( 88 ) مدار الأفكار
أصنام الإعلام
يقول الشاعر العربي:
لا تنصروا اللات إن الله يهلكها=وكيف نصرُكُمُ من ليس ينتصرُ؟
إن التي حُرّقت بالنار واشتعلَت=ْولم يُقاتل لدى أحجارها هـدَرُ
إن الأصنام تعني ما اتُخذ آلهة من دون الله ومفردها «صنم»، وتؤكد المصادر التاريخية أن أول من جلبها إلى
جزيرة العرب هو عمر بن لحي الخزاعي، يقول سبحانه وتعالى في محكم التنزيل وقوله الحق: «وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ» (إبراهيم: 35)، وفي الجاهلية عبد العرب
هذه النصب والتماثيل التي كانت تتفاوت في هيئتها بين الرجال والإناث، وكانوا يتقربون إليها بنحر الذبائح
وتقديم القرابين، قال الله عزّ وجلّ: «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً» (النساء:
117)، وقد اتخذت أحياء العرب أصناما خاصة بها وبالغوا في تكريمها وعبادتها والاعتناء بها، ومن هذه
الأصنام «أساف» و«نائلة»، وكانا قائمين عند الصفا والمروة، و«سعد» بساحل جدة وعبده ملكان من كنانة،
و«سواع» عبدته هذيل، و«العزى» أعظم أصنام قريش و«اللات» بالطائف، وكانت تعبدها ثقيف، و«مناة»
على الساحل بين مكة والمدينة وعبدتها الأوس والخزرج وغسان، و«نسر» عبدته حميّر و«هبل» أعظم
الأصنام وأشهرها وكان قائما في الكعبة و«ود» عبدته قبيلة كلب و«يعوق» عبدته همدان و«يغوث» بدومة
الجندل وعبدته مذحج قال تعالى: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى *أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى *ِتلك
إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) (النجم:19- 23)، وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «إن أول من سيّب السوائب وعبد الأصنام عمرو بن عامر الخزاعي، وإني رأيته يجر أمعاءه
في النار» ويوم فتح مكة نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله فلا يتركن في بيته
صنما إلا كسره أو حرقه وثمنه حرام»، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله موضوع أصنام
العرب فقال: «ثم اتخذوا العزى، وهي أحدث من اللات، وكانت بوادي نخلة، فوق ذات عرق، وبنوا عليها
بيتا، وكانوا يسمعون من الصوت، وكانت قريش تعظمها، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث
خالد بن الوليد فأتاها فعضدها، وكانت ثلاث سمرات، فلما عضد الثالثة: فإذا هو بحبشية نافشة شعرها،
واضعة يدها على عاتقها، تضرب بأنيابها، وخلفها سادنها، فقال الوليد: «يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت
الله قد أهانك»، ثم ضربها ففلق رأسها، فإذا هي حممة، ثم قتل السادن»، ويقول العلاَّمة عبد الرحمن بن ناصر
السعدي: «إن الوثن اسم جامع لكل ما عُبد من دون الله، لا فرق بين الأشجار والأحجار والأبنية، ولا بين
الأنبياء والصالحين والطالحين في هذا الموضع وهو العبادة فإنها حق الله وحده، فمن دعا غير الله أو عبده
فقد اتخذه وثنا وخرج بذلك عن الدين، ولم ينفعه انتسابه إلى الإسلام، فكم انتسب إلى الإسلام من مشرك
وملحد وكافر ومنافق، والعبرة بروح الدين وحقيقته لا بمجرّد الأسامي والألفاظ التي لا حقيقة لها»، ومن
المشروع كما يقول الحافظ ابن حجر: «إِزَالَة مَا فُتن بِهِ النَّاس مِنْ بِنَاء وَغَيْره سَوَاء كَانَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ
جَمَادًا» أما أصنام العصر فهي الأسماء التي صنعها الإعلام وأوجدتها المطبوعات الشعبية، والقنوات الفضائية
لبعض الشعراء والشاعرات، والأدعياء من مستشعرين ومستشعرات، وبالغت في تمجيدها وتعظيمها ونعتها
بنعوت الكمال والتنزيه، ولكل مطبوعة وقناة توابعها من هذه الأسماء التي تسعى إلى تفخيمها و«تصنيمها»
ومنحها نوادر الألقاب، وهالات التبجيل والإعجاب! وإن كان حب المدح كما يقول عبد الله بن المقفع: «مثلبة
للرجل»، إلا أن الإنسان بطبيعة حاله مجبول على حب المديح والثناء، وميال للتمجيد والإطراء، فتجده يكره
النقد وإن كان صدقا، ويطرب للإشادات وإن كان مبالغا فيها، لذا فقد اتبع البعض تعليمات وتوجيهات مسؤولي
النوافذ الإعلامية حبا في الأضواء، وتشبثا بخيوط الشهرة الزائفة، وطمعا في المزيد من الألقاب التي تجاوزت
الحدود المقبولة والمعقولة، وكما يقال في المثل الشعبي «ما زاد عن حده انقلب ضده»، وبالرغم من التفنن
بأساليب الغش والخداع، وتضليل الدهماء والرعاع، فقد انكشفت أوراق مزيد من الأدعياء، وبانت حقائق كثير
من الدخلاء، ولا يصح إلا الصحيح على الرغم من تدليس وتفاني محترفي النفاق في الثناء والمديح.
لو زاد للأصنام تمجيد الإعلام=ما ينطلي تكرار قلب المفاهيـم
زيف الثناء وأحلام الأقلام مادام=رغم التفنن باتبـاع التعاليـم