعمة ربانية , ومنحة إلهية , ففيه تتضاعف أجور الأعمال الصالحة , وتفتح أبواب
التسامح والتواصل والإحسان , والعفو والصفح والغفران ونتمنى أن يستغل الجميع هذا الشهر الكريم وما فيه
من صفاء ونقاء وروح تسامح لطرح الخلافات ونبذها وطي صفحات التشاحن والنزاعات فهو موسم
للاستزادة من الخير والبعد عن الشرّ .
حييت يا شهر التسامح والإحسان= شهر ٍ بخيره يرجحن الموازيـن
شهر التواصل والتراحم وقرآن = ونبذ الخلاف وكل ما يقدح الدين