( 101) مدار الأفكار
أثاد العبّاد
يقول الشاعر العربي :
يا تاركاً لصلاتـه= إن الصلاة لتشتكي
وتقول في أوقاتها= الله يلعن تاركـي
إن الصلاة في اصطلاح الفُقَهاءِ تعني عِبادة تتضمّن أقوالا وأفْعَالا مَخصوصة، مُفْتَتَحَةٌ بِالتكبير مُخْتَتَمَةٌ
بِالتسليم، وهي جنة المسلم وسلاحه، وعنوان سعادته وفلاحه، وهي المفتاح الدائم الذي يفتح به كل قفل،
ويكشف به كل ما غم قلبه وأهمه وأشغل خاطره، إنها ليست حركات رياضية ونظاما رتيبا جامدا، لا روح
فيه ولا حياة، إنها عمل مشترك بين الجسم والعقل والقلب، الجسم قيام وركوع وسجود، والعقل تدبر وتفكر
واعتبار، والقلب خشوع وامتثال وخضوع، قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون)
(المؤمنون :1-2)، وهي علامة مميزة للمؤمنين المتقين، كما قال الله تعالى: (وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ) ([البقرة:3)،
و للصلاة في دين الإسلام أهمية عظيمة، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة بعد الشهادتين، وهي
الكتاب الموقوت، والتواضع لكبرياء الله، والخشوع لعظمته، والخضوع لربوبيته وهي غذاء القلب ومناجاة
الرب وعماد الدين، وأحب الأعمال إلى الله وأداؤها مع الجماعة من أوكد العبادات وأجل الطاعات وأعظم
شعائر الإسلام، قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) ( النساء : 103) و قال تعالى:
( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) (البقرة : 238)، وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (رَأْسُ الأمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُوده الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنامِهِ الجِهَادُ في سَبِيْل الله)، وينعت تارك الصلاة
بالكفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) وقال أيضا : (العَهْدُ الذي
بَيْنَنَا وبينهم الصلاةُ، فمن تَركها فَقَدْ كَفر)، و قال صلى الله عليه وسلم : (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة
عن الصلاة، فإن صلحت، صلح سائر عمله، وإن فسدت، فسد سائر عمله)، و قال صلى الله عليه وسلم : (لا
تترك الصلاة متعمدا، فإنه من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله) وقال ابن القيم الجوزي
رحمه الله: (الصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة دافعة للأذى، طاردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه
مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى،شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب،
حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن)، ورغم أن إقبال فئة
الشباب والصبيان على أداء الصلاة مع جماعة المسلمين يبشر بالخير إلا أن تصرفات بعض كبار السن من
رواد المساجد - هداهم الله - أصبحت منفرة وطاردة للصبيان ممن بلغوا سن التمييز حيث يتم تأخيرهم دون
وجه حق من الصف الأول إلى الثاني وربما إلى الأخير وقد هجر كثير منهم المساجد نتيجة تلك التصرفات
غير المقبولة وعندما سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه عن ذلك قال: (أنني أوجه
النصيحة لأهل المسجد بأن تتسع صدورهم للصبيان الذين يشرع مجيئهم إلى المسجد، وأن لا يشقوا عليهم، أو
يقيموهم من أماكنهم التي سبقوا إليها، فإن من سبق إلى شيء فهو أحق به، سواء كان صبياً، أو بالغاً، فإقامة
الصبيان من أماكنهم في الصف فيه: إهدار لحقهم؛ لأن من سبق إلى ما لم يسبقه إليه أحد من المسلمين فهو
أحق به، و فيه تنفير لهم عن الحضور إلى المساجد، كما أن الصبي يحمل حقداً أو كراهية على الذي أقامه
من المكان الذي سبق إليه، إضافة إلى أنه يؤدي إلى اجتماع الصبيان بعضهم إلى بعض فيحصل منهم من
اللعب والتشويش على أهل المسجد ما لم يكن ليحصل إذا كان الصبيان بين الرجال البالغين. وأما ما ذكره
بعض أهل العلم من أن الصبي يقام من مكانه حتى يكون الصبيان في آخر الصف، أو في آخر صف المسجد
استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) فإنه قول مرجوح معارض بقول
النبي صلى الله عليه وسلم ( من سبق إلى ما لم يسبقه إليه فهو أحق به) والاستدلال بقول النبي صلى الله عليه
وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) لا يتم؛ لأن معنى الحديث: حث أولي الأحلام والنهى على التقدم حتى
يلواالنبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أقرب إلى الفقه من الصغار، وأتقن لوعي ما رأوه من النبي أسمعوه،
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى. ولو قال (لا يلني إلا أولو الأحلام
والنهى)، لكان القول بإقامة الصبيان من أماكنهم في الصفوف المتقدمة وجيهاً. لكن الصيغة التي جاء
بها الحديث هي أمره لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا حتى يلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالرفق
والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة أمور مهمة ينبغي على الدعاة ورواد المساجد التحلي بها والحذر من الشدة
والغلظة وأساليب التنفير، وقد قال الرسول الكريم عن بعض أصحابه في خطبة له «ان منكم منفرين» بسبب
شكوى أحد المصلين من الإمام الذي نفره من صلاة الجماعة بسبب تطويله للصلاة.
يا متبع نهج النبي والصحابـة=حذراك من تأخير بعض الشبيبة
دنياك بالأعمال ما هي نهابـة=واللي سبق للصف يأخذ نصيبه
ترى العمل يحتاج لين وحبابـة=وحذّر من التنفير نبراس طيبة
عبد العزيز الفدغوش