كيف تتعامل مع الأشخاص المزاجيين في حياتك؟
أوضح
" د. حاتم سعيد الغامدي " ــ استشاري نفسي ومدير مركز الراشدة بجدة ــ أنّ صفة المزاجية ، هي صفه يكتسبها الفرد من التعلم من المحيط الخارجي الذي يعيش فيه ، فيتعلم من محيط الأسرة والوالدين ، وذلك حينما كان طفلاً يلاحظ هذه المزاجية من والده أو والدته ، فالطفل هنا يعتقد بأن المزاجية نمط سلوكي عادي ، فيبدأ في اكتسابها من خلال الملاحظة ومن خلال التركيز ، مشيراً إلى أن المزاجية هي " الكبت " لذلك فهي لا تحمل البوح بمعناه ، فالرجل حينما يكتسب المزاجية ويكبر على ذلك فهو يعتقد أنه بمزاجيته تلك يحصل على متطلباته في كل يسر وسهولة ، وحينما يرغب في الزواج يشعر بأنه يُعاني من كبت داخلي عميق ، فتتشكل لديه النظرة السوداوية للحياة ، ونظرته لذاته ينقصها التقدير العالي ، وبالتالي هو لا يعبر عن مشكلاته تجاه الآخرين ، فيعتقد بأنه بصمته يحل مشكلاته بالداخل بعيداً عن الآخرين ، إلا أن الحقيقة أن تلك المشكلات تتفاقم بداخله .
متقلب المزاج : وأشار " الغامدي " إلى أن متقلب المزاج كثيراً ما يكون متقلباً بين حالة السعادة والحزن ، فمرة منطلق ومرة منسحب على ذاته ، فهذا يُعاني من حالة نفسية نتيجة القلق الذي يأتي من الاكتئاب والنظرة التشاؤمية من الأشياء ، مضيفاً أن الإنسان الذي ينقلب مزاجه بين الانطلاق والتراجع في ذات الوقت مع الآخرين فإنه يعيش حالة من تراجع خارطة الدماغ إلى الماضي ، أو ربما انسحب إلى المستقبل الذي يخافه كثيراً ، وذلك هو الإنسان الذي لا يعرف أن يعيش اللحظة ، فهناك من يذهب إلى عزاء لكنه لا يعرف كيف يؤدي ذلك العزاء ، أو ربما ذهب إلى " حالة فرح " لكنه موجود وهو في حالة حزن وغضب ، موضحاً أن المزاجيين أنواع : فهناك من الناس من هو في حالة تقلب مزاجي دائم ، وهناك من هو متقلب بين التقلب والاستقرار في المزاج فمرة سعيد ومرة حزين وهذا يعتمد على حالته النفسية التي ينطلق من خلفيتها ، أما الشخص الدائم في تقلبه فهو غالباً ما يكون شخصاً مكتئباً ، ومنسحباً من المجتمع فلا يستطيع أن يشارك في المناسبات الاجتماعية وربما فجأة شارك الآخرين بشكل جيد ، مؤكداً على أن الاتزان في الشخصية هو الذي تعطي الإنسان صفة الديمومة ، لذلك فإن التقلب في المزاج دليل على وجود مشكلة نفسية لدى الإنسان لا يعرف كيف يعالجها ، وهناك كبت في الداخل لا يستطيع أن يلاحظه . مزاجية المشاعر : وأوضح أن السبب الذي يدفع الكثيرين إلى أن يعتقدوا أن المزاجية صفة مرتبطة بالأشخاص غير الاعتياديين مثل الكُتَّاب والروائيين والشعراء يكمن في أن المزاجية هي في حقيقتها مرتبطة بالفكر ، فالكُتَّاب مثلاً يعيشون بفكرهم ، والفكر يؤثر في المشاعر والمشاعر تؤثر في السلوك ، هذا المثلث المعرفي يؤثر في المشاعر ، فحينما يتذكر المرء حدثاً ماضياً مؤلماً فإنه من المؤكد بأن مشاعر الشخص في ذات اللحظة ستتأثر وتتغير وبالتالي ستنقل هذه المشاعر إلى المحور وهنا تطغى على الشخص حالة من الحزن والكآبة فيتغير سلوكه ، وهذا ما يحدث للروائي أو الكاتب فلا بد أن يعيش هذه الحالة حتى يُبدع ، فمن يكتب رواية حزينة جداً لابد أن يستحضر مشاعر الحزن حتى يعيشها فيكتبها ، وهذه ماتسمى " السيكودراما " فكأنه يعيش فلماً داخلياً ليستطيع أن يُعبر عنه في الخارج ، وهذا قد يكون جزء من الإبداع ولكنه يؤثر على الخارج ، ولذلك فإن الشخصيات الأكثر تعقيداً في الحياة غالباً ما تتصف بالتقلب المزاجي . شخصيات بسيطة : وأشار " الغامدي " إلى أن ذلك يجعل الشخصيات البسيطة في الحياة كثيراً ما تعيش في سلام دائم ؛ لأنها تُسلِّم أمرها لله وتتقبل جميع ظروفها ، موضحاً أن هناك فرقاً بين حالة الحزن التي يخرج منها الإنسان بشكل عادي وبين المزاجية والتقلب في السلوك فالمزاجية سمة في الشخصية ، إلا أننا لا بد أن لا نتعامل مع الآخرين على أنهم " ملائكة " فمن الطبيعي إذا حزن الشخص أن ينسحب من الآخرين لأيام ولكنه سرعان ما يعود ليعيش حالته الطبيعية ، فلذلك المزاجيون لا يرتبطون باللحظة ، فإذا ضحك خاف من كثرة الضحك ، وإذا حزن عاش ذلك الحزن بشكل كبير ، مضيفاً أن المعرفة وكثرة معرفة الشخص سلاح ذو حدين ، فالمعرفة تُعطي أفقاً أوسع يمنحه القدرة على أن يمتلك درجة عالية من التكيف في الحياة ، فالعلم سلاح ذو حدين ، والإنسان حينما يُحب أن يقرأ كثيراً في الروايات البوليسية فإن سلوكه سيتأثر وينحى منح الإستخباراتية والشك الدائم بالأشياء ، كما يتوقع شراً أكثر ، بخلاف الشخص الذي يقرأ في الشعر مثلاً ، فمن الطبيعي أن تنعكس تلك المعرفة على سلوكه ، فالثقافة تغير الإنسان للأفضل ، وذلك ما يفترض أن يكون ، إلا أنه ليس كل الثقافة تعطيك الحقيقة ، وذلك ما يجعلها خطرة على المتلقي ، ولذلك فهناك معرفة إيجابية تقود إلى التبصر في النفس ، من رغب بمعرفة الله بشكل عميق لا بد أن يعرف نفسه أولاً بشكل أعمق ، لذلك فالناس الذين لديهم وعي كبير بالخارج يكونون أقل إدراكاً للوعي الذي بالداخل ، فكلما كان الشخص أكثر وعياً بداخله كلما كان شخصية مرتبطة مع الذات والقدرة على التكيف في الحياة . الارتباط بالقيم : وأما عن ارتباط المزاجية بالقيم التي يؤمن بها الفرد في الحياة ، فيرى " الغامدي " أن المزاجية هي جزء من قيمة الشخص مع نفسه ، فالشخص المزاجي يعتقد أن المزاجية هي قيمة حقيقية موجوده في حياته ، وإلا لما تشكلت في سلوكياته ولذلك فهو في الحقيقة يرفض أن يخرج من هذه القوقعة المغلقة ودائرة الألم لأنه يعتاد عليها ، موضحاً أن المزاجية ترتبط بكلا الجنسين وليست حصراً على الرجل دون المرأة وهي المزاجية العرضية التي لا بد أن نتقبلها ، بخلاف المرضية منها .
وعن آثار تلك المزاجية ، فيؤكد " الغامدي " على أن الشخص المتقلب في مزاجه يؤثر على نفسه في المقام الأول أكثر بكثير من تأثيره على الآخرين ، أما المحيطون به فإن كانوا إيجابيين فإنهم سينفرون منه بلا شك ، فالشخص المزاجي لا يتلاءم إلا مع الأشخاص المزاجيين الذين يشبهونه في الحياة ، وربما إذا استسلم الإيجابيون له فإنهم قد يكتسبون منه تلك الصفة ، ولذلك فإن عكس صفة المزاجية " الانبساطية " والتفاؤل فالمزاجي " شخص متشائم " يتصف بالانسحاب وعكس ذلك الشخص المنطلق .
المصدر : جريدة الرياض العدد 15789 سؤالي :
ماهي أسماء كتاب الله " القرآن الكريم "؟