( 63 ) مدار الأفكار
نور العصور
يقول كعب بن زهير من قصيدته الموسومة ( البردة ) :
أنبئت أن رسول الله أوعدني= والعفو عند رسول الله مأمول
إن الرسول لنور يستضاء به=مهند من سيوف الله مسلول
كانت «مكة» على موعد مع حدث عظيم كان له تأثيره في مسيرة
البشرية وحياة البشر طوال أربعة عشر قرنا من الزمان، وسيظل يشرق بنوره على الكون، ويرشد
بهداه الحائرين، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، و كان ميلاد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم
كما يقول سمير الحلبي؛ أهم حدث في تاريخ البشرية على الإطلاق منذ أن خلق الله الكون، وسخر
كل ما فيه لخدمة الإنسان، وكأن هذا الكون كان يرتقب قدومه منذ أمد بعيد، وفي (12 من ربيع
الأول) من عام الفيل الموافق23 من أبريل سنة 571 م شرف الكون بميلاد سيد الخلق وخاتم
المرسلين «محمد» صلى الله عليه وسلم الذي يعرف بابن الذبيحين، فأبوه «عبد الله» هو الذبيح
الذي نذر «عبد المطلب» ذبحه ثم فداه بمائة من الإبل، وجده "إسماعيل " – عليه السلام- هو
الذبيح الذي فداه ربه بذبح عظيم، وقد اجتمع للنبي -صلى الله عليه وسلم- من أسباب الشرف
والكمال ما يوقع في نفوس الناس استعظامه، ويسهل عليهم قبول ما يخبر به، وأول تلك الأسباب
كان شرف النسب ,وأشرف النسب ما كان إلى أولي الدين، وأشرف ذلك ما كان إلى النبيين،
وأفضل ذلك ما كان إلى العظماء من الأنبياء، وأفضل ذلك ما كان إلى نبي قد اتفقت الملل على
تعظيمه، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا وإنما كان حنيفا
مسلما على ملة آبائه: «إبراهيم» و«إسماعيل» عليهما السلام، و كان مولد النبي صلى الله عليه
وسلم نذيرا بزوال دولة الشرك، ونشر الحق والخير والعدل بين الناس، ورفع الظلم والبغي
والعدوان، وكانت الدنيا تموج بألوان الشرك والوثنية وتمتلئ بطواغيت الكفر والطغيان، وعندما
أشرق مولد سيد الخلق كانت له إرهاصات عجيبة، وصاحبته ظواهر غريبة وأحداث فريدة، ففي
يوم مولده زلزل إيوان ( كسرى) فسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار (فارس) ولم تكن
خمدت قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة «ساوة»، وروى عن أمه أنها قالت: «رأيت لما وضعته
نورا بدا مني ساطعا حتى أفزعني، ولم أر شيئا مما تراه النساء»، وذكرت «فاطمة بنت عبد الله»
أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: «فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور،
وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن عليَّ»، وروى أنه صلى الله عليه وسلم ولد
معذورا مسرورا -أي مختونا مقطوع السرة - وأنه كان يشير بإصبع يده كالمسبّح بها، ولما
استكمل النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة كانت بعثته، وكانت «خديجة» أول من آمن به
من النساء، وكان «أبو بكر الصديق» أول من آمن به من الرجال، وعلي بن أبي طالب أول
من آمن من الصبيان، وأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة ثلاث سنين يكتم أمره، ويدعو
الناس سرا إلى الإسلام، فآمن به عدد قليل، فلما أمر بإبلاغ دعوته إلى الناس والجهر بها، بدأت
قريش في إيذائه وتعرضت له ولأصحابه، ونال المؤمنون بدعوته صنوف الاضطهاد والتنكيل،
وظل المسلمون يقاسون التعذيب والاضطهاد حتى اضطروا إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى
"الحبشة " ثم إلى المدينة، ومرّت الأعوام حتى عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى
مكة فاتحا في العام العاشر من الهجرة- ونصر الله المسلمين بعد أن خرجوا منها مقهورين، ومكّن
لهم في الأرض بعد أن كانوا مستذلّين مستضعفين، وأظهر الله دينه وأعز نبيه ودحر الشرك وهزم
المشركين. وفي العام التالي توفي النبي صلى الله عليه وسلم في (12 من ربيع الأول 11هـ
الموافق 7 من يونيو 632م) عن عمر بلغ (63) عاماً، وعن أول من أحدث الاحتفال بذكرى
المولد النبوي يقول العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي في كتابه «أحسن الكلام في ما يتعلق
بالسنة والبدعة من الأحكام» (إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين
الله سنة ( (361هـ، ويذكر بعض أهل العلم أن أول من ابتدع الاحتفال بذكرى المولد النبوي هو
الملك المظفر «أبو سعيد كوكبري بن زيد الدين علي بن بكتكين» صاحب إربل، وكان يحتفل به
احتفالا هائلا يحضره الأعيان والعلماء ويدعو إليه الصوفية والفقراء. وبشأن حكم الاحتفال
بالمولد النبوي يقول سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز – رحمه الله : (لا يجوز الاحتفال
بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين لأن الرسول
صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على
الجميع ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي: مردود عليه، وقال في
حديث آخر: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا
عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، ففي هذين
الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: (وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ( الحشر: 7 ) .
يا رسول الخير يا نور الظلام=جيت بالإسلام والخير العميم
بالكتاب وسنّتك هدي الأنـام=وينجلي بالدين ديجور العتيم
عبد العزيز الفدغوش