قصة
جريمة في دبي
وصلتني عبر الاميل وحبيت انقلها لكم
في صباح أحد الأيام تجمع عدد كبير من العمال أمام باب عمارة تحت الإنشاء، فقد وجدوا جثة حارس العمارة ممزقة بسكين ومحلوقة شعر الرأس والذقن.
كان القتيل يعمل حارساً للأسمنت والخشب ومواد التموين التي تبنى منها العمارة، تم الاتصال بالشرطة كما تم الاتصال بسينع الأخ الأكبر للقتيل. عندما وصلت الشرطة بدأت أخذ البصمات والتحريات عن القتيل وعن آخر شخص أو الأشخاص الذين كانوا معه، تم نقل الجثة إلى المختبر الجنائي حيث تبين أن الرجل قُتل في ساعات الفجر الأولى وبالتحديد بين الساعة الخامسة والربع والخامسة وخمس وأربعين دقيقة، وأن الوفاة ناتجة عن عدة طعنات نافذة اخترقت القفص الصدري ونفذت إلى القلب.
بدأت الأمور تتعقد عندما لم يجد فريق التحقيق أية أدلة على الجاني، ومن خلال القراءة المتعمقة لمجريات الأحداث تبين أن القتل لم يتم من أجل السرقة، فقد كانت جميع متعلقات القتيل معه من فلوس وهاتف نقال وبطاقة عمل كما أن المواد الخاصة بالبناء كانت كلها سليمة من هنا استدل فريق البحث الجنائي أن عملية القتل تمت من أجل الانتقام فقط.
ومما أكد ذلك أن القاتل قام بحلق شعر ذقن ورأس القتيل وهذا في عقيدة هذه المجموعة من الناس يعد أمراً خطيراً بل وانتقاماً عنيفاً أن يموت الشخص بدون شعر ذقنه ودراسة، فهذا الشعر يجب أن يكون معه في قبره حتى يشهد له أمام الرب (رام) بأن هذا الشخص قد أوفى بنذره.
كان البحث عن دليل على هوية القاتل مثل البحث عن إبرة في كومة قش فالموقع الذي حدثت فيه عملية القتل مجمع كبير من العمارات السكنية وعدد العمال فيه من جنسيات مختلفة يزيد على «000 .40» عامل.
رغم أن الأجهزة الأمنية كانت تواصل يومياً بحثها وتقصيها عن الحادث الاّ أن عمليات التحقيق كانت تسير بشكل بطيء جداً جداً، فقد كان من المستحيل استدعاء العمال كلهم الذين هم في الموقع، إلى مراكز الشرطة، إضافة إلى ذلك فان المعلومات التي ترد عن الحادث شحيحة للغاية.
كان سنغ يأتي يومياً إلى مركز الشرطة لعله يسمع خبراً من شخصية القاتل، لكن آماله كانت تضيع عندما يسمع من الضابط المناوب بأن التحقيقات لا تزال جارية وأنهم بالتأكيد سيصلون إلى القاتل عاجلاً أو آجلاً.
بدأ سنغ يفكر بطريقة أخرى، فقد أمر العمال الذين يعملون معه في منجرته في إحدى المناطق الصناعية أن ينتشروا بين العمال لعلهم يسمعون شيئاً يدل على شخصية القاتل، مؤكداً لهم بأن أجورهم ستُدفع لهم بالكامل فالمسألة بالنسبة له لم تعد «فلوسا» بل مسألة ثأر من رجل قتل أخاه وأهان عقيدته بحلق شعر لحية أخيه ورأسه.
وعندما لم تُجد هذه الطريقة نفعاً، شكل سنغ فرقة بقيادته إضافة إلى عدد من عماله وبدأ يتجول في المناطق الصناعية وهو حاملاً سيفاً باحثاً عن قاتل أخيه، وعندما كان يشك في أحدهم كان يوسعه هو والعمال الذين معه ضرباً لعله يعترف بأنه هو القاتل أو يدل على القاتل.
وصلت هذه المعلومات إلى الشرطة حيث تم اعتقال سنغ ومصادرة السيف الذي كان معه لكنه خرج بعد أسبوع بضمان كفيله، بعد خروجه من السجن عاد سنغ يبحث عن القاتل فقد أصبحت هذه قضيته بعد أن ترك عمله وأغلق منجرته.
مرت ستة أشهر على القضية، لكن ورغم المحاولات المستميتة إلا أن أحداً لم يدل بمعلومات عن القاتل، خلال تلك المدة كانت الأجهزة الأمنية تحقق مع كل المشتبه بهم بما فيهم سنغ نفسه، لكن النتائج كانت تصل دائماً إلى طريق مسدود.
مكافأة مالية
في أحد الأيام تفاجأ العمال في المنطقة الصناعية التي قتل فيها أخو سنغ تفاجأوا بسنغ يمشي في الشوارع وهو يرفع لافتة مكتوب عليها من يدلي بمعلومات صحيحة عن قاتل أخي سأعطيه (10) آلاف دولار، ولكي يطمئن سأسلمها له عن طريق الشرطة بدأت تصرفات سنغ تضايق رجال التحقيق والشرطة لذا طلبوا منه أن يتوقف عن التدخل في هذه القضية وأن يترك الأمر للقانون، وإن كان لديه معلومات يمكن أن تفيد التحقيق عليه أن يخبر الشرطة بذلك.
أحس سنغ بأنه بات محاصراً بين مجرم قتل أخاه ولم تصله يد العدالة وبين الأجهزة الشرطية التي لم تعطه الفرصة الكافية للبحث عن قاتل أخيه، لذا وتحت هذه الظروف الضاغطة قدر أن يترك البلد التي قُتل فيها أخوه وأن يعود إلى بلاده، لكن فكرة الثأر لأخيه بقيت هذه المسيطرة على تفكيره.
بدأ سنغ يستعد للسفر وذلك من خلال بيع المنجرة التي كان يمتلكها وكذلك أثاث الشقة وسيارته وغيرها من ممتلكاته فقد شعر باليأس في العثور على قاتل أخيه.
على الطرف الآخر كان رجال البحث الجنائي مشغولين في تحليل الجريمة وكيفية وقوعها والأهم من ذلك كيف أن الجاني ارتكب جريمته دون أن يترك أثراً له.
في أحد الأيام تلقت غرفة العمليات مكالمة تقول فيها السيدة المتصلة بأنها تعرف معلومات مهمة عن قضية قتل الأخ الأصغر لسنغ وأنها مستعدة للإدلاء بهذه المعلومات عندما توفر لها الشرطة الحماية، ثم أغلقت السيدة الهاتف لكن خلال دقائق كان المسؤولون في غرفة العمليات قد حددوا مكان المكالمة، كما ظهر عندهم رقم السيدة.
ثم نقل هذه المعلومات للمسؤولين حيث قالوا: يجب الاستفادة من السيدة ومن المعلومات التي لديها لعلها تحل لنا هذا اللغز ولكن يجب حمايتها أولاً، كانت السيدة تتحدث الإنجليزية بطريقة ركيكة للغاية، لذا طلب المسؤولون ضابطا يتكلم لغتها بطلاقة حتى يستفيد من كل كلمة تقولها.
بعد أن جاء الضابط الذي يتقن لغة تلك السيدة تم الاتصال، وقال لها الضابط إن كنت تشعرين بخطر من المعاملة أغلقي الهاتف ونحن سنتصرف وإن لم تكوني كذلك قولي لنا من هو القاتل.
قالت السيدة أنا زوجة سنغ وزوجي هو الذي قتل أخاه، قال لها الضابط هل لديك إثبات على ذلك، فقالت السيدة لدي شعر ذقن ورأس القتيل، قال لها الضابط هل يمكن أن أحضر لآخذ بضع شعرات حتى نفحصها، فقالت السيدة إذا أردت أن تحضر فعليك أن تحضر متخفياً ولا يشعر بحضورك أحد ثم عليك أن تأتي الآن لأن زوجي في الخارج وقد يعود في أية لحظة.
بدأ الضباط في غرفة العمليات يسابقون الزمن، حيث تحركت القوة بسرعة هائلة إلى العنوان الذي أعطته السيدة للشرطة، وقام الضابط الذي يعرف لغة السيدة بالصعود إلى الشقة حيث كانت السيدة في انتظاره على باب الشقة، دخل الضابط إلى الشقة حيث أخذ الشعرات التي كانت السيدة قد أحضرتها له.
قالت السيدة للضابط انظر إن شعر ذقن ورأس أخ سنغ إنه موجود في هذه العبوة، كانت العبوة عبارة عن أنبوب من القصدير مخصص للسيجار، وأضافت أن سنغ يضعها في جيب خاص في هذه الحقيبة وأشارت إلى حقيبة حمراء كانت ضمن الحقائب المجهزة للسفر.
وقالت السيدة أرجوك أن تحميني فلو عرف زوجي بما قلته لك سيقتلني في الحال، قال لها الضابط لا تقلقي فكل شيء سيكون تحت السيطرة، أخذ الضابط الشعيرات التي معه وانطلق بها إلى المختبر الجنائي في الوقت الذي بقيت فيه قوة مرابطة بالقرب من العمارة التي فيها شقة سنغ، وكان الضابط قد طلب من زوجة سنغ أن تضغط على رقم معين من هاتفها النقال إذا أحست بالخطر، عندها ستجد رجال الأمن عندها في ثوانٍ.
بعد فحص الشعيرات تبين أن الشعيرات تحمل الـ (dna) نفسه للقتيل، هنا تأكد الضابط بأنه وضع يده على مفتاح القضية، حيث أخبر رؤساءه بنتيجة التحليل المخبري وتطابق الـ Dna معاً، عندها صدرت التعليمات للمخبرين السريين أن يبقوا في حالة استنفار قصوى بالقرب من العمارة التي يسكن فيها سنغ، وذلك حماية لزوجته.
في صباح اليوم التالي اتصلت السيدة بالضابط على الرقم السري الذي أعطاه إياها قائلة له: لماذا لم تتخذوا أي إجراء ضد سنغ، فنحن سنترك البلاد ظهر اليوم وكل شيء أصبح جاهزاً للسفر، وأضافت لقد توعدني زوجي بأنه سيقتلني عندما نصل إلى قريتنا، كما سيقتل أطفالي أيضاً، لذا أرجوك أن تساعدني ولا تترك سنغ يسافر.. أرجوكم اعتقلوه، قال لها الضابط لا تخافي كل شيء سيكون على ما يرام.
كانت الخطة تقضي بأن يتركوا سنغ يأتي إلى المطار وفي أثناء مرور الحقائب عبر جهاز (السونار) سيطلب الضابط فتح الحقيبة الحمراء، لأن الجهاز أظهر وجود أنبوب معدني فيها، وبذلك يبدو الأمر طبيعياً، ولا يشك سنغ بأن أحداً أبلغ عنه، وعندما يتم فتح الأنبوب يجدون الشعر، عندها يأخذون سنغ للتحقيق، وبذلك لا يشك سنغ أبداً بأن زوجته أبلغت عنه، حيث أن أحداً لا يعرف مكان الشعر ووجوده في الأنبوب إلا هو وزوجته.
السونار
تم تنفيذ الخطة وفقاً لما خُطط لها، فعندما جاء سنغ إلى قاعة المغادرين ووضع حقائبه عبر جهاز (السونار) طلب منه الضابط فتح الحقيبة الحمراء لوجود أنبوب معدني غير معروف فيها، حاول سنغ التهرب قائلاً له إن هذا الغلاف الخارجي للسيجار، وهذا النوع من السيجار يكون غلافه في العادة معدنياً.
قال الضابط لا بأس أريد أن أتأكد فقط.
أحس الضابط بتردد سنغ فقال له بحزم إما أن تفتح الحقيبة وإلاّ سأفتحها بطريقتي الخاصة، هنا وجد سنغ بأن لا مجال للمراوغة، كان سنغ محاطاً بعدد كبير من الضباط بلباسهم المدني، بحيث لا يشعر أحد بوجودهم، كان وجودهم ضرورياً، وذلك حتى لا يهرب سنغ عندما تنكشف حقيقة الأنبوب.
عندما فتح الضابط الأنبوب وجده مملوءا بالشعر الطويل وعلى الشعر بقع دم، طلب الضابط من سنغ تفسيراً لذلك، فأحس الرجل بارتباك كبير، فهو لم يتوقع هذه المفاجأة أبداً.
تم اقتياد سنغ إلى غرفة التحقيق، كما تم التحفظ على الأنبوب والشعر الذي في داخله.
عند التحقيق مع سنغ بدأ يراوغ ويدعي بأنه لا يعرف من أين جاءت هذه العبوة المعدنية، لكن الضابط أخبره بأن بصماته موجودة على الأنبوب وأنه لا مجال للمراوغة.
بقي سنغ مصراً على إنكاره، وهنا تم التعامل معه من خلال جهاز كشف الكذب، ومن خلال الجلسة الأولى تبين بأنه يكذب، ولكي يأخذ الرجل حقه من العدالة تم فحصه على جهاز كشف الكذب ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الجهاز يشير إلى أن سنغ غير صادق فيما يقول.
هنا بدأ ضابط التحقيق بالضغط النفسي على سنغ، حتى أحس بأنه لا مجال للمراوغة، عندها بدأ يتكلم، حيث قال: تزوجت زوجتي التي معي ولأن ديانتنا ومعتقداتنا تبيح للأخ أن يشارك أخيه في زوجته فقد بدأ أخي الصغير يمارس هذا الحق مع زوجتي، لكن ديانتنا تعطيني الحق بأن يكون الأولاد لي أنا، وإذا أراد الأخ الآخر إنجاب أطفال فمن حقه أن يتزوج بامرأة أخرى.
وأضاف أنا وأخي كنا نشترك في المرأة نفسها التي أنجبت تم تسجيلها باسمي، ثم أنجبت طفلة أخرى تم تسجيلها باسمي أيضاً. وقال بدأت ألاحظ بأن زوجتي عندما كانت تذهب للنوم مع أخي كانت تضع المساحيق على وجهها وعطوراً على جسدها وتتزين له وكأنها عروساً، فعرفت من خلال تصرفاتها بأنها تحبه أكثر مني، وعندما سألتها عن تصرفاتها هذه أجابت بكل صراحة بأنها تحبه أكثر مني فعلاً، هنا بدأت أشعر بالغيرة وقمت بالاتصال بالكاهن الذي أخبرني أن غيرتي من أخي تعتبر حراما فالشريعة تبيح له أن ينام مع زوجتي.
وأضاف سنغ مما زاد الأمور تعقيداً أن زوجتي ولدت مولوداً ذكراً، وهنا طالب أخي بأن يتم تسجيل المولود باسمه لأنه متأكد بأنه ابنه هو لكني رفضت ذلك، وحاولت أن أفهم أخي بان المرأة هي زوجتي في الأصل وكونه ينام معها فهذا لا يعطيه الحق في أن يسجل أحداً من المواليد باسمه، ولكن عندما رأيت إصرار أخي على أخذ المولود الذكر قلت له يمكنك أن تسجل إحدى البنات باسمك أما هذا الطفل فسيسجل باسمي.
وأضاف لقد وقفت زوجتي مع أخي وقالت لي بأنها متأكدة بأنه هذا الطفل هو أبن الأخ الأصغر وليس ابني، من هنا قررت أن أقتل أخي لأتخلص منه وتبقى زوجتي لي وحدي دون أن يشاركني فيها أحد، لكني أخيراً قررت أن أتخلص من زوجتي أيضاً وأن أقتلها في القرية عندما نعود إلى بلادنا.
وقال سنغ ذهبت إلى الموقع الذي فيه أخي في ساعة الفجر الأولى حيث يكون الجميع نياما حيث قمت بقتله وإمعانا في إذلاله وحتى لا يدخل الجنة حلقت شعر ذقنه وشعر رأسه وذلك كي يدخل قبره بدون شعر ويكون بذلك قد خالف تعاليم الإلهين (كرشنا) و (رام). وعندما سأله الضابط لماذا حملت الشعر معك إذن فقال سنغ كنت أريد تسليمه إلى الكاهن في المعبد وأقول له بأن أخي ارتد عن العقيدة وحلق شعره، وهنا يقوم الكاهن بالدعاء عليه ولعنه حيث ستبقى اللعنة تطارده إلى الأبد.
تم اقتياد سنغ إلى المحكمة مرفقاً معه اعترافاته وتوقيعه عليها، كان سنغ يسير مذهولا لما وقع له وكان يقول كيف عرف الضابط بوجود الشعر في تلك العبوة... وكان يجيب على نفسه لعل الإله (رام) غاضب عليّ ولعله هو الذي أرشد الضابط إلى الشعر الذي كان سبباً في كشف الجريمة.
rwm [vdlm td ]fd ]fd