الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
نعلمُ جميعًا أهميةَ الشباب ومكانتهم في المجتمع، وقد أجمع المنظرون لاقتصاديات المجتمعات على أن أهمَّ الموارد لأي بلد هم شبابها؛ إذ يعد الشباب أهم مدخرات الشعوب التي تحتاج إلى تنمية وتعهُّد بالرعاية أكثر من العناية برؤوس الأموال؛ حيث إنهم المورد الذي لا ينضب بإذن الله - تعالى - متى وجد العناية والرعاية والاهتمام، وهو في نفس الوقت أخطر عامل في تعريض المجتمع للمشكلات الاجتماعية في حالة عدم توجيهه أو استقراره، وإذا أردت أن تستشرف مستقبل أي مجتمع، فانظر إلى وضع الشباب فيه ومكانهم من البرامج والمؤسسات والمشاريع الحكومية والأهلية لهذا المجتمع، فإذا وجدت عناية بهم، فإنك ستتوقع التقدُّم والنماء لهذا المجتمع، والعكس صحيح!
ومن هنا كان لزامًا علينا إذا أردنا الخير والتقدم لمجتمعنا أن نولي فئة الشباب اهتمامنا، ونتعهدهم بحسن التربية، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم؛ ليُفيدوا ويستفيدوا، ولهذا سطرت هذا المقترح بعنوان: (أكسِبني مهارة).
وهذا البرنامج يعتمد على فكرة أن نسهل للشاب الحصولَ على مهارة تعينه على أن يَحيا حياة كريمة، وأن تتجه طاقته وأوقاته إلى الوجهة الصحيحة؛ لأنَّ كثيرًا من الشباب يقضي وقتًا طويلاً وهو حائر متردِّد لا يعرف الطريق المناسب له، ونظرًا لانشغال مَن حوله من المربين، وعجز بعضهم عن التوجيه السليم، تمر الأيام تباعًا دون أن يجد كثير من الشباب مَن يأخذ بيده إلى ما يناسبه، وإذا كنا نلاحظ هذا بوضوح في أبناء الأسر الثرية والمتوسطة، فما بالنا بأبناء الأسر الفقيرة أو المفككة، أو حتى الأيتام الذين لا يأوون إلى أسر تحتويهم؟!
وإذا طال الوقت بالشباب وهم في فراغ فكري، وفراغ في الوقت، وبطالة حقيقية، أو مقنعة مع طاقة وحيوية متقدة وحركة دائبة تأبى السكون، نتج عن ذلك تحرُّك عشوائي في أي اتجاه؛ مما قد يستغله أهل الفساد، وهذا السبب الرئيسي في أن أكثر المشكلات والانحرافات والجرائم ومظاهر الإضرار بالمجتمعات تجد ذخيرتها الكبرى في الشباب دون غيرهم؛ لأنها تستغل حاجتهم للحركة وحُبَّهم للمغامرة وبحثهم عن التغيير والجديد باستمرار، مع غياب أو عدم كفاية المناشط السليمة.
وإذا نحن استطعنا أن نُوَجِّه هذه الفئة الكبيرة من مجتمعنا إلى وجهة سليمة تشبع حاجات الشباب، وتفيد المجتمع، نكون قد نجحنا في استثمار أعظم موردٍ مِن موارد المجتمع.
وإذا كان هنالك من فئة الطبقة الثرية مَن يستطيع دفع نفقات مكلفة لتوجيه أبنائه، فإنَّ أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة والأيتام يصعُب عليهم ذلك، وهذا ملمح مهم في التعرُّف على كثرة انتشار مشكلات الشباب ونوعيتها فيما بين طبقات المجتمع بأنواعها، وعلاقة ذلك بدخلهم وثقافتهم، ووجود من يقدم لهم الرعاية والتوجيه؛ إذ تختلف مُشكلات أبناء الأثرياء عن مشكلات أبناء الأسَر المتوسطة، كما أن لدرجة تعليم الوالدين وثقافتهم أثرًا في ذلك، كما تختلف مشكلات أبناء البيئات الفقيرة بشكل يعرفه كلُّ مهتم بهذا الشأن، ونظرًا لكثرة أعداد هؤلاء في أي مجتمع، فإن من واجبات المجتمعات أن يعتني بهم، ويؤسس لذلك مشاريع ومؤسسات خيرية تتفرغ لمثل هذه الأعباء، فتقدم النصيحة والمشورة للأسر الثرية، وتعنى بإقامة البرامج والمشاريع للأسر الفقيرة أو المتوسطة التي لا تجد إلا كفافها.
وقد لفت نظري كثرةُ توجُّه أبناء الطبقة الفقيرة؛ ليكونوا حراسَ أمن في أكثر القطاعات، مع كثرة أعباء هذه المهنة، وطول مدة العمل، وقلة الرواتب التي تصرف لهم؛ إذ بالكاد تغطي المواصلات، فوصلت إلى أن السبب يكمُن في أن هذه المهنة لا تحتاج سوى مهارات بسيطة جدًّا يكتسبها الشاب من خلال العمل الميداني خلال أسبوعين على الأكثر، ثم هي مهنة غير مهينة في نظر المجتمع، إضافة إلى أنها تشبع شيئًا من الحاجة إلى الشعور بالأهمية لدى كثير من العاملين فيها حينما يكون على بوابة أو مكان عمله، ويستطيع أن يردَّ مَن يشاء ويوقف من يشاء؛ ليسأله وإن علا قدره؛ ولذلك تجد صغار السن في هذه المهنة يكثرون من هذا السلوك الذي يشبع حاجتهم للشعور بالأهمية أمام الآخرين، فهذه المهنة لبَّت لهم مطلبين مهمين هما: الدخل المادي - على قلته - والشعور بالأهمية في المجتمع، وهذان هما بيت القصيد لدى الشباب، ومع ضعف الدخل المادي وكثرة الأعباء الموكلة إليهم، فإنَّهم مع ذلك لا يحاولون التغيير؛ خوفًا من المجهول الذي لا يرغبون في المغامرة فيه مع انعدام الجهة الداعمة التي تمثل لهم شعورًا بالأمن النفسي والاجتماعي في محاولة تطوير حياتهم.
ومن هنا نشأت فكرة برنامج: "أكسِبني مهارة" الذي يُفعل دور المؤسسات الخيرية والجمعيات التي تهتم بمكافَحة الفقر، ولكنها بقيت طوال سنوات ماضية تنظر للمشكلة من جهة دعم حاجات مادية وتموينية للأسر الفقيرة، ولم تطور أنشطتها بشكل احترافيٍّ لتشمل جوانب استثمار إمكانيات تلك الأسر المتمثلة في تدريب أبنائها على العمل الشريف الذي يزيد مصدر دخل تلك الأسر، ويقلل من المدة الزمنية التي تعتمد فيها على الجمعيات الخيرية لسد حاجاتها المعيشية، وقد جاء في أمثال بعض الشعوب: أن تعلمني كيف أصطاد سمكة خيرٌ مِن أن تطعمني كل يوم سمكة.
وخير منه ما جاء به نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - كما في صحيح البخاري عن أبي ذر - رضي الله عنه - سألت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق، قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك.
ومعنى قوله: "أخرق"؛ أي: الجاهل بما يعمله، أو ليس في يده صنعة يتكسب بها.
ويقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير الناس أنفعهم للناس))؛ صحيح الجامع.
ولو ذهبنا لإيراد ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية في هذا المعنى، لطال بنا المقام؛ إذ إن حشدًا كبيرًا من النصوص الشرعية تؤصِّل عمليةَ بناء وتكافُل المجتمع وتضامنه وتعاونه، حتى يصبح كالبنيان المرصوص، كما وصفه نبينا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وبرنامج أكسِبني مهارة يركِّز على هذا الجانب: ((تعين صانعًا أو تصنع لأخرق))؛ حيث تقوم المؤسسة الخيرية بعمل مؤسسي مخطط له بحصر المحتاجين من الشباب لاكتساب مهارة وصنعة شريفة يقبل بها الشاب، ولا يشعر معها بالمهانة، وتدربه عليها من خلال التنسيق مع معاهد التدريب أو المدربين المحترفين أو المتخصصين في تلك المهارة، كما تقوم المؤسسة الخيرية بالتنسيق مع التجار وأهل الخير لدعم تلك البرامج، وتوفير الحاجات المادِّيَّة والمستَلْزَمات؛ لبَدْء الشباب عملهم بعد التدريب.
كما تقوم المؤسَّسة الخيرية بمتابَعة هؤلاء الشباب بعد تدْريبِهم وتزويدهم بمستلزمات بدء العمل، وتقوم بزيارات ميْدانيَّة لهم، وتتابع طريقة عملهم من الجوانب الفنيَّة والمالية وطرُق تعامُلهم مع زبائنهم، وتوجههم لما تراه مناسبًا من خلال خبراء متطوِّعين مع المؤسسة الخيرية في هذه المجالات.
وحينما تقدم المؤسسة الخيرية هذه الخدمة من تدريب الشباب، وتؤمن لهم مستلزمات بدء العمل، فإن لها أن تضع شعارات على السيارات أو المحلات التي يعمل فيها هؤلاء الشباب على أن تكون تلك الشعارات غير مشعرة بالمهانة، بل تركِّز على الشعارات التي تبعث الفخر في نفوس الشباب العاملين تحتها مثل: (مواهب الشباب)، و(رجال الغد)، وما شابهها من شعارات تزيد من حرص الشباب على تنمية هذه المهارات التي اكتسبوها، وعلى زيادة الانتماء والامتنان للمجتمع الذي أكسبهم إياها ودعمهم ماديًّا ومعنويًّا، وأشبع حاجاتهم نفسيًّا واجتماعيًّا.
ويُمكن للعمل على ضمان استمرار التمويل لدوام المشروع أن تقوم المؤسسة الخيرية الداعمة بتقسيط تكاليف تجهيز المشروع على دفعات بسيطة وميسرة، تتناسب مع دخل تلك الأعمال من أجل إعادة استثمارها لتمويل أعداد أخرى من الشباب المستفيدين في المستقبل؛ بحيث تشكل دورة كاملة لرأس مال المشروع خلال السنوات القادمة.
http://www.alukah.net/Social/0/37618/
lav,u H;sfkd lihvm
lav,u H;sfkd lihvm lav,u H;sfkd lihvm