( 50 ) مدار الأفكار
العدوان الثلاثي
يقول الشاعر العربي :
إذا جاريت في خلق دنيئا = فأنت ومن تجاريه سواء
رأيت الحر ّيجتنب المخازي = ويحميه عن الغدر الوفاء
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم للوهلة الأولى أننا بصدد الحديث عن
العدوان الثلاثي الذي وقع على مصر واشتركت فيه كل من إنجلترا، وفرنسا. وإسرائيل، وجرت فصول
أحداثه إثر تأميم قناة السويس في 26 يوليو عام 1956م وانتهى بصمود الشعب العربي في مصر
وانتصاره، واندحار قوات العدوان. ولكننا لسنا بصدد تناول ذلك في هذا المقام حيث سبق التطرق للحدث
في الذكرى الثانية والخمسين لجلاء قوات العدوان والتي صادفت الثالث والعشرين من ديسمبر عام
2008 م، ولكن الذي أعاده إلى الأذهان وجود «عدوان ثلاثي جديد» يشن وبعنف على الأدب
الشعبي الخليجي بتعاون أطرافه الثلاثة وهم «معد» صفحة شعبية لا يفقه من الإعداد حتى معناه،
و«شويعر» مصاب بهوس الأضواء وداء العظمة، وتساندهم مجموعة من «الأدعياء»، ومن
بوادر هذا العدوان الجديد قيام المعد بوضع الصفحة التي يشرف عليها بتصرف الشويعر ورهن إشارته
والذي يكتب لنفسه المقدمات الطوال، ويكيل لأعماله نعوت الإبداع والتميز، ويشيد بزملائه الأدعياء
على اعتبار أنهم نجوم في سماء الشعر الشعبي، ومن نوابغ المعرفة والأدب، ورموز الفكر الذين تدين
بفضلهم الساحة الشعبية الخليجية. وكما أن لكل طرف من أطراف العدوان القديم أهدافه ودوافعه
ومبرراته، فإنجلترا تسعى للانتقام من الحكومة المصرية التي قامت بتأميم قناة السويس وحرمتها من
العائدات التي كانت تحصل عليها قبل التأميم، وكذلك فرنسا فهي غاضبة من دعم مصر للثورة الجزائرية
ضد الاحتلال الفرنسي وإمدادها بالمساعدات العسكرية، مما دفعها وشجّعها للمشاركة في العدوان، أما
إسرائيل فترى أن بقاءها أصبح مهددا بعد توقيع مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفياتي تقضي بتزويد
القوات المصرية بالأسلحة المتقدمة والمتطورة. وكذلك لكل طرف من أطراف العدوان الجديد أهدافه
التي يسعى إلى تحقيقها من خلال بنود الاتفاق البغيض المبرم بين هذه الأطراف، فالمعد يهدف إلى سد
الفراغ الذي تعاني منه الصفحة لعدم تمكنه من ناصية الإعداد الجيد، وكذلك يتطلع إلى إرضاء الشويعر
عاشق الأضواء، ليكرمه بالمقابل ببعض ما تجود به الكف من هدايا، والقريحة من أشعار على سبيل
المنحة والهبة والإهداء، كما أن كسب الأدعياء يضمن الدعاية له ولزميله ولصفحته التي تحتضر،
والترويج لهما في الوسط الشعبي، أما الشويعر فان همه الأول السيطرة على الصفحة ليكيل لنفسه من
خلالها المديح والثناء وبأسماء مستعارة ليبعد عن نفسه وعن صديقه ومن يدور في فلكهما دوائر
الشبهات،إضافة إلى توجيه سهام الانتقاد والتجريح تجاه كل من يخالفهما الرأي، وكل ذلك يتم على
حساب الصفحة والأدب والضمير، أما أدعياء الشعر فإن غايتهم من الاشتراك مع «عصابة
العدوان» فتتمثل في نشر أسمائهم وصورهم ذات «المكياج» المبالغ فيه مقرونة بنعوت الإبداع
والتميز الذي هم منه براء براءة الذئب من دم يوسف، كما تحرص تلك المجموعة على كسب رضا
المعد والشويعر باعتبارهما السلم المؤدي إلى عالم الشهرة والأضواء إضافة إلى التباهي أمام
الآخرين حيث إن «عصائدهم» تحظى بالاهتمام وتكرار نشرها، ولكن مهما بلغت سبل الغش والدس
والخديعة من الإتقان فإن شمس الحقيقة ستشرق لا محالة وتزيح دياجير الأفك والتدليس، وسوف يعم
النور وتتضح حقائق الأمور.
عدوانك اللي باتفـاق ٍ ثلاثـي=ما ينتصر لو جاء بدس ٍ حديثي
من أهل التميز صاب قلبك غلاثي= و( أبو رغال ) الرمز وأنت الوريثي