( 77 ) مدار الأفكار
أمان الأوطان
يقول الشاعر العربي :
بلادي هواها فى لسانى وفى دمي= يمجد ها قلبى ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحـب بلاده = ولا فى حليف الحب إن لم يتيم
الأمن هبة من الله سبحانه وتعالى لعباده، ونعمة يغبط عليها كل من ظفر بها، وهي مطلب يسعى إلى تحقيقه
كل مجتمع، ويتسابق إلى نيله كل فرد من بني الإنسان، وتعد من أعظم النعم بعد الإيمان بالله عز وجل، وفي
ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، وتعم السعادة ويصير النوم سباتا، والطعام هنيئا، والشراب مريئا، قال
تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف» (قريش:3- 4) وقال النبي
صلى الله عليه وسلم: «من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا
بحذافيرها»، ويقول الشيخ علي الحذيفي في خطبته الموسومة «أهمية الأمن»: «إن نعمةَ الأمن جزءٌ عظيم لا
يتجزّأ من الإسلام، فالأمنُ من تمام الدين، ولا يتحقَّق الإسلام إلاّ بالأمن، ولا يُعمل بشعائر الدين إلا في ظلِّ
الأمن، قال الله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا يَعْبُدُونَنِي لا ُيشْرِكُونَ بِي
شَيْئا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»، (النور: 55)، ويقول الشيخ منصور بن محمد الصقعوب: «إن
الأمن والأمان مطلب كل مسلم، بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات
المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نامت؛ إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا أمن، ففي رحابِ الأمن
وظلِه تعم الطمأنينةُ النفوس، ويسودها الهدوء، وترفرف عليها السعادة، وتؤدي الواجبات باطمئنان، من غير
خوفِ هضمٍ ولا حرمان، لأن الخائف لا يلتذ بالغذاء ولا ينعم بالطمأنينة، وفي رحاب الأمن يأمن الناس على
أموالهم ومحارمهم وأعراضهم، وفي ظلاله، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله، وقد دعا
إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعل الأمن في مكة قبل أن يدعو بالثمار والغذاء فقال : «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدا آمِنا
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر»(البقرة :126)، ولوتتبّع المسلم نصوصَ الكتاب
والسنّة لوجَد أنّ الأمنَ جزءٌ لا يتجزَّأ ولا ينفصِل عن الإسلام، ولعلِم يقينا أن الأمنَ من تمام الإسلام، كما قال
رسول الله لعديّ بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ حين وفد عليه: «أتعرفُ الحِيرة؟» قال له: لم أعرفها ولكن
قد سمعتُ بها، قال: «فوالذي نفسي بيده، ليُتمّنّ الله هذا الأمرَ حتى تخرجَ الظعينة- أي: المرأة - من الحِيرة
حتى تطوفَ بالبيت في غير جوارِ أحَد، ولتُفتَحَنَّ كنوز كِسرى بن هرمز»، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال:
«نعم كِسرى بن هرمز، وليُبذلَنَّ المالُ حتى لا يقبله أحَد»، قال عديّ: فهذه الظعينة تخرج من الحِيرة فتطوف
بالبيت في غير جِوار أحد، ولقد كنتُ فيمَن فتح كنوزَ كسرى بنِ هُرمز، والذي نفسي بيده لتكوننّ الثالثة لأنّ
رسول الله قالها»، ويقول عبد المحسن القاسم :«الأمنُ مطلَبٌ في الحياة لا يستغني عنه الخلقُ لقضاءِ مصالحهم
الدينية والدنيوية، وما مِن عبد إلاَّ ويبحثُ لنفسه عن أسبابِ أمنِها، ويتوقَّى جَهدَ طاقته أسبابَ الخوف التي قد
تُحدق به في طريق حياته،ومهما أُوتي الإنسان من سلامةِ بَدن ووَفرة رزق فإنّه لا يشعُر بقيمتِها إلاَّ بالأمن
والاستقرار، والخوفُ منَ الله ومراقبته مفتاحُ الأمن للمسلم في دنياه وفي أخراه، وعَقد القلب على أركان
الإيمان وتوفيرُ مقتضياته في عمل الجوارح هو المصدر الحقيقيّ لحصول الأمن في الدنيا والآخرة. والأمن
التامّ هو في طاعة الله ولزوم ذكره، قال سبحانه: «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28)، وبالأمن
والإيمان تتوحَّد النفوسُ، وتزدهِر الحياة، وتغدَق الأرزاق، ويتعارف الناس، وتُتَلقَّى العلومُ من منابعها
الصافية، ويزدادُ الحبلُ الوثيق بين الأمة وعلمائها، وتتوثَّق الروابطُ بين أفراد المجتمع، وتتوحَّد الكلمةُ، ويأنس
الجميعُ، ويتبادل الناسُ المنافع، وتُقام الشعائر بطمأنينة، وتقُام حدود الله في أرض الله على عباد الله، إن نعمة
الأمن والاستقرار من أعظم النعم التي تصلح بها الحياة وتزدهر، وجديرةٌ بأن يبذِل في سبيلها كلَّ رخيص
ونفيس، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات، في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها ففي غياب الأمن
تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج، ولا يتحقق الأمن إلا بالإيمان والابتعاد عن العصيان لأن الأمن
مشتق من الإيمان والأمانة، ونسأل الله أن يديم على كويت الخير والسلام وعلى سائر بلاد المسلمين،
نعمة الأمن والوئام والأمان والإسلام.
الأمن مطلب من قديمات الأزمان= وعزٍّ لحـال ودار غـرٍّ مياميـن
عسى تدوم بلادنا بأمـن وآمـان= في ظل من يرعى حمى راية الدين