( 96 ) مدار الأفكار
ضياء الحياء
يقول الشاعر العربي:
فلا والله ما في العيش خير=ولا الدنيا إذا ذهـب الحيـاء
يعيش المرء ما استحيا بخير= ويبقى العود ما بقي اللحـاء
إن الحياء كما عرفه العلماء: (خلق كريم من أخلاق الإسلام يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق
ذي الحق)، فهو نعمة عظيمة، وخلق نبيل يبعث على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات، ويدعو للخير
و يمنع صاحبه من التفريط والتقصير، ويعد من معالي الأمور التي يحبها المولى عز ّ وجل ّ لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: (إن الله حَيي ستير، يحب الحياء والستر)، وكان النبي عليه الصلاة والسلام أشد الناس حياء،
و إذا كره شيئاً عرفه الصحابة في وجهه)، والحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرَّها ورغب
فيها في مواضع عديدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء شعبة من الإيمان)، وقال صلى الله عليه
وسلم: ( ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه)، وقال في حديث آخر:
(الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)، لأن كلاً منهما داع إلى الخير مقرب منه، صارف
عن الشر مبعد عنه، فالحياء كله خير وبركة ونفع لصاحبه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الحياء لا
يأتي إلا بخير ) وقال : (الحياء كله خير) ويكون الحياء في الإنسان من ثلاثة أوجه أحدها: حياؤه من الله
تعالى. والثاني: حياؤه من الناس، والثالث: حياؤه من نفسه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين
خلقًا، وإن خلق الإسلام الحياء) وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (“من ذهب حياؤه، مات قلبه)
وقال ابن القيم رحمه الله: (من لا حياء فيه فليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما
أنه ليس معه من الخير شيء)، ويقول أحد الحكماء: (حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه) ، ويقول
غيره: (من كساه الحياء ثوباً لم ير له الناس عيباً) ويقول أفلاطون (غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه)،
ويقول أحد الحكماء: (أحيوا الحياء بمجالسة من يستحي منه، وعمارة القلب: بالهيبة والحياء فإذا ذهبا من
القلب لم يبق فيه خير )، ويقول غيره : (استح من الله بقدر قربه من عقلك، وأطعه بقدر حاجتك إليه، وخفه
بقدر قدرته عليك، واعصه بقدر صبرك على النار، واعمل للدنيا بقدر مقامك بها، واعمل للآخرة بقدر بقائك
فيها) وقيل خمس علامات من الشقوة: (القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا،
وطول الأمل) ويقول يحيى بن جعدة: (إذا رأيت الرجل قليل الحياء ؛ فاعلم أنه مدخولٌ في نسبه)، ومن حياء
المسلم أن يغض بصره عن الحرام، وعن كل منظر مؤذٍ، مما يقتضي غض البصر، ويقول بهاء الدين العاملي
في مؤلفه القيم المخلاة: (لا وفاء لمن ليس له حياء، وأمير بلا عدل كغيم بلا مطر، وعالم بلا ورع كأرض
بلا نبات، وشاب بلا توبة كشجرة بلا ثمر، وغني بلا سخاء كقفل بلا مفتاح، وامرأة بلا حياء كطعام بلا
ملح)، وحياء المؤمن ملازم له كالظل وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه، فهو يجعل صاحبه
لا يعرف الكلام الفاحش، ولا التصرفات البذيئة، ولا الغلظة ولا الجفاء، إذ إن هذه من صفات أهل النار،، وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في
النار)، فالحياء خلق يجمل كل فرد وكل إنسان، ولكنه في حق المرأة آكد وأكثر التصاقاً وتميزت المرأة
المسلمة على مر العصور عن سائر النساء بميزة الحياء الذي فهو زينة حيائها، ودليل عزتها، فلا قيمة للمرأة
بدون الحياء وقد امتدح القرآن الكريم حياء المرأة في قصة موسى عليه السلام، قال تعالى: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء)
(القصص: 25)، وقيل في الأمثال: (حياء المرأة أشد جاذبية من جمالها)، و (كلما زاد بالمرأة الخجل طال لها شهر العسل)،
ويقول الشاعر العربي :
إن الفتاة حديقة وحياؤهـا= كالماء موقوف عليه بقاؤها
ويقول شاعر آخر:
إذا قل ماء الوجه قل حيـاؤه=ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك وإنمـا=يدل على فعل الكريم حيـاؤه
فالمرأة بدون حياء لا خير فيها، ومن الحياء أن تلتزم الفتاة المسلمة في ملابسها بالحجاب،، فلا تظهر من
جسدها ما حرَّم الله، بل تجعل الحياء عنوانا لها وسلوكا يدلُّ على طهرها وعفتها، ومما يؤسف له في الوقت
الحاضر أن خُلق الحياء قد اغتيل باسم التمدن والحرية، وبدعوى التحضر والعصرية، ومن جراء الغزو
الفكري فقد نزع الحياء الذي يرفرف حوله الإيمان ويصقله ذكر الله والقرآن وفقد عند كثير من النساء إلا من
رحم الله .
ترى الحياء للخير والعز ّ عنـوان=وشعبة من الإيمان في منهج الدين
نور ٍ يشع ويكتسي وجه الإنسـان=وبالدين والدنيا يعـدل الموازيـن
عبدالعزيز الفدغوش