( 73 ) مدار الأفكار
تنوير .. و.. تشهير
يقول الشاعر العربي :
أما الوَراقَةُ فهي أنكدُ حِرفــــةٍ = أوراقها وثمارهُا الحرمـــانُ
شبهتُ صاحبَها بصاحبِ إبـــرةٍ= تكسو العراةَ وجسمهـا عريانُ
تعتبر الصحافة في أي بلد من بلدان العالم ثمرة طبيعية لما حقق ذلك البلد من تقدم حضاري،
وحرية الرأي حجر الوجود الإنساني وقمة المثل العليا، ويقول فؤاد توفيق العاني في مؤلفه
(الصحافة الإسلامية ودورها في الدعوة) : (إن للصحافة شأناً عظيماً في جميع العصور إذ أقبل
الناس عليها باحثين عما يشبع لديهم حب المعرفة والاطلاع، كما تمكنهم من نقل ما حصلوا عليه
من أخبار ومعلومات، والصحافة إن نظرنا إليها من جانب آخر، إنما تعكس أوجه النشاط البشري
كما إنها سجل ووسيلة لنشر الأخبار وسرد الحوادث والمعلومات وروايتها وتعميمها، والأمة
الإسلامية كغيرها من الأمم كانت لها صحافتها ووسائل إعلامها فقد كان العرب في البيئات المتحضرة
يرسلون الرسل لتبليغ الأوامر والوصايا شفوياً أو كتابة، وكان الرواة يجوبون الحواضر الإسلامية يروون
الأحاديث، والأشعار، ويتناقلون الأخبار، وكانت القصائد وسيلة إعلامية فاعلة ينقل الشعراء والرواة من
خلالها أخبار قبائلهم، ويسجلون فيها وقائع حياتها اليومية، ومع التطور الهائل الذي تم في جميع مناحي
الحياة، أصبح للصحافة في عصرنا الحاضر أهمية بالغة الخطورة نابعة من قدرتها على التأثير بالمتلقين
وتشكيل أفكارهم ومعتقداتهم ومبادئهم، وعن أهمية حرية الصحافة ودورها في رقي وتطور المجتمعات
يقول حسن اللوزي: (إن الإرادة تتوجه نحو جعل الحرية زاد حياة، وزناد حركة وقوة دفع وتشكيل للمصير
البشري المشترك في حضارة متعددة الثقافات، وحرية الصحافة في مقدمة تلك الحريات حتى أصبح الموقف
منها والالتزام بها هو المقياس لمدى التقدم الذي صار يحرزه المجتمع في تطوره الإنساني والدولة في
مكانتها الحضارية (, ويعد ترسيخ البناء الوطني، وتأكيد قيم الانتماء إلى الوطن في مقدمة الأدوار التي
تضطلع بها الصحافة المسؤولة التي تستشعر القضايا الوطنية، وتبادر إلى تلمس الوسائل والسبل، لتقريب
وجهات النظر، وتجاوز نقاط الاختلاف، ومواطن الصراع. ويأتي هذا الدور اعتمادًا على حقائق الواقع،
وتجاوز الذاتية, ونبذ الأنانية، واتخاذ الموضوعية أسلوبًا للطرح، وأداة لتشكيل اتجاهات الرأي العام،وتؤمن
صحفنا المحلية والخليجية إيمانا راسخا بأهمية إتاحة الحرية لكل الآراء، ولكن لا يمكن إنكار أن الحرية بلا
حدود في إبداء الرأي أمر غير واقعي، ويمكن أن ينتج عنه قذف وسب لا سيما إذا كان الإنسان المتمتع
بتلك الحرية الصحافية لا يقدر رسالة الصحافة حق قدرها فتجده مجبولا على القذف والسب والخوض في
الأمور الشخصية للناس، وهذا ما نلاحظه - وللأسف الشديد – عند بعض أصحاب النوافذ الإعلامية ممن
حولوا تلك النوافذ إلى ميدان للإيذاء والانتقام واعتبروها وسيلة لتشويش الأذهان وتكدير صفو الحياة
والتقليل من شأن الآخرين، وتصدوا لكل من يخالفهم الرأي ونعتوه بأسوأ النعوت فأصبحوا بحاجة إلى
توعية وتوجيه بدلا من أن يكونوا هم أداة للتوجيه والإرشاد وتبصير القراء وتنويرهم، ومن الأجدر بمن
يتولى نافذة إعلامية أن يتحرى الدقة وأن يكون منصفا غير متحيز وألا يعارض أحدا إلا ببينة ولا يؤيد إلا
بدليل وأن يبتعد عن الحدس والتخمين في معالجة أي قضية، فالناقد الواعي ينتقد ليبني لا ليهدم، والبقاء
للأصلح، قال الله سبحانه وتعالى : ( أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً
وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ
جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَال) ( الرعد : 17)، وآمل ألا يكون في
نفس أحد أي حرج مما كتبت لأن النقد البناء هو رائد الجميع وإن اختلفت الآراء والأفكار و للنقد البناء
والهادف دور هام في تصحيح الأخطاء و تحقيق نتائج إيجابية تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
يا جاهلاً روح العمل بالصحافة= لا تتخذ من سب ّ غيرك وظيفة
ترى الصحافة منبر ٍ للثقافة = ومنار فكر ٍ والمبادي شريفة
عبد العزيز الفدغوش