محكمة الشعب ؟
سارة الدريس
سارة الدريس
منذ هبوب أولى نسمات الربيع العربي على الدول العربية، أيقنت أن للشعب الكلمة الأقوى، كيف
تثور شعوب على رؤوس الفساد بكلمة واحدة وهدف جمعي واحد، كيف يكسر الضعيف قيود الخوف
والرهبة ويصرخ في وجه ذلك الطاغية الذي داس على كرامتهم زمنا طويلا، هذه السنة فاجأت
العالم بنظريات لم يُفكر بها باحث مسبقا، ولو سبق أن تنبأ بأحداثها أحد لقيل بأنه يعاني ضربا من
الجنون! سنة اقتلعت رؤوس الفساد و جعلتهم كأعجاز نخل خاوية، سنة المعجزات فيها حكايات
أسطورية أضحت عبرة لمن يعتقد أن يملك القوة الكاملة لاضطهاد شعب حر، سنة تجلى فيها العدل
الالهي، كلٌ مجازى بما عمل، ومهما بلغت السنوات العجاف طولا فلابد للشمس أن تشرق من جديد.
لم يمر الربيع العربي في الدول العربية دون دماء وقتلى دفعوا أرواحهم ثمنا للتحرر من نظام سحق
كرامتهم وسلبهم أبسط حقوقهم الانسانية، فتسقط الديكتاتورية بعد نضال لتنتصر ارادة الشعب.
الربيع العربي في الكويت كان مختلفا، ملهما في أجمل شكل، راقيا الى أبعد حد، مهلا، لا تعتقد أني
أحاول أن أوهمك بصورة خيالية لا تمس الواقع بشيء، أنا أدرك تماما أننا نعاني من أزمات
سياسية جمدت خطة التنمية، الا أن الأحداث الأخيرة كانت مفاجأة لم يتوقعها أحد، فاستقالة
الحكومة بضغط من الشعب وقبولها بهذه السرعة لهي سابقة في تاريخ الكويت، هذا الحدث فرض
أداة ضغط جديدة أشركت الشعب في عملية صنع القرار، بل و الغاء أي قرار تعسفي، والوقوف في
وجه كل متخاذل، ووضعت الجميع تحت المجهر، فلن تمر أي مسألة دون محاسبة محكمة الشعب
بعد الآن.
بعد استقالة الحكومة وحل المجلس، استبشرت بعهد جديد، يعيد الكويت الى الصدارة كما كانت
دائما، الأجواء معبأة بالسياسة، في مواقع التواصل الاجتماعي، في الدواوين، وحتى في الزيارات
العائلية، البعض نادم على اختياره في المجلس المنحل ويأمل بأن يحسن الاختيار هذه المرة من
يتبنى نهجا جديدا لمعالجة أساس الفساد ويدعو لتطبيق القانون ومحاسبة سرُاق المال العام وحل
القضايا العالقة، والبعض الآخر نادم أيضا على اختياره السابق، ويعاني خيبة أمل في اصلاح ذلك
المجلس ولا ينوي المشاركة في الانتخابات المقبلة، بل ويتمنى الغاء مجلس الأمة برمته!
ان مجلس الأمة مؤسسة تشريعية لسن القوانين، أتاحت للشعب فرصة للمشاركة الفعالة في ادارة
البلاد، بأسس قوامها العدالة والمساواة بين مختلف الشرائح والفئات، فلا يمكن أن نحكم على
مؤسسة قائمة بذاتها بسبب ممارسات سلبية من بعض الأشخاص، فأفعالهم ليست حكما على
المؤسسة.
حرية الترشيح والانتخاب حق لكل مواطن كويتي، كفل لك الدستور حرية ابداء الرأي، وأتاح لك
مساحة رحبة للتعبير، وأشركك في ادارة كل شؤون الدولة، فأحسن الاختيار، ولك دور ايجابي في
عملية الاصلاح.
اختر مرشحا وطنيا لا يستند على ظهر قبيلته أو طائفته، اختر من يتبنى منهجا مدروسا ورؤية
واضحة، ففي هذه المرحلة لسنا بحاجة لتموين وألف دينار وزيادة في الرواتب تسقطها زيادة
الأسعار، بل نحتاج لمنهج لا يخدر الوضع القائم وانما يعالجه من جذوره.
وبعد كل تلك الأحداث التاريخية الرائعة، يفاجئنا غزو الفرعيات، ذلك الدود الذي ينخر جسد
الديموقراطية!