( 44 ) مدار الأفكار
قنال النضال
يقول الشاعر العربي :
ثلاث تواطأن تحت الستار = على ( بور سعيد ) الغالية
أرادوا من النيل إذلاله = فهالتهم القوة العاتية
مهما كثرت مزايا الشعر العربي الحديث فستبقى القصيدة الشعبية – كما يقول الدكتور زياد بن عبد الرحمن
السديري: «أدق منه تعبيرا وأصدق تصويرا»، وتتحدث بعض القصائد عن أحداث مهمة في تاريخ الأمة
العربية والإسلامية. وقد جسّد أحد الشعراء بقصيدة شعبية معبرة وقائع وأحداث العدوان الثلاثي. ومما قال:
من يبدّل صاحب له قناةٍ بالسويـس= السويس اللي مصر حاربت من دونها
قدمت دونها غالـي ونفيـس=سبعة أشهر والمدافع تهز أركونهـا
وبالأمس مرت بنا الذكرى الثانية والخمسون لجلاء قوات العدوان الثلاثي وانتهاء حرب السويس، التي وقعت
أحداثها في مصر إثر تأميم قناة السويس في 26 يوليو عام 1956م. وتعد هذه الحرب كما يقول أسعد
طه: «واحدة من أهم المحطات في التاريخ العربي المعاصر، بل في التاريخ السياسي للعالم كله، فهي تشكل
نقطة تحول كبرى في المشهد السياسي للعالم بعد الحرب العالمية الثانية»، فقد اشتركت في العدوان على
مصر كل من «انجلترا، وفرنسا، وإسرائيل»، ولكل طرف أهدافه ودوافعه ومبرراته، فانجلترا تسعى للانتقام
من الحكومة المصرية التي قامت بتأميم قناة السويس وحرمتها من عائدات القناة التي كانت تديرها قبل
التأميم، وكذلك فرنسا فهي غاضبة من دعم مصر للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وإمدادها
بالمساعدات العسكرية، مما دفعها وشجّعها للمشاركة في العدوان. أما إسرائيل فترى أن بقاءها أصبح
مهددا بعد توقيع مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفياتي تقضي بتزويد القوات المصرية بالأسلحة المتقدمة
والمتطورة, وبالرغم من أن توقيع الاتفاقية جاء بعد رفض الدول الغربية تزويد مصر بالأسلحة التي
تحتاجها، إلا أن إسرائيل اتخذت ذلك ذريعة للمشاركة في العدوان الآثم لأنها ترى في مصر العقبة الحقيقية
في طريق أطماعها، لذلك انتهزت الفرصة عندما تلاقت مقاصدها مع مقاصد انجلترا وفرنسا بمناسبة تأميم
شركة قناة السويس في يوليو 1956م. واتفقت معهما على المؤامرة، وبدأت القوات الإسرائيلية بمهاجمة
الحدود المصرية حيث قامت ليلة التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956م بضرب سيناء، ويوم الخامس
من نوفمبر داهمت القوات البريطانية بورسعيد، وفي اليوم ذاته هاجمت القوات الفرنسية بور فؤاد حيث تشكل
ذلك العدوان الثلاثي الغادر، الذي باء بالفشل نظرا لشدة المقاومة المصرية والتحام الجيش والشعب ضد
العدوان ووقوف الشعوب العربية إلى جانب مصر وكذلك تهديد الاتحاد السوفياتي بالتدخل العسكري، إضافة
إلى معارضة الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة للعدوان، وخلال أيام العدوان المائة والعشرين
جرت ملاحم من النضال خاصة في بورسعيد التي أرقت المعتدين وعجلت باندحارهم, فجاء انسحاب القوات
الفرنسية والبريطانية في الثالث والعشرين من ديسمبر عام 1956م، لذلك تحتفل محافظة بورسعيد ومصر
في ذلك التاريخ من كل عام تخليدا ليوم الجلاء والتضحية والفداء، أما القوات الإسرائيلية فقد انسحبت من
سيناء وقطاع غزة في السادس من مارس عام 1957م وهكذا تحطمت آمال دول العدوان الثلاثي على جبال
العناد المصري.
يا مصر يا رمز الفخر عبر الأجيال= يا منبع الأمجاد جيل بثـر جيـل
لك موقف يا دار الأبطـال فعّـال=وصخرة صمودك حطمت للأساطيل
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 24 - ديسمبر - 2008