أيها النائح المبكر مهلا
جاوز الأمر دمعك المستهلا
شق من قبلنا الورى كل قلب
ولقد كان لو شفى النفس سهلا
إنما نحن ثاكل وصريع
ذاك يشقى وذاك في الترب يبلي
ليس أرض لم يسقها صوب دمع
أو سماء لم يشجها نوح ثكلي
نشر البين في البرايا لواء
فوق هاماتنا دنا فتدلى
كل نفس في دهرها رهن يوم
يترك الدهر بالذي فيه بطلا
ويل هذي القلوب كم تتلقى
جمرات بلوعة البين تصلى
نحسب الموت ظالماً ولعمري
يحسب الظلم في الولادة قبلا
ما بماء في حوصفه وتراب
أثر صح دهر أم أعلا
شغلتني الحياة عنها بما فيها
من الغم واستوى لي شغلاً
وذوت نضرتي بماء جفون
كلما سال زاد جسمي محلا
دون شكواي ما يجل عن الشكوى
وما عنه ضاق صبري وملا
ولعمري كيف الرثاء وعندي
ما يذود الرثاء عني ذهلا
ضاق بين مذهب الكلام ونفسي
من مجال الكلام أضيق سبلا
وعصاني نظم القريض فأمسى
كل بحر وردته منه ضحلا
يا سقى الله من بطون الغوادي
مضجعاً فيه ذلك البدر حلا
قد توارى في جانبيه فكاد النجم
يهوي في إثره حين ولى
طال فيه النواح من كل باك
لمصاب بالويل حل فجلا
يقطر الدمع في المحاجر ماء
فإذا انهل صار في الخد نبلا
حسرة في القلوب منه تليها
وحشة في العيون لا تتجلى
كان ركناً لمعشر فيه ثلت
ذروة العز منهم حين ثلا
وحساماً في النائبات براه
سيف حكم من جانب العرش سلا
أن طرفاً بكى على هبو الله
حر بالدماء يسفحن بذلا
وإذا جادت الصدور عليه
بقلوب فقد وهبن الأقلا
طوت الأرض منه أكرم ذات
طهرت في الكرام فرعاً وأصلا
وحوت منه في الفضائل روضاً
قد سقته سحائب الحلم وبلا
أحزم البارعين عقدا وحلا
وأجل الكرام وصفاً وحملا
دأبه النفع للبرايا فإن لم
يك يوماً فدفع ضر تولى
لم يزل صافي الفؤاد نقياً
لم تصل عنده الخبائث حبلا
سالم العرض عف قلباً وعيناً
طاهر النفس بر قولاً وفعلا
أيها القبر قم بحق نزيل
بك ما زال للكرامة أهلا
قد عرفناك خير ترب فهل تعرف
فضلاً في جانبيك ونبلا
ظل قطر الغمام فوقك يجري
على من بك المراحم تتلى
’،
شعر / إبراهيم اليازجي