الشاعر محمد بن عمار صاحب الألفية المتوفى سنة 1351ه كان لابد من وضع النقاط على الحروف وتوضيح سيرة هذا الشاعر للقراء لتعديل المفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بهذا الشاعر الذي ملأ الدنيا واشغل الناس من خلال قصيدة واحدة هي الألفية الشهيرة التي نهج فيها نهجا ميزه عن شعراء جيله, أحببت أيضاً أن أوضح بعض الأشياء التي لايعلمها الكثير من المتذوقين للشعر الشعبي وأخص الشاعر محمد بن راشد العمار من أهالي بلدة ثادق في نجد رحمه الله رحمةً واسعة وجميع موتى المسلمين ,,
أحبتي ,, سألت نفسي قبل أن أهم بكتابة هذه الكلمات: هل نحن كمبتدئين للشعر الشعبي أو كهواةٍ تهوى القصائد الشعبية القديمة أو كنقاد وأدباء لبحور الشعر الشعبي القديم ,, هل نحن كافة أعطينا وأنصفنا تراثنا الشعري الأصيل ؟ بمعنى آخر وأوضح وأدق ,, هل أنصفنا وأعطينا شعرنا الشعبي حقه كما أعطينا مايسمى بشعرنا الشعبي الحديث (المترهل) ؟ وعذراً لهذا المصطلح ,,
أين أدباءنا من تبني شعرنا الشعبي الأصيل ؟ قد يقول قائل يوجد بالمكتبات شرح المفردات الشعبية والقصائد القديمة لكبار الشعراء وغيرها ,, وأنا أقول له قد تجد قصائد شعبية قديمة ولكن قد تفاجئ في بعض الأحيان لايعرف صاحب القصيدة ! وإذا عُرف صاحب القصيدة تجد بعض أبياتها محرفة أو محذوفٌ بعض الشيء منها!أنا بهذا الكلام أو النقد إن صح التعبير
لا أقلل من أدباءنا بل على العكس قد أثروا المكتبات بالشعر الشعبي وما يحتويه من معاني جميلة وشرحٌ لمفرداتها ,, لكنها تعتبر شبه قليلة , ولك أخي القارئ الكريم أن تقارن بين تلك المجلدات وبين المجلات الشعبية التي قد أجزم بأنك قد تجدها في كل بيت! وقد يقول قائل أو شاعر شعبي (حديث) أنه لا يريد أو لا يحب كتابة قصيدةٍ شعبية قديمة صعبة المفردات. وأنه دارعليها الزمن وأفل ,,,! أقول له في هذه الحالة ياأخي لا تكتب المفردات الصعبة والغير مفهومة ! نحن نقصد أسلوب ونهج شعراءنا القدامى في سرد قصائدهم,, بمعنى آخر وهو أن تأخذ أسلوب القديم وتمزجه مع الحديث المتجدد لتخرج لنا قصيدة شعبية ( ثابتة الأركان مجددةً لفروعها ) في كل زمان .
أحبتي أنا عندما تطرقت لهذا الموضوع المهم لأنه هناك قصائد لكبار الشعار القدامى أمثال محمد القاضي ,, ومحمد الصفري ,, والشويعر ,, وبركات الشريف,, وعبيد الرشيد ,, وغيرهم كثير من شعراء الجزيرة العربية إلى أن تصل إلى الشاعر محمد العمار وقد أشتهر بألفيته المطولة بين أهالي نجد قديماً وحديثاً , ولكن قد يخفى على كثيرٍ بل والكثير من الناس أن ألفية محمد بن عمار حُرفت بعض أبياتها وبعض حروفها على مر السنين , قد تقول لي وكيف عرفت أنها حُرّف فيها ولماذا كل هذه السنين لم يُدوّن أهل الشاعر قصيدته؟
فأقول لك أن النسخة الأصلية موجودة عند أحفاده في الرياض..وقد ذكر الشاعر الشيخ عبد الله بن سعد العمار ويعتبر ممن عاصروا زمن الشاعر محمد إذ يبلغ من العمر مايقارب
95 و 96 سنة ذكر الشيخ عبد الله أن النسخة الأصلية مازالت موجودة ومحفوظة وذكر أنها سوف تنشر لكن في القريب العاجل ,, أما تحريفها يُرجّح بسبب تغني بعض الفنانين بها من دون أخذ رأي أهل الشاعر وكان من أشهر من غناها الفنان ( سالم الحويل ) وزادت شهرتها بعد ما تناقلها الناس وعرفوها بهذه الكلمات,, ولكن تجد كبار السن وكبار الشعراء يعلمون بأنها محرفة . بل وزاد على ذالك أن القصيدة كادت أن تنسب إلى شخصٍ آخر لولا أن أهالي ثادق وخاصةً صديقه المقرب إليه يقال له ( بن دحوم أو الدحيم ) الذي كان يرافقه في غاره في أطراف البلدة الذي مازال موجودا هذا الغار ويعرف بغار بن عمار أكد على أن القصيدة لابن عمار .
أما الحروف التي حُرفت كثيرة وأستطرد منها حرف ( الضاد ) كمثال واضح وشرح كيف تم التغيير بالمعنى وتفصيله,, عندما قال :
فل( الضاد ) ضدٍ حال بيني وبينه && يقول هذا صانعٍ لاتبينه
عسا الولي يبلاه بصبي عينه && عساه يسهر من الليل ساعات
إلى آخره,,,,,,
أما الصحيح هو : ( الضاد ) ضدٍ حال بيني وبينه
يقول هذا طامعٍ لا تبينه
عسا الولي يبلاه في صبي عينه
يسهر ولا يمرح من الليل ساعات
إلى آخره,,,,و أن ابن عمار صانعأً كما سلف كيف له أن يقول كلاماً حكيماً ونصائح بليغة في معانيها لايقولها إلا من له مواقف وتجارب كثيرة عاشها وعاصرها في حياته ؟ ولا يقولها صانعَ أغلب أوقاته ماكثاً في صناعة الحديد والسيوف والدروع والنحاس ؟ ولنفرض أنه صانع لقال ( الضاد ضدي حال بيني وبينه) ثم يقول بعدها ( يقول هذا صانعٍ لاتبينه ) أي أنه معروف بأصله بين الناس أنه من الصناع ومن ضمنهم محبوبته التي تعرف عن نسبه ! أي أن العيب منه وليس منها,,, ولكنه حذف الياء وجعلها (ضد) بتشديد الدال , بمعنى أن الذي وقف بينهما شيئاً مجهولاً لم يحدد العيب إكراماً لمحبوبته,, فأدخل معهم طرفاً ثالثاً في تصوير خيالي تخلله كلمة (ضد) في تناغم متسلسل وبين أنه يريد التفريق بينهما بقوله ( يقول هذا طامعٍ لاتبينه ) فجعل العيب في هذا الواشي المجهول !! بأن يدعوا ربه على هذا المجهول بأن يسهر طوال الليل ويبتليه بعدم التمييز إلى أن وصل كالمسرف بسيئاته عند الحشر يوم القيامة
وكيف يكون ابن عمار صانعاً أو ماشابه ذالك وقد شارك ضمن فرسان الملك عبدالعزيز في معركة البكيرية عام 1322ه. وقد كان من هواة ركوب الخيل بين قومه ومشهوراً بالجود والكرم وحسن الجوار وشديد الفراسة وهو الذي يقول في قصيدةٍ مطولة أذكر منها بيتين
أبوك شهم يكرم الضيف والجار ** وراعي مراجل با لمكارم يشيدي
وان كنت أنا من عرب الأنساب عمار ** لاحط قصرك با لمشارف مشيدي
هذا مثال بسيط ودليل قاطع على أن ألفيته أصابها شيئاً من التحريف الغير مباشر لأن من يعرف شعر ابن عمار يعرف طريقته في سرد الأبيات بتصورات فيها من خياله الواسع الذي يجذب به القارئ والمستمع إلى شعره فيدخله معه بالقصيدة , وكأنه بذالك يحاول تطبيق أسلوب الشاعر امرأ القيس الذي لم يستطع حداً أن يجاريه , لا في عصره ولا العصر الذي بعده ولا حتى في عصرنا هذا, والدليل أن شعر لازال يدرس بالجامعات والمدارس لأن طريقته في سرد القصيدة عندما يفتتح أول أبياتها بالشيء الواقعي ثم يترك للقصيدة المجال
لتجول في خياله وتكتب مابدا لها من صوراً خياليه غريبة وممتعة في نفس الوقت( خاصةً بالشعر الغزلي )
مثال ذالك :فَتِلْكَ التي هَامَ الفُؤادُ بِحُبِّها && مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءَ دُرّيَةُ القُبَلْ
ولي وَلهَا في الناسْ قولٌ وَسُمْعَةٌ && ولي وَلَهَا في كُلِّ نَاحِيَةً مَثلْ
حِجَازِيةُ العَيْنَيْن مَكّيةُ الحَشَا && عِراقِيّةُ الأَطرَاف رُومِيّةُ الكَفَلْ
تِهَامِيّةُ الأَبْدان عَبْسِيّةُ اللّمَا && خُزَاعِيّةُ الأَسْنَانْ دُرّيةُ القُبَلْ
فَقَبّلْتُها تِسْعَاً وتِسعينَ قُبْلَةً && وَوَاحِدَةً أخْرى وكُنْتُ على عَجَلْ
وعَانَقْتُها حتى تَقَطّعَ عِقْدها && وحتى فُصوص الطوقِ مِنْ جيدها انفَصَلْ
كَأَنّ فُصُوص الطوق لَمّا تَنَاثَراً && ضِياءُ مَصابيحٍ تَطَايَرنَ عَنْ شُعَلْ
وقول ابن عمار في خياله :
الجيم جاني من عشيري سلامي
ولا لقينا من يرد الكلامي
عليه زرع القلب هايف وظامي
مالي جدا كود البكاء والتنهات
ابكي على ما فاتني من زماني
. يوم الحبيّب زارني في مكاني
وراي ماخذت القضاء يوم جاني
توي عرفت البيض فيهن جنات
والأمثلة كثيرة في تصوير خيال ل ابن عمار
نأتي الآن إلى السبب الرئيس الذي جعل محمد بن عمار يكتب ألفية من نوع ( المثومنة ) هل كتبها تغزلا في محبو بته ,, أم لغرضٍ آخر ؟؟
طبعاً الجميع يعتقد أن ابن عمار كتب هذه القصيدة عن قصة حب وهيام عاشها مع معشوقته ! وعاش أحداثها مثل كل عاشقٍ عاش أحداثها بكل تفاصيلها ولكن هناك سببٌ آخر مغايرٌ تماماً وقد أدهشني كما سوف يدهشكم الآن,
الألفية قصيدة غزلية برهن فيها ابن عمار على مقدرته الشعرية ولا يلزم ربطها بقصة حب حقيقية فمعظم الشعر يعتمد على الخيال ولقد قيل "أعذب الشعر أكذبه" ونظمها بعد ظهور الشيب في شعره، أي بعد تجاوزه الأربعين سنة غالبا بدليل قوله في الألفية:
اللام ليت العمر ينكس لحله && قدر ثلاثين السنة في محله
الرجل قبل الشيب واحلو دله && وان لاح فيه الشيب ما فيه لذات
وقال في الألفية أيضا:
الغين غاب العقل بأول شبابي && وادميت من تلعات الأرقاب نابي
واليوم شاب الراس والكيف طابي && ولاني على الفايت كثير الحسوفات
ومحمد بن عمار تزوج قبل أم أولاده خمسا من النساء فلو كان من مجانين العشاق فهل سيتزوج، وقد رزق بأول أولاده عام 1325ه تقريبا.
أما السبب الرئيسي وهو أن شاعراً يقال له ( العوني ) أتى إلى بلدة ثادق قاصداً الشاعر بن عمار معلناً تحديه له لما سمع عن جزالة شعره في عصره وقال له :
يابن عمار: سوف أكتب لك قصيدة (ألفية مروبعة ) وأريدك أن تأتي بمثلها وتجاريني في وصفها إن استطعت ! فقال ابن عمار هات ماعندك ,وعندما انتهى العوني من ألفيته المروبعه
جاء دور ابن عمار فقال :
ألفٍ أولف من كلامٍ نظيف && ودموع عيني فوق خدي ذريف
يالايمين في حب ذاك الوليف && دقاق رمش العين سيد الخوندات
واعتقد العوني أنه سيبدأ بحرف الباء .. ففاجئه ابن عمار بتكملة حرف الألف!!
خوندات ياللي مابعد عاشرنه && قله تراهن بالهوى يذبحنه
قلبي وقلبك من عروقه خذنه && وعزي لمن مثلي تعرض للآفات
تلاحظ أخي القارئ أنه عندما أكمل حرف الألف أكمله بصيغة الجمع!!
فأطلق لخياله العنان على ذالك حتى انتهى وسميت ألفيته ( بالمثومنة ) ويعتبر أول من أتى بألفية مثومنة في عصره ولم يستطع أحداً مجاراته . هذا هو السبب الحقيقي لكتابته الألفية المشهورة ,, هذا ماأردت توضيحه بشكلٍ موسع وشامل عن هذه الشخصية
القصيدة كاملة هنا
قصيدة ابن عمار كاملة هنا