( 70 ) مدار الأفكــــار
بطل القسطل
يقول الشاعر العربي:
ثبتوا في الأرض أركان الجهاد= كي تصدوا كل كيد للأعـادي
فالشهيد أمتي في الناس حي= قال عبد القادر الشهم ينـادي
في الثامن من أبريل عام 1908م وفي مدينة القدس ولد المجاهد الفلسطيني عبد القادر الحسيني
وتوفيت والدته بعد مولده بعام ونصف العام، فنشأ في كنف والده شيخ المجاهدين في فلسطين موسى
الحسيني الذي شغل بعض المناصب العالية في الدولة العثمانية وعندما انهارت إبان الحرب العالمية
الأولى، ووقعت فلسطين في قبضة بريطانيا كان أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، ودعا
إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في
تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم
يكترث واستمر في نضاله الدؤوب، واشترك في الكثير من المظاهرات وكانت آخرها مظاهرة يافا
بتاريخ27/10/1933م حيث أصيب فيها إصابات بالغة وظل بعدها طريح الفراش حتى فارق الحياة سنة
1934م، وفي بيت العلم والجهاد تربى عبد القادر وتعلم القرآن الكريم، ثم أنهى دراسته الأولية في
مدرسة المعارف الابتدائية بالقدس، وبعدها التحق بالمدرسة الانجليزية، وأثناء فترة دراسته عكف على
قراءة كتب التاريخ، وسير الأبطال والفاتحين وأتم دراسته الثانوية بتفوق، والتحق بعدها بكلية العلوم في
الجامعة الأميركية بمصر، وهناك التقى بالعديد من الشباب العربي وتوثقت صلته بهم، وتحول بيته إلى ناد
نضالي، يناقش فيه مختلف القضايا القومية والدينية،و بعد عودته للقدس، تلقفته السلطات البريطانية
ووضعت بين يديه عدة وظائف رفيعة المستوى محاولة بذلك أن تضمه تحت جناحها إلا أنه آثر العمل في
مجال الصحافة حيث وجده أكثر رحابة ويستطيع به ومن خلاله أن يعبر عن آرائه،وبدأت نشاطاته تبرز في
الأفق الفلسطيني، ووهب الثورة جهده وشبابه، وعند تشكيل منظمة الجهاد الإسلامي تم اختياره قائدا لها
فاتخذ من بلدة (بير زيت) مقرا لقيادة الجهاد المقدس، وقسم فلسطين إلى مناطق قتالية، وكان أول من
أطلق النار إيذانا ببدء الثورة على بطش المستعمر في 6 أيار 1936، حين هاجم ثكنة بريطانية ببيت
سوريك( شمال غربي القدس) ثم انتقل إلى منطقة القسطل، وبلغت أنباؤها العالم العربي كله، فالتحق بها
المجاهدون العرب أفواجا، وخاض الثوار العرب معارك بطولية ضد المستعمرين البريطانيين والصهاينة،
وكان أهمها معركة الخضر) الشهيرة في قضاء بيت لحم، وقد جرح فيها عبد القادر جرحا بليغا، وتمكنت
القوات البريطانية من أسره، لكن رفاقه أنقذوه وحملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه ثم عاد إلى فلسطين
مع بداية عام 1938، وتولى قيادة الثوار وقاد هجمات عديدة ناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، ونجح
في القضاء على فتنة دينية كان الانتداب البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين
ومسيحييها، وفي خريف عام 1938، جُرح عبد القادر ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه إلى
المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان. ومنها إلى العراق وفي بغداد التحق
بدورة لضباط الاحتياط في الكلية العسكرية، وقد أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941،
وشارك مع رفاقه في قتال القوات البريطانية، لكنه بعد فشل الثورة أُلقى القبض عليه وصدر الحكم بسجنه،
وتحت ضغط الرأي العام العراقي والرموز الوطنية، استُبدل السجن بالنفي عشرين شهرا إلى بلدة زاخو في
أقصى شمال العراق، وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير
خطة الاغتيال فأودع معتقل العمارة، حتى تدخل الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله وطيب ثراه
- فأفرجت عنه الحكومة العراقية أواخر عام 1943م، فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة
أسرته، وفي مطلع عام 1944 توجه إلى ألمانيا، حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها،
ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947م
دخلها مع بعض رفاقه وأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس والتي تعد طليعة العمل النضالي العربي وأول
مظهر من مظاهر القوات الشعبية التي تحمل في جوهرها صفة الجيش الشعبي في بلد كان يرزح تحت نير
الاستعمار البريطاني، وخاضت هذه القوات بقيادة عبد القادر الحسيني أروع ملاحم البطولة والفداء وتكللت
جميع معاركها ضد العدو الصهيوني والبريطاني بالنجاح، إلى أن كانت معركة القسطل التي دامت أربعة أيام
بكاملها من 4:8 أبريل 1948م، وانتهت بانتزاع البلدة العربية من أيدي الصهاينة، إلا أن ذلك لم يدم
سوى بضع ساعات، حيث أعيد احتلال البلدة مجددا في خضم ذهول المجاهدين وتضعضع قوتهم بسبب
استشهاد قائدهم بطل القسطل عبد القادر الحسيني وذلك صبيحة 8/4/1948م.
لبيت في عز وشموخ المنـادي= وعسى الولي يلبسك حلة شهيدي
الله يبيحك يا منار الجهادي= يا قائد القسطل بيوم ٍ شديدي
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 8 - إبريل - 2009