( 75 ) مدار الأفكار
جوار الأخيار
يقول الشاعر العربي :
عن الجار يسأل باغي المَحَل= قبل السؤالِ عن المنزِلِ
وغصــنُ المودَّة إن جادَهُ= سحــابُ التعهُّد لم يذبلِ
إن للجار عند العرب مكانة عظيمة، ومنزلة كبرى، ويعد حسن الجوار
في مجتمع الصحراء ـ كما يقول الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك ـ قيمة اجتماعية وضرورة
تحتمها طبيعة الحياة، كما أنه يعد مصدرا للأمن في المجتمع العربي في وقت لم تتوافر فيه أسباب
الأمن، وقد افتخر الشعراء بحماية الجار وأمنه والمحافظة على ماله وعرضه ونفسه، وعندما جاء
الإسلام دعم رابطة الجوار، وأوصى بمراعاتها، وشدد في الإبقاء عليها، وعظَّم من حق الجار
وحث على الإحسان إليه قال تعالى:«وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ»، (النساء:36)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه»، وقد
حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه فقال: «من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع أن الذي يحسن
إلى جاره هو خير الناس عند الله كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «خير الأصحاب عند الله
خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها
بلسانها، قال: «هي في النار»، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «مَا آمَنَ بي مَن بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم»، وفي تعريف الجار يقول
الشيخ محمد المنجد: "الجِوار بكسر الجيم مصدر جاور، يقال: جاور جوارا ومجاورة، ومن معاني
الجوار المساكنة والملاصقة، وتطلق على الاعتكاف في المسجد والمجاورة في الحرمين، وعلى
العهد والأمان، ومن الجوار الجار، ويطلق على معان، منها: المجاور في المسكن، والشريك في
العقار أو التجارة، وكذلك يطلق على الحليف والناصر"، وقال الشافعي رحمه الله: «(كل من قارب
بدنه بدن صاحبه قيل له جار»، وبناء على ذلك فإن المجاور على مقاعد الدراسة وصفوف الجامعة
وفي المحلات والمكاتب والشركات والمؤسسات وغيرها، يعتبر جارا، ويدخل في حقوق الجوار
الكثيرة والتي منها: «إلقاء السلام ورده، وإجابة الدعوة، والإعانة عند الحاجة، وتقديم الجار
الأقرب في الهدية، وعدم التطاول عليه بالبنيان، وعدم إيذائه بالأصوات المرتفعة، والتهنئة له
بالأفراح والتعزية بالأتراح، وكف الأذى عنه وستر عيوبه، وزيارته إذا مرض والسؤال عن صحته
والدعاء له، واتباع جنازته إذا مات، وإعداد الطعام لأهله لانشغالهم بمصيبتهم»، ويقول الإمام
زين العابدين: «وأمَّا حقُّ الجار، فحفظُه غائبا، وكرامتُه شاهدا،
ونصرتُه ومعونتُه في الحالين جميعا، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوأة»، وقد جمع أحد
الشعراء أهم حقوق الجوار حين قال:
للجار حق إذا أديـت واجبـه= جزاك ربك بالإحسان إحسانـا
فأول بالخير خير واثنيـن بـه= وإن أتى سبَُه جازيت غفرانـا
واغضض جفونك عن عورات=منزله وأوله لطفا حيثما كانـا
جاري أرى حفظه حقا ونصرته=فلست أسلم جاري عزَّ أو هانا
وحدد بعض العلماء دائرة الجيرة إلى مدى أربعين دارًا من كل جهة، وقد سئل الحسن البصري عن
الجار فقال: «أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره»، وتتفاوت
مراتب الجيران فالجار المشرك له حق الجوار، والجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام،
والقريب له حق الجوار والإسلام والقربى، فالإسلام يحرص على عقد روح التعاون بين الجيران،
ويعد محبة الخير لهم من مظاهر الإيمان الكامل مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
(والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه) .
للجار حق إذا أديـت واجبـه= جزاك ربك بالإحسان إحسانـا
فأول بالخير خير واثنيـن بـه= وإن أتى سبَُه جازيت غفرانـا
واغضض جفونك عن عورات=منزله وأوله لطفا حيثما كانـا
جاري أرى حفظه حقا ونصرته=فلست أسلم جاري عزَّ أو هانا
عبدالعزيز الفدغوش
الأربعاء, 29 - إبريل - 2009