أن الحمد لله نحمده كثيراً ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله نبينا محمد تسليماً وفيراً ، أما بعد . . . لكل شيء في هذه الدنيا نهاية ، وقبل نهاية أي شيء يكون هناك ساعات ودقائق ولحظات تكون أصعب مراحل النهاية ، وهذه السويعات هي العد التنازلي الأخير للشيء . وهي تنقسم لعدة صور وأشكال . أحياناً تكون لحظات مفعمةً بالتفاؤل والخير، وأحياناً أُخرى تكون على النقيض من ذلك . لكن العبرة بالنهاية، وتلك الصورتان تعتبران من أهم أشكال اللحظات الأخيرة . ولنرجع قليلاً للوراء (قليلاً في حساب زمن التأريخ البشري) وليس في سني وسنك . اعود بكم الى زمن النبي كليم الله موسى عليه السلام عندما ضرب له فرعون موعداً مع سحرته أمام الملأ ، عندما نتأمل القصة نجد نبي الله موسى عليه السلام مرت عليه مواقف عصيبة متعددة وسوف أتطرق لموقف واحد من تلك المواقف العظيمة . وهو اللحظات الأخيرة في قصة سحرة فرعون عندما القى سحرة فرعون العصي لتنقلب الى أفاعي تسعى ، ورغم أن موسى نبي وعنده من اليقين بالله ونصره ما لا عند غيره من البشر إلا أنه دخل في نفسه الخوف ،(قَالِ تَعَالَى : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ( 67 ))الآية وهذا الخوف الفطري هو ما جبل الله عليه البشر ويعتبر خوف طبيعي ، كالخوف من السقوط من مكان مرتفع أو الخوف من السباع والهوام وما شابه ذلك ... إلا أنه في نفس الوقت كان مطمئناً حينما أقدم وتقدم الى ساحة فرعون رغم علمه بسطوته وطغيانه ، لكنه مستشعر معية الله معه فثبت وانتصر في نهاية الأمر ، وهذا مثال لكل من كان على مبدأ وثوابت ومعتقد صحيح في مواجهة الأزمات . هذه اللحظات الحرجة القاسية يجب أن لا تبعث اليأس في قلوب المؤمنين الصادقين وفي الحديث عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إذا أراد اللَّه بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد اللَّه بعبده الشر أمسك عَنْه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة" وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن اللَّه تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. فليس بعد الضيق إلا الفرج ، ولا أُريد أن أذكُر أمثلة معاصرة فهي كثيرة جدا ، واعتقد أنه لا يوجد منا أحد إلا ومر بتلك التجربة . وأترك التجارب الشخصية المعاصرة لكم لتذكروها في ردودكم وتعليقاتكم حتى يستفيد الجميع منها . وعوداً لذي بدء ، أن اللحظات الأخيرة في زمن الأزمة ووقت إنفراجها لا يعلمها إلا الله ، لكن ما المطلوب منا في تلك الأزمات . حقيقة الكثير كتب في هذا الموضوع ، ولكن أذكر لكم وجهت نظري وتجربتي الشخصية في معالجة هذا الأمر ، وأترك لكم المجال في تعليقاتكم لإبداء وجهات نظركم . أما أنا فأني اعتقد من وجهة نظري أن المطلوب منا في مرحلة الأزمة اليقين بأن المسألة قدرية ولا بد منها . . . وأقوى علاج للقدر ومدافعته هو الدعاء والإلحاح بالدعاء، نعم الدعاء الذي كثيراً ما نغفل عنه ،في الحديث"لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" رواه الترمذي، وروى أحمد وابن حبان والحاكم عن ثوبان مثله، وزاد "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ذكر ذلك الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وهذا يعني أنه حسن، والله أعلم وهنيئاً لمن كان ديدنه الدعاء في الرخاء قبل الشدة ، ثم بعد ذلك التفاؤل وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) .رواه البخاري و مسلم . فحسن الظن بالله هو من التفاؤل الحسن . ثم الإستغفار وما إدراك ماالإستغفار ، أن له فضل عظيم في تفريج الكربات وحل الأزمات أذا كان بنية خالصة وتوجه صادق فسترون العجب العجاب ، ثم طلب المشورة من أهل الخبرة في نفس موضوع الأزمة قال تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين [آل عمران:159] . ولا تشاور إلا من هو أهل للمشورة ، فهذه الخطوات هي ما أراها الحل المناسب لكل أزمة سواءً كانت صغيرة أو كبيرة ، وأبشركم بشارة أن كل هم أو مصيبة أو ضيق يبتلى به المؤمن ما هو إلا كفارة لذنوبه ورفعة له في الدنيا والآخرة ، في الحديث عَنْ أبي سعيد وأبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "ما يصيب المسلم مِنْ نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر اللَّه بها مِنْ خطاياه" مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ . أسأل الله لي ولكم أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه وأن يفرج عنا وعنكم إنه ولي ذلك والقادر عليه ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .