مما قرأت من كتاب الكوكب الدري أن الحياة مليئة بالوقائع المختلفة, وقد تصدمك في أحيان تصرفات غير متوقعة من أشخاص تكنّ لهم الاحترام, فيصفك أو يصف أهلك أو وطنك أحدهم بأوصاف بذيئة وكلمات نابية، عندها كيف ستتصرف؟ وماذا سيكون جوابك؟ هل سترد على تلك الإساءات أم إنك ستصمت؟
لدى كل واحد منا نقاط ضعف قد تكون سبباً لزعزعة إستقراره العاطفي والنفسي, فإذا كان هناك ما يعكرصفو حالة الطمأنينة التي تشعر بها, فما عليك إلا أن تستوعب تلك الصدمات بفضل ما تملكه من إرادة قوية وروح ومرحة, وتحوّل الصدمة السلبية إلى قوة إيجابية تكون في خدمتك بدلاً من أن تصبح قوة مدمرة ضدك.
فلو أعترض أحدٌ على أمر وكان الحق إلى جانبه حاول تحاشى إنتقاده ولاتحاول أن تنبش عن عيوبه ونقاط ضعف شخصيته, بل الواجب عليك أن تؤيد حقه فيما ذهب إليه من الرأي أو الموقف وفي ذلك تتحقق فائدتين الأولى: دعم المفاهيم الحق والعدالة في المجتمع الثانية: منع إستمرار حالة الخلاف إلى شجار، وقبل أن تدلي بشيء يجب عليك أن تعتذر إذا كنت مخطئاً بحق صاحبك ومن ثم تسأله بشكل مهذب عن الحل المناسب للمشكلة.
الخلافات دائما تنتهي الى التعقيد، فعادةً ما نجد أن طرفي الخلاف متمسكان بأن الحق إلى جانبها, لذلك فأن الطريق الأنسب ليس هو إدامة النقاش في الموضوع وإنما قطع الحوار والشجار بصورة مهذبه, لأن الحوار الذي لايكون هدفه الوصول إلى الحقائق فإنه بلا شك سيتحول إلى جدل عقيم كما يقول المثل الروسي : لايمكن إعادة الكلام الذي قيل لأنه أصبح كالطائر في السماء).
بطبيعة الحال إن نيران الغضب ستشتعل في قلبك عندما يقابلك أحدهم بالإساءة, ولكن ماذا سيكون تصرفك حيال ذلك, فهل ستختار الصمت؟ أم سترد وبعدها ينتابك الندم؟
هناك من لايستطيع أن يسيطر على شعوره ولسانه, فتنطلق الكلمات مبعثرة في الأجواء وهي تمثل كلمات متقاطعة وسيئة, ولن تساعد على حل الأزمة بل تضيف إليها الوقود والحطب.
إذا إشتكى أحدهم من أمرٍ وكان محقاً في شكواه فليس من اللائق أن تأتي له بالمبررات وإنما أن تعتذر إليه لما حدث, يقول أحدهم أنه شاهد أحد المراجعين لعيادة الطبيب وهو متوتر الأعصاب وينظر إلى ساعته باستمرار وفجأة قام من مقعده وتوجه نحو الشباك في قاعة الإنتظار وضربها بيده بعصبية قائلاً: أين الطبيب؟ كان المفروض أن أدخل عليه في الساعة الثالثة؟ ما الذي جرى؟ فردّ عليه موظف الاستقبال: أنت محق يا سيد, وأنا أعتذر لأنك إنتظرت طول هذه المدة, للأسف الطبيب لديه عملية جراحية, ولو تسمح لي كي أتصل به واستعلمه عن الوقت الذي سيأتي به إلى العيادة, وبشكل عام فإني أشكرك على تحملك وصبرك هذا.
لو عبرت عن أسفك لأحدهم فإن ذلك لايدل على أنك أرتكبت خطأ ما, فمع قليل من الإنتباه والتركيز بالإمكان حل إشكالية ما ينبغي فعله, من خلال منع امتداد المشكلة وتضخمها إلى مديات لايمكن السيطرة عليها.
يقول أحدهم أنه ذهب مع زوجته إلى منزل والدها حيث كانوا في إستضافة العائلة على العشاء, فبدأت الحديث عن الشارع الذي أوقفوا العمل به, فرد والد زوجتي قائلاً: من المفرح أن يحدث ذلك لأنه ما كان ينبغي أن يفتتح هذا الشارع في هذه المنطقة بالذات, لأن تعبيده كان سيعرض قرية تاريخية إلى الدمار.
فقلت: مع عدم وجود هذا الشارع فإني مضطر إلى التأخير ساعة كاملة حتى أصل إلى المنزل, وأعتقد من الضروري وجود هذا الشارع لرفع الإزدحام عن بقية الشوارع التي أثقلت بالسيارات التي فاق عددها أربع أضعاف السيارات قبل عشرة أعوام ولكن عدد الشوارع لم يتغير. فردّ والد زوجتي قائلاً: الأنانية هي من أهم سمات جيلكم فأنتم لاتفكرون إلا بتغيير الزمان والحياة ولايهمكم بعد ذلك أي شيء حتى ولو كان ذلك الشيء جزء من تاريخكم.
فقدت السيطرة على أعصابي وقلت: أنتم لاتستطيعون أن توقفوا عجلة التطور. فنهض والد زوجتي من مقعده ورجع إلى الوراء قليلاً ثم قال: لست مجبراً على الجلوس إلى طاولة الطعام وأن أستمع إلى هذا الكلام!.
وكنتُ أمل أن لايحدث كل ذلك, فلو فكرتُ قليلاً بأهمية هذا الموضوع بالنسبة إلى والد زوجتي لعرفت كيف أتصرف بذكاء مع هذا الموضوع ولا أدع الأمور تسير على المنوال التي سارت عليه, وكان الأجدر بي أن أتهرب من الموضوع من خلال تحويل مسار الحديث إلى شيء آخر, لا يثير الخلاف.
بعض الناس فنانون في إدارة الحوار والخروج من المأزق الكلامي, وهم أكثر ذكاءاً في التخلص من مواقع إثارة الفتنة والجدل, من خلال إتباع أساليب ديبلوماسية تكون مرضية لأنفسهم وللآخرين, فليس من المناسب دائماً أن يصر المرء على صحة أقواله وإن يستند في ذلك على أدلة عقلية أو علمية, لأن الجلسات الشعبية أو حتى لقاءات الزوج مع زوجته هي ليست طاولة للبحث العلمي او التفاوضي حتى يمكن للمرء التنازل عن بعض ما يعتقد بأنه صواب من أجل إضفاء روح الحب والمحبة على الجلسة التي لايراد منها حل المشاكل العويصة كالمشكلة الفلسطينية فلماذا التعصب للرأي, وما هي الضرورة أن يثبت المرء صحة رأيه للآخر ويدخل معه في جدل عقيم وينتهي إلى الشجار والخصام.
إذا كانت طاولة البحث هي طاولة علمية والمراد منها هو إستخلاص نتيجة علمية من البحث الجاري, سيكون لزاماً على المرء أن يتعصب لرأيه وأن يجادل بكل الطرق والوسائل لإثبات صحة ما يذهب إليه.
ولكن الجلسة إذا كانت عائلية والغرض منها تقوية أواصر المحبة بين أفراد الأسرة, فإنها لن تكون مكاناً مناسباً للنقاشات الحادة والمثيرة للجدل والشجار, وللأسف نلاحظ إنه بعض الأزواج وبرغم علمه أن شريكه يثار بمجرد طرح المسألة الفلانية, فإنه يدأب على طرح الأمور المثيرة للجدل والشجار, ويحاول كل واحد من الزوجين أن يعيد الى أذهان الطرف الآخر الكلمات والأفكار والتعليقات المثيرة لإشمئزازه وكأنه يتخذ من هذه الطريقة كوسيلة للإنتقاص منه وتحقيق الغلبة عليه, وهو لايعلم بأن الشجار العائلي ليس فيه رابح أو خاسر بل الجميع هم الخاسرون..
بارك الله فيك أبا سعد على هذا الطرح الرائع
كل الود والورد لك