( 89 ) مدار الأفكار
منهاج الزواج
يقول الشاعر العربي:
ليس الفتاة بمالها وجمالها=كلا ولا بمفاخـر الآبـاء
لكنها بعفافها وبطهرهـا=وصلاحها للزوج والأبناء
خلق الله الإنسان لعمارة الكون وتنظيم التعايش والتناسل، فشرع له الزواج، وهو تعبير يطلق على رابطة تقوم
بين رجل وامرأة ينظمها القانون أو العرف، وتنشأ عن هذه الرابطة أسرة تترتب فيها حقوق وواجبات تتعلق
بالزوجين والأولاد، وهو تعبير رائع يكشف عن علاقة فريدة بين ذاتين لا تفنى إحداهما في الأخرى، ولا
تنفصل عنها، بل ترتبطان برباط لا شبيه له يتداخل معه الإحساس بالذات مع الإحساس بالغير، في انسجام
تنفرد به المخلوقات العليا من خلق الله، وللزواج أهمية كبيرة، فهو عقد مستمر يوثق العلاقة الزوجية
ويستشعر المسؤولية الملقاة على الطرفين، وهو نظام إلهي شرعه الله لخير الإنسانية ولمصلحة المجتمع
البشري في إقامة دعائم الأسرة التي هي عماد الأمة، كما أنه تكملة للدين، وصيانة للشرف، ودلالة على
الرجولة واكتمال النضج، وقد أمر الله عز وجل عباده بالزواج ورغب فيه لما فيه من المصالح العظيمة
والحكم المتعددة، فقد جعله الله سكنا للنفس وراحة وأمنا فقال سبحانه وتعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم: 21)، وأباح
الله تعالى التعدد إلى أربع زوجات بشرط العدل في المسكن والكسوة والنفقة والمبيت، قال الله تعالى: «فَانكِحُواْ
مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ» (النساء: 3)، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال «يا
معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه
بالصوم فانه له وجاء»، وقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثربكم الأمم يوم القيامة»،
وقال صلى الله عليه وسلم: «من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر»، فالحياة الزوجية لا
تقوم ـ كما يقول الشيخ حمد بن عبد الله بن خنين ـ على عقد الزواج فقط، بل تقوم على الحب والاحترام
والوفاء والانسجام والتجانس. يقول صلى الله عليه وسلم:«إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا
تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، ويقول: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها،
فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وفي حديث آخر «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة». فالزواج آية من
آيات الله سبحانه وتعالى،وقد شرع لتحقيق مقاصد وفوائد كثيرة منها: غض البصر وإحصان الفرج والتعفف
عن الحرام، وبقاء جنس الإنسان والحفاظ على الأنساب، وكثرة النسل وتكثير سواد أمة الإسلام، وحصول
السكن والاستقرار النفسي والعاطفي، وإشاعة الفضيلة والحد من الرذيلة في المجتمع، ومما يؤسف له حقا أن
العنوسة والعزوف عن الزواج قد بدآ يطرقان أبواب البيوت المسلمة ويعزى السبب في ذلك إلى: «دراسة
المرأة، والمغالاة في المهور والتكاليف المصاحبة للزواج، والزواج من الأجنبيات»، وفي الأسبوع الماضي
تناقلت بعض الصحف والمواقع على شبكة «الإنترنت» قصة عانس خليجية في الثالثة والثمانين من عمرها
عرضت مبلغا وقدره خمسة ملايين ريال سعودي لمن يتقدم ويقبل الزواج منها، حيث حكت معاناتها وذكرت
أن لها أكثر من 15 عاما وهي تبحث عن عريس ولكن للأسف لم يقبل بها أحد! ما اضطرها إلى أن تعرض
هذا المبلغ الضخم لكي تسعد نفسها بعريس جديد!ويرى الدكتور مسلم محمد اليوسف أن الحل والعلاج لظاهرة
العنوسة في المجتمع الإسلامي يكمن في العودة إلى دين الله تعالى بتقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية
الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لاسيما في البيت والأسرة،ومعالجة
الأزمات والعواصف والزوابع التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير سبل الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج
الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الدخيلة التي لا
تتناسب مع قيم ديننا الحنيف، فالصلاح والاستقامة والديانة والأمانة هي المعول عليه قبل الاعتبارات الأخرى،
خصوصا تحري صلاح الزوج، فبصلاحه تصلح الأسرة، فالزواج نعمة عظيمة، وحافز على علو الهمة
والحياة الكريمة، ويضفي المحبة والمودة، ويحقق السكون لصاحبه والراحة من عناء الدنيا، وعونا لنعيم
الآخرة، وقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يعين على تفرغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر،
وأنس الضمير والخاطر.
يا طالبٍ بين الورى راحة البـال=أظفر بذات الدين بنت المشاكيـل
ترى الزواج يحقق الواو والـدال=ويجنّبك كثر العنـاء و الغرابيـل
خلِّ الذي لأجناس الأجناب ميّـال=واحرص على بنت البلد درة الجيل
دامك حريصٍ في مسارات الأنفال=لا ترتجي من غير دارك محاصيل
عبدالعزيز الفدغوش
الأربعاء, 1 - يوليو - 2009