فقـــد النقــــد ؟
( 56 ) مدار الأفكار
فقد النقد
يقول الشاعر العربي:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة=نفي الدنانير تنقـاد الصياريـف
ويقول شاعر آخر :
الموتُ نقَّاد على كفه دراهمُ=يختـارُ منهـا الثمـيـنَ
نقدُ الكلام في اللغة يعني معرفةُ جيّده من رديئه، وذكر محاسنه
أو عيوبه، سواء كان شعراً أو نثراً، وله أصولٌ معتبرة طالما تحدَّث عنها أهل الاختصاص في كُتبهم
ورسائلهم، ومقالاتهم، وقد قسَّموه أنواعاً، فمنها ما يرجع إلى المعاني، ومنها ما يتعلق بالصّور
الذهنيّة، والخيالات الشعريّة، ومنها ما يعود إلى الأوزان والمقاطع، ومنها ما يعود إلى ائتلاف بعض
ذلك ببعض، ويرى الأدباء أن النقد يعني فن تفسير الأعمال الأدبية، وهو محاولة منضبطة يشترك فيها
ذوق الناقد وفكره،للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في النتاج الأدبي، والأدب سابق للنقد في
الظهور، ولولا وجود الأدب لما كان هناك نقد أدبي؛ لأن قواعده مستقاة ومستنتجة من دراسة الأدب،
و الناقد ينظر في النصوص الأدبية شعرية كانت أو نثرية، ثم يبحث عن مواطن الجمال والقبح فيها
معللاً ما يقوله ومحاولاً أن يثير في النفوس شعور صحة ذلك، لأنه لن يستطيع أن يقدم برهاناً علميا
يقيناً. ولذا فإنه لا يوجد نقد أدبي صائب وآخر خاطئ، وإنما يوجد نقد أدبي أكثر قدرة على تأويل العمل
الفني وتفسيره من غيره، واختلاف مناهج النقد معناه اختلاف في وجهات النظر،والذوق هو المرجع
الأول في الحكم على الأدب والفنون لأنه أقرب الموازين والمقاييس إلى طبيعتها،ولكن الذوق الجدير
بالاعتبار هو ذوق الناقد الذي يستطيع أن يكبح جماح هواه الخاص الذي قد يجافي الصواب ، والخبير
بالأدب الذي راضه ومارسه،وتخصص في فهمه ودرس أساليب الأدباء ومنح القدرة على فهم
أسرارهم والنفوذ إلى دخائلهم وإدراك مشاعرهم وسبر عواطفهم، بفهمه العميق وحسه المرهف
وكثرة تجاربه الأدبية لذلك لابد أن يتمتع الناقد بقدر وافر من المعرفة والثقافة والبصر الثاقب الذي
يكون خير معين له على إصدار الحكم الصائب، فالأدب ونقده ذوق وفن ،قبل أن يكون معرفة وعلمًا
وأن كانت المعرفة تعين صاحب الحس المرهف والذوق السليم والطبع الموهوب على حسن التقييم
والتقويم، و كما يقال إن النقد بنيان من الفكر والمعرفة، وله وجوده وكيانه الخاص، ويهدف إلى تقديم
العمل الأدبي والارتقاء به والقضاء على الفوضى والاضطرابات ووكلنا نسعى إلى هذه الغاية النبيلة
ونؤيد النقد الهادف البناء تأييدًا مطلقًا، ونشد على يدي الناقد البصير المتصف بالذوق الجيد والرواية
والدراية والفطنة وعدم التحيز، ونعد عمله النقدي خدمة للأدب، و لكن نجل ونقدر هذا الناقد البصير
عندما يمارس أدواته النقدية بعيدا عن أعمالنا أو مادحا لها، ومثنيا عليها، وإذا تناولها بشيء من
التوضيح والتصحيح وبيان جوانب السلب فيها، ومواطن الزلل، اعتبرنا نقده هادما ومجانبا للصواب،
ونابعا من حقد دفين، هكذا هي النظرة السائدة في الساحة الأدبية العربية للنقاد، وإلى أعمالهم النقدية
في الغالب الأعم، والأدهى من ذلك عندما يكون الناقد صادقا مع نفسه ومع الآخرين، ويرفض
المجاملة والمحاباة ولا يتأثر ببريق الأضواء، ورنين الأسماء، ويتناول الأعمال الأدبية بموضوعية
وتجرد، فإنه يكسب في هذه الحالة عداء البعض ممن لا يفقهون المعنى الحقيقي للنقد، ولا يدركون
أهمية رسالة الناقد، ويقول الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة: ( إن الثقافة هي مواقف نقدية من الحياة،
والنقد فكر بل إنه في الدرجة الأعلى من الفكر، لأنه يفكك ويفسر ويوجه، وهذا مؤثم ومحرم في واقعنا،
ودور المثقف هو دور نقدي للحياة في مجتمعه وعصره، لكن مجتمعاتنا العربية لا تحتمل الدور النقدي
للمثقف فتحاصره وتصادر عمله ولا تقر له بحرية التفكير وإبداء الرأي ، ومن الواجب النهوض
والعمل من أجل تحرير العقل وحماية حرية النقد وضمان حقوق التفكير والتعبير ولا يكون ذلك
محصوراً على أحاد وأفراد من المثقفين العرب، بل في جماعات وجمعيات ونقابات واتحادات ترفع دور
المثقف، ليتحقق ناقدا طبيعيا في مجتمعه وعصره )،وإلى أن ترتقي النظرة إلى النقد فانه سيظل في
سبات عميق وهكذا تعيش ساحة أدبنا العربي حالة ( فقد النقد) .
ترى الأدب ما يرتقي دون ناقـد=لاشك نادر من يبي الجد بالنقـد
للمنهجية طـارق النقـد فاقـد=ونهج العمل والنوع عنده فُقد فقد