( 71 ) مدار الأفكار
شــاعـر التناحر
يقول الشاعر العربي :
وإنما الشعرُ لبُّ المرءِ يعرضهُ = على المجالسِ إنْ كيساً وإنْ حُمُقا
وإنَّ أشعـرَ بيتٍ أنتَ قائلـُهُ = بيتٌ يُقالُ إذا أنشدتـَهُ صدقـا
في 13 يناير عام 2007م، كتبت مقالاً بعنوان: «شاعر المليون» وذكرت وقتها أن من
السلبيات التي تؤخذ على المسابقة أنها قرنت اسمها بالمادة وبعيداً عن سمو المعاني وروح
الشعر، كما أن لجنة التحكيم فيها تفتقد إلى عناصر من سائر دول الخليج مثل: «مملكة البحرين،
سلطنة عمان ودولة قطر»، وكذلك تسهم المسابقة في تكريس القبلية وإثارة النعرات، إضافة
إلى ضعف مستوى لجنة التحكيم – مع احترامي لشخوص الأعضاء – وها هي الصورة تتضح
بشكل أكبر في النسخة الثالثة من البرنامج الذي جاء لإثارة الفتنة واستنزاف الأموال من خلال
التصويت وبشكل مبالغ فيه حتى صدرت أكثر من فتوى بتحريم التصويت لمثل هذه البرامج، وفي
ذلك يقول الشيخ عبد العزيز الفوزان: (إن المسابقة هدفها الأساسي الربحية وأكل أموال الناس
بالباطل، وليس فيها عدل في الحكم على الشعراء، وإن من يصوت فهو يشهد شهادة زور، لأنه
يصوت وهو يعلم أن شاعره ليس بالأفضل، كما أن فيها تبذيراً للمال في غير وجه حق ، فلو أنفقت
هذه الأموال الطائلة للفقراء والمحتاجين أليس أفضل؟ كما أنها تثير النعرات القبيلة والجاهلية
التي قضى عليها الإسلام، وقد علمنا أن بعض القبائل يقوم بعقد اجتماعات وحملات تعد فيها
الولائم ويتم فيها جمع التبرعات من أجل التصويت لشاعر القبيلة، وهذه عودة للعصبية القبلية
وحمية الجاهلية)، أما الشيخ محمد صالح المــنــجد فيقول: «إن المسابقات التي تقام بين
الشعراء، يشترط لجوازها أن يكون موضوع الشعر مباحاً، ليس محرماً ولا مكروهاً، فإذا كان
الموضوع يحث على مكارم الأخلاق، والتمسك بهذا الدين الحق، وبذل الجهد في نصرته، وبيان
محاسنه، وبطلان الأديان الأخرى، فلا بأس بهذه المسابقات، بل فيها مصلحة شرعية، وقد كان
شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت ينصرون الإسلام ويجاهدون أعداءه
بألسنتهم، أما إذا كان الموضوع محرماً أو مكروهاً، كالعشق ووصف أحوال العاشقين، ووصف
الخمر، والتغزل الفاضح بالنساء، أو إثارة العصبية القبيلة، أو الوطنية، أو هجاء من لا يستحق
الهجاء، أو مدح من لا يستحق المدح ونحو ذلك، فهذه المسابقات محرمة، ولا يجوز الاشتراك
فيها، أو الإعانة عليها بأي وجه من وجوه الإعانة، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( (المائدة: 2)، ولو سَلَّمنا أن موضوع هذه الأشعار مباح، فإن
هذه المسابقات قد تضمنت جملة من المحاذير الشرعية، منها: «النظر إلى وجوه النساء
المتبرجات، وقد قال الله تعالى ) : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) )النور: 30 )، سماع
الأغاني والمعازف، التعصب للقبيلة أو البلد، وقد روى عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ،
وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا بَالُ
دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، فإذا كان التعصب لاسم المهاجرين والأنصار مع شرفهما:
محرماً، ودعوى الجاهلية، فالتعصب لمجرد القبيلة أو البلد أشد تحريماً، إرسال الرسائل ذات
التكلفة العالية، لترشيح شاعر من الشعراء للفوز بجائزته، داخل في الإسراف والتبذير المنهي
عنهما، وقد قال تعالى ):وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ
كَفُورا( (الإسراء 26: و27( ,وقال تعالى: «وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأنعام:
141)، وروى عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ َكَرِهَ لَكُمْ
قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ"، وروى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أربع:
«عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِي مَا
عَلِمَ)، وتضمنها شهادة الزور، لأن الواجب على من يشارك في هذه المسابقات أن يشهد بالعدل
بأن فلاناً هو الأحسن، أما ترشيحه لفلان للجائزة من أجل بلده أو قبيلته أو غير ذلك من الاعتبارات
فهو داخل في شهادة الزور، فهذه جملة من المحاذير التي تضمنتها مثل هذه المسابقات، ولهذا
ينصح القائمون على هذه البرامج بتقوى الله تعالى، وعدم تشجيع الناس على المحرمات.