أحياناً تجلس النساء اثنتان أو ثلاثة مع بعضهن أو أكثر وعندما نجلس ليس هناك بد من الكلام والكلام كالمعتاد نخوض في سيرة واحدة إما بخير وإما بشر وإذا حدث وتحدثنا في سيرة واحدة بشر فإنها "الغيبة" وهي أن نتكلم في حق واحدة بكلام لو دخلت علينا هي أثناءه يحمر وجهنا ونتضايق لأنها عرفت أننا نتكلم في حقها لكن إذا تكلمنا في حقها بالخير فلا مانع أما الغيبة فإن الله قال{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} وذلك لأن كل مشاكل الناس سببها الغيبة وقد منعها الله لأنها تفسد العلاقات بين الناس وهي ذنب قبيح جداً عند الله ولذلك وصف الله من تتكلم في حق أختها المسلمة كأنها تأكل لحمها وهي ميتة وأنتم بالطبع تعرفون الكلاب هذه الكلاب إذا كان أمامها جيفة يتشاجرون مع بعضهم عليها وكل واحد منهم يريد النصيب الأكبر لكن لو كلب منهم مات لا ترضى الكلاب أن تقربه ولا تأكل منه أبداً فإذا كانت الكلاب لا تأكل لحم أخيها الميت فهل الإنسان يأكل لحم أخيه الميت؟لا وقد ضرب الرسول مثلاً في الغيبة اسمعوا له {بينما رسول الله جالس مع أصحابه يحدّثهم إذ قام فدخل فقام زيد فجلس في مجلس النبيّ وجعل يحدّثهم عن النبيّ إذ مرّ بلحم هدية إلى رسول الله فقال القوم لزيد: وكان أحدثهم سناً يا أبا سعيد لو قمت إلى النبيّ فأقرأته منا السلام وتقول له: يقول لك أصحابك:
إن رأيت أن تبعث إلينا من هذا اللحم فذهب زيد إلى النبي وأخبره بطلب أصحابه فقال له النبي «ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَقَدْ أَكَلوا لَحْماً بَعْدَكَ» فجاء زيد فقال: قد بلغت رسول الله، فقال «ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَقَدْ أَكلوا لَحْماً بَعْدَكَ» فقال القوم: ما أكلنا لحماً وإن في هذا لأمر فانطلقوا بنا إلى النبي نسأله؟ فجاءوا إليه فقالوا: يا رسول الله أرسلنا إليك في اللحم الذي جاءك فزعم زيد أننا قد أكلنا لحماً فو الله ما أكلنا لحماً فقال«كَأَنّي أَنْظُرُ إِلى خُضْرَةِ لَحْمٍ زَيْدٍ في أَسْنانِكُمْ»فقالوا:أي رسول الله فاستغفر لنا قال: فاستغفر لهم}[1]{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} وحدثت واقعة قريبة من ذلك في رمضان ولكنها مع التمثيل العملي والذي شاهده الحضور: جلست إحداهن تسلى صيامها مع جارتها بعد العصر بالحديث وتكلمتا في حق فلانة وفلانة ثم بعد قليل كادتا أن تهلكا من العطش واستمعن إلى الحديث الشريف بنصه وهو سهل الفهم وميسر{أَنَّ ٱمْرَأَتَيْنِ صَامَتَا وَأَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَاهُنَا ٱمْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا وَإنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنَ الْعَطَشِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ عَادَ وَأُرَاهُ قَالَ:بٱلْهَاجِرَةِ قَالَ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهُمَا وَاللَّهِ قَدْ مَاتَتَا أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا؟ قَالَ «ٱدْعُهُمَا»
قَالَ: فَجَاءَتَا قَالَ: فَجِيءَ بِقَدَحٍ أَوْ عُسٍّ فَقَالَ لإحْدَاهُمَا «قِيئِي» فَقَاءَتْ قَيْحاً وَدَماً وَصَدِيداً وَلَحْماً حَتَّى مَلأَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَىٰ «قِيئِي» فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَصَدِيدٍ وَلَحْمٍ عَبِيطٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَلأَتِ الْقَدَحَ ثُمَّ قَالَ «إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا جَلَسَتْ إحْدَاهُمَا إلَى الأُخْرَىٰ فَجَعَلَتَا تَأْكُلاَنِ مِنْ لُحُومِ النَّاسِ}[2]وقال {إن الغيبة تفسد الصوم}[3] وبذلك فإن حضرة النبي أكد على خطورة الغيبة بما لا يقبل الشك يعني أي إن صامت الفريضة في رمضان أو تطوعت وتكلمت مع جارتها أو زميلتها على أخرى غيبة لأصبحت مفطره وذلك لأنها أكلت{يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} ولذلك نهى رسول الله عن الغيبة نهيا تاماً والأخطر من ذلك هو قذف المحصنات الغافلات وهي أن أتهم واحدة بأن مشيها بطال وهذا القذف عقوبته في الدنيا أن تجلد الواحدة ثمانين جلدة وعقوبته في الآخرة يقول فيه حضرة النبي {إِنَّ قَذْفَ المُحْصَنَةِ يَهْدِمُ عَمَلَ مِئَةِ سَنَةٍ}[4]فما لنا وذلك طالما لم أرى ولم أسمع لماذا أخوض في ذلك؟إذاً على المسلمة ألا تغتاب مسلمة أبداً وتعود نفسها على ذلك لكي تضمن النجاة يوم لقاء الله والأخطر من الغيبة أيضاً هي النميمة أي نقل الكلام وهي منتشرة بين النساء وورد أن الشيطان طلب من الله أن يأذن له في أن يتسلط على بني الإنسان
ليهلكهم قالوا: بماذا تهلكهم؟ قال: بالغيبة والنميمة إذا سمعت واحدة كلمة وكان لابد تنقلها يا ليتها تنقلها كما هي ولكن لابد أن تعمل لها ديكور في الأول والآخر وتجعل الصدور تتضايق وتقول: فلانة ساعة ما أشوفها تدير وجهها الناحية الثانية لماذا؟ أنا عملت فيها إيه؟لم تعرف أن واحدة أخرى أوقعت بينهم وأوصلتها كلمة سوء والنميمة كما رأينا من الممكن أن تقود إلى الفتنة والفتنة شر من القتل وأخطر النميمة إذا كان نقل هذا الكلام لقطع الأرحام مثلاً الزوج عائد من العمل فتستقبله زوجته: لقد فعلت أمك كذا وكذا أو أختك قالت: كذا وكذا أو أخوك قال كذا وفعل كذا فيأخذ الرجل موقفاً من أمه أو أخته أو أخيه وهذا ما نسميه قطع الأرحام وسبب ذلك كله نقل الكلام ومن تنقل الكلام هي زوجته التي من المفترض أن توطد العلاقات بينه وبين أمه وإخوته وأخواته وتعينه على صلة الأرحام مع أنه إذا تكلم عن أمها تقول: لا تتكلم عن أمي فهي كذا وكذا وإذا تكلم عن أختها تقول: أختي كذا وكذا وتريد منه أن يتركها تبر أمها لكي تدخل الجنة وفي نفس
الوقت تعمل على أن يقطع هو أمه لكي يدخل النار ويلحق بالنميمة نقل كل الكلام الذي نسمعه أي كما نقول فلانة لا يبتل في فمها فولة أي كل ما تسمع تقوله وأيضا التسمع لكلام الناس والتصنت وهم يتحدثون ولا يعلمون وهاتان الصفتان وردتا في الحديث الشريف {لا يدخل الجنة قتات}[5] والقتات : النمام ناقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد أو هو ناقل كل ما يسمعه أو النمام فلنحذر كل هذه الصفات جميعاً ماذا نفعل إذاً لنقلع عن النميمة؟ نفعل كما كان يفعل أصحاب رسول الله فقد وصل بهم الأمر إلى أنهم قضوا على آفة النميمة نهائياً كيف؟عندما كان الواحد منهم يأتيه من يقول له: أخوك قد قال عليك كذا فيقول: لا أريد أن أسمع فيشعر من ينقل الكلام بالخزي فيذهب لآخر فيقول له أيضاً: لا أريد أن أسمع فيشعر من ينقل الكلام بالخزي فينتهي النمام من المجتمع وكان النبي يقول لهم معلما لهم ولنا أجمعين
{لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر}[6] أما نحن الآن فنفتح آذاننا لمثل ذلك ولو رأيت واحدة بيني وبينها شيء قعدت معها واحدة أخرى لا أرتاح إلا إن قابلتها وسألتها عما قالته علىَّ المرأة الأخرى وأظل ألح عليها إلى أن تقول ونحن بذلك من نشجع النمامين ويكفي في النمام أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام حدث أن شح الماء في عصره وكاد الناس أن تهلك من قلة الماء فماذا يفعل؟قال: نصلي صلاة الاستسقاء فخرج الرجال والنساء والأولاد والحيوانات ليدعوا الله ومعهم سيدنا موسى ولم ينزل الماء فقال: يا رب فقال:يا موسى لن أستجيب لكم وفيكم نمام فمن أجل نمام واحد منع الله الإجابة فقال سيدنا موسى مخاطباً ربه وطمعا في رفع الضر عن قومـه:يا رب من هو حتى نخرجه قال:يا موسى أنهاك عن النميمة وأكون أنا نمام فقال موسى: يا قوم هيا بنا نتوب جميعاً إلى الله فتابوا جميعاً ثم دعوا الله فاستجاب الله لهم وأنزل المطر [1]المستدرك للحاكم عن زيد [2] رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ [3] ذكره الغزالي في الإحياء وقال: رواه بشر بن الحارث عن الثوري [4] رواه الطبراني والبزار عن حذيفة. [5] أخرجه البخاري ومسلم عن حذيفة[6] فيما رواه ابن مسعود وحققه الألبانى درجته من الصحة
منقول من كتاب [المؤمنات القانتات] http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...CA&id=12&cat=2