( 95 ) مدار الأفكار
فقيد التوحيد
يقول الشاعر العربي:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـم=على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه=والجاهلون لأهل العلم أعـداء
ففز بعلم تعش حياً بـه أبـداً=الناس موتى وأهل العلم أحياء
إن العلم أجلُّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزُّ ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد
الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين، والعلماء هم حملته
وخزنته، قال تعالى: «وما يعقلها إلا العالمون». العنكبوت «43» وقال عز ّ وجل ّ: (إنما يخشى الله من عباده
العلماء) (فاطر: 28) أي أن العلماء الذين عرفوا الحق وآمنوا به وعملوا له هم من يخشى الله تعالى ويخاف
عقابه ويرجو ثوابه، قال ابن عباس: «يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني» وقال
مجاهد والشعبي «العالم من خاف الله تعالى» وقال الربيع بن أنس «من لم يخش الله فليس بعالم»، فالعلماء هم
سادة الناس وقادتهم الأجلاء، و منارات الأرض، وورثة الأنبياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل
العلماء: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا
لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل
العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا
دينارًا ولا درهما و إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلّموا
العلم وعلّموه الناس، وتعلّموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمتموه)، وفي بيان أن
العلم أساسه العلماء وركنه الذي يقوم به قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض
العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)،وقال معاوية بن
أبي سفيان رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)
(ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا مات العالم انثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف مثله)،
وفي 13 يوليو الحالي فقدت الأمة الإسلامية العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين - رحمه الله - الذي يعد أحد
كبار علماء الدين البارزين فهو من مواليد 1352هـ،(1933م)، في إحدى قرى «القويعية» وسط المملكة،
وبدأ تعلم العلوم الشرعية منذ صغره؛ حيث أتقن تلاوة القرآن وحفظه في سن مبكرة، وكان لوالده الأثر الأكبر
في إقباله على النهل من علوم الشريعة، والاغتراف من بحورها، ودرس علوم الحديث، وعلم التوحيد، والفقه
الحنبلي، وغيرها من علوم العربية والشريعة على شيخه الثاني بعد أبيه الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري،
ثم انتقل إلى الرياض فنال شهادة الثانوية العامة عام 1377هـ.،و عُين مدرسا في معهد إمام الدعوة عام
1381هـ (1961م)، ودرس الكثير من المواد بالمعهد كالحديث، والفقه، والتوحيد، والتفسير، والمصطلح،
والنحو، والتاريخ، وفي عام 1388هـانتظم في معهد القضاء العالي ودرس فيه ثلاث سنوات ومنح شهادة
الماجستير عام 1390هـ ثم انتقل في عام 1395هـ (1975م) إلى كلية الشريعة بالرياض وتولى تدريس
التوحيد للسنة الأولى،وفي عام 1402هـ (1981م) انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة
والإرشاد باسم عضو الإفتاء، وتولى مسؤولية الرد على الفتاوى الشفهية والهاتفية، وفي عام 1407هـ
حصل على شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة بالرياض بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، والشيخ ابن جبرين
من أشهر المفتين في العصر الحديث، وهو عضو إفتاء سابق بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء، وكان يجيب عن أسئلة المواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة، وله ما يزيد على ستين مؤلفًا، من
أهمها في مجال الفتوى: «فتاوى الزكاة»، و «فتاوى رمضانية»، و «فتاوى في التوحيد»، و «فتاوى في
الطهارة»، و «الأجوبة» «الفقهية على الأسئلة التعليمية التربوية»، و «الفتاوى الجبرينية»، و «الفتاوى
النسائية»، وعن مناقب الفقيد يقول مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ: (إن الفقيد الشيخ عبد الله بن جبرين له موروث علمي كبير تزخر به
المكتبات في أنحاء العالم، سواء كانت كتبا علمية أو أشرطة دعوية نافعة)، ويقول الرئيس العام لهيئات الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد العزيز بن حمين الحمين: (أن الأمة فقدت شيخا جهبذا وعالما فذا من
علمائها، عرف بغزارة علمه وسعة أفقه واطلاعه وفتاواه المعتدلة والقيمة، وأنه أفنى وقته لتعليم وتوجيه
وإرشاد وتنوير الناس، فنشاطه الدعوي كبير،و أن ما خلفه من موروث علمي غزير أسهم في تنوير الناس
وتعليمهم شعائر دينهم وما ينبغي عليهم في دنياهم).
مرحوم يا نبراس مضمون الإرشاد= يا من بعلمك ترشد الناس وتفيـد
بين الورى في علمك الجم ينشـاد= ولك بالعطاء ستين مطبوع وتزيد
عبد العزيز الفدغوش