( 45 ) مدار الأفكار
صــوت المـــــوت
يقول الشاعر العربي :
هو الموت مـا مـنـه ملاذ ومهرب= مـتى حط ذا عن نـعـشه ذاك يركب
نـؤمل آمـالاً ونـرجوا نـتـاجها= وعـل الـردى مما نـرجـيه أقـرب
قال الله تعالى: ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) (آل عمران: 185)، وقال
عز وجل: ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) (النساء: 78)، وقال سبحانه
وتعالى: ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (الرحمن: 26- 27) ، ما بين
(27 ديسمبر 2003 و 27 ديسمبر 2008) مرحلة من العناء والشقاء كابدتها اثر رحيل
نبراس الحياة وشعاع الفؤاد النجل البار (سعود) - رحمه الله - ولكن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع
حزنا، وعندما امتدت يد الموت لتنتزع فلذة كبدي، وضياء نواظري ونبراس حياتي، ومصدر آمالي، وسر
سعادتي، فأمعنت النظر بعظم المصيبة فوجدت أنه لم يمر أحد على هذه الحياة إلا وذاق طعم هذه الكأس
المرة، من أنبياء وصحابة وأتباع، ورؤوس وأشياع، وعلماء وزهاد وقراء وعباد، فكم من خليفة عهد
لولده بالخلافة واستخلفه فجاءه الموت فأخذه من بين يديه واختطفه، وكم من ملك دانت له الرقاب
وذلت، وفرت منه الأسود، وخضعت له الجنود، واخذ القلاع والحصون، وحاز من الأموال كل كنز
مصون، وجاء الموت فاستلب ولده والتهب كبده، ولم يقدر أن يفديه بما حوته وملكته يداه! وكم طرق
هذا الطارق من أمير ووزير، ومستشار ومشير، وكبير وصغير، وغني وفقير، وطبيب ولبيب، وعدو
وحبيب، كل قد دارت عليه هذه الكأس ولم تفرق بين عار وكاس، فما أثقل الولد الصالح في الميزان!
وما أثقل غنمه الرابح! إذ يفتح لأبيه أبواب الجنان، يقول الحق سبحانه وتعالى: (إنه من يتق ويصبر
فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) (يوسف: 90)، وقال تعالى: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من
عزم الأمور( (لقمان: 17)، وقال جل وعلا: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من
الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون
* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (البقرة : 155- 157) وقد
فسر العلماء الثمرات بالأولاد لأنهم ثمرات الفؤاد وفلذات الأكباد ومصابهم من أعظم المصائب، ويقول
الشاعر:
وكيف أطيق أن أنسى حبيبا= يقطّع ذكره بـرد الشـراب
ألا لا لست ناسيه ولكـن= سأذكره بصبر واحتسـاب
ويقول شاعر آخر كتب إلى أخيه يعزيه في ابنه ويسليه:
اصبر لكل مصيبة وتجلدي= واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا أتتك مصيبة تسلو بها=فاذكر مصابك بالنبي محمد
وأعظم ما يسلي الوالد عن صفيه، مصيبته بسيده وهاديه ونبيه، يقول
النبي - صلى الله عليه وسلم: ( من أصيب مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب)، وفي
الذكرى الخامسة لرحيل الغالي (سعود) الذي وافاه الأجل المحتوم في 27 ديسمبر 2003 نسأل الله
الصبر الجميل، ولأمواتنا وأموات المسلمين الرحمة والأجر الجزيل.
لوا هني الموت مني خذا سعـود= فاز وخسرت بحرب الأيام وإجهاد
بدّل شعاع البيض في عتمة السود= حتى غدالي جو الأحـزان معتـاد
عندي تساوى نقص الأيام والزود= حين اكتساني بالورى ثوب الأنكاد
خطبٍ دهمني وانتقى رأس عنقود= ومن التقاء عن منهج الغي صدّاد
على المعالي باذلٍ فيض مجهـود= ولولا المنية لأعتلي صرح الأمجاد