( 68 ) مدار الأفكار
كذبة أبريل
يقول الشاعر العربي:
لا يكذب المرء إلاّ من مهانته = أو عادة السّوء أو مـن قلـّة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحـة = من كذبـة الـمرء في جدّ وفي لعب
إن الكذب - وهو الإخبار بخلاف الحقيقة - محرم شرعا، ويعد من مساوئ الأخلاق، فهو من
ذهاب المروءة ومهانة النفس وقلة الحياء، وبالتحذير منه جاءت الشرائع، وعليه اتفقت الفطر،
وبه يقول أصحاب الشيم، والعقول السليمة، «ولا الكذب يصلح في جد ولا هزل)، قال تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» (التوبة:119)، وقال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون
بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (النحل: 105)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول
الله– صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما
يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى
الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً)،
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) آية المنافق ثلاث إذا حدث
كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)، وعن معاوية بن حيدة قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له)، وعن أم المؤمنين عائشة-
رضي الله عنها - قالت: (ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله من الكذب، ما اطلع على أحد من ذلك
بشيء فيخرج من قلبه حتى يعلم أنه قد أحدث توبة)، وقال أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -: (إياكم
والكذب فإنه مجانب الإيمان)، و عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: (لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى
تدع الكذب في المزاح)، ويقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه (لا خير في صحبة من تجتمع فيه هذه
الخلال: (من إذا حدّثك كذبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإن أنعمت عليه كفرك وإن أنعم منّ
عليك)، وعن سعد بن أبي وقاص قال: ( المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب)، ويقال من
كانت الغيبة والكذب دأبه فلا يطمع أنه يخرج من الدنيا مع الإيمان، فالصدق عزّ وهو ميزان الله الذي يدور
عليه العدل، وهو أحد أركان بقاء العالم، وأصل المحمودات، وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت
أحكام الشرائع، والكذب ذل ّ وهو مكيال الشيطان الذي يدور عليه الجور، والاتصاف بالكذب:
انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق، وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب
والسنة، وعلى تحريمه وقع الإجماع، وقد توعّد الله الكاذب بعقوبات دنيوية مهلكة، وبعقوبات
أُخروية مخزية، منها: (النفاق في القلب، و الهداية إلى الفجور وإلى النار، ورد الشهادة والفتيا
والرواية، وسواد الوجه في الدنيا والآخرة) ولم يأت في الشرع جواز الكذب إلا في أمور معينة لا
يترتب عليها أكل حقوق، ولا سفك دماء، ولا طعن في أعراض... الخ، بل هذه المواضع فيها إنقاذ
للنفس أو إصلاح بين اثنين، أو مودة بين زوجين، فعن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب،
والكذب ليصلح بين الناس) ولم يأت في الشريعة يوم أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها
ما يشاء من الأقوال، ومما يؤسف له أن بعض جهلة المسلمين يتحرى الكذب في اليوم الأول من
شهر أبريل ويظن أنه يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي، ويعد ذلك من باب التفكه والمزاح إذ
انتشر بين عامة الناس ما يسمى بـخدعة أو(كذبة أبريل) ( FOOL APRIL)، وهي البدعة التي
بدأت في فرنسا عام (1564م) ومنها انتشرت إلى مشارق الأرض ومغاربها، وترتب على فعلها
مفاسد كثيرة، فمن الناس من أخبر بوفاة ولده أو زوجته أو بعض محبيه فلم يحتمل الصدمة ومات،
ومنهم من يخبر بإنهاء وظيفته أو بوقوع حريق أوحادث تصادم لأهله فيصاب بشلل أو جلطة أو ما
شابههما من الأمراض، وبعض الناس يتحدث كذبا عن زوجة شوهدت مع رجل آخر فيسبب ذلك
قتلها أو تطليقها، وقصص وحوادث كذبة أبريل لا نهاية لها، وكله من الكذب الذي يحرمه الدين
والعقل، وتأباه المروءة الصادقة.
لا تنخدع في بعض الأقوال يا صاح=خلك حليم وحكّم الشرع بوضـوح
ما للدجل والكـذب ميعـادٍ إمبـاح=ولا هو ترى في أول أبريل مسموح
ما هو مباح ٍ لو نعت ضحك ومزاح=وخير الورى ما جازه يقال بمزوح
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 1 - إبريل - 2009