( 43 ) مدار الأفكار
مسلسلات التشويه
يقول الشاعر العربي :
ما في البداوة من عيب تذم به = إلا المـروءة والإحسان بالبدر
تبيت نار القرى تبدو لطارقنا =فيها المداواة من جوع ومن خصر
إن أهل البادية - كما يقول ابن خلدون في مقدمته المشهورة - أقرب إلى الفطرة الأولى والى الشجاعة
والخير، وأبعد عما ينطبع في النفس من سوء الملكات بكثرة العوائد المذمومة، وقد أوصى بهم أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال للخليفة من بعده: «أوصيك بأهل البادية خيرا فإنهم أصل العرب
ومادة الإسلام»، وعن واقع البدو وحياة البادية يقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز
آل سعود - حفظه الله ورعاه: ( إن البدو نظيفو وطيبو السريرة ومخلصون ويمكن التعلم منهم الرجولة
والعطاء والفخر والكرم والحس الشعري ), وتاريخ البدو - كما يقول العلامة أحمد وصفي زكريا - «هو تاريخ
العرب الحضر نفسه في الجاهلية والإسلام، إذ إنهم أرومة العنصر العربي ومادته»، ولكن مع الأسف الشديد
أن أغلب المسلسلات التي تعرضها القنوات الفضائية وتُنعت -زورا - بالبدوية قد جاءت لتشويه صورة
المجتمع البدوي من خلال سوء أدائها وأحداثها والتجني على تاريخ وواقع البادية، فهي تصوّر جوانب الغدر
والغش والخديعة، وقطع السبل والبطش والطغيان، والبعد عن الدين والأعراف السوية، كما أنها توحي بأن
المجتمع البدوي مجتمع بعيد عن المحافظة وفيه يختلط الرجال بالنساء لتداول الآراء وتتناول النساء القهوة
في مجالس الرجال، ويسمح للرجل الغريب بالسمر عند المرأة، وهي أمور لا تحدث إلا في أخيلة مروجي
هذه الأعمال الهابطة والسيئة. ويقول المخرج السوري الليث حجو: «إن الثقافة العربية في الوقت الذي تتغنى
فيه بقيم البداوة، لم تفلح في ترجمة هذه الرؤية درامياً»، ويعزو سبب فشل المسلسلات البدوية وبساطتها إلى
«الظروف الإنتاجية السيئة، والى الاستسهال والاستخفاف بحياة البادية، وعاداتها، وتقاليدها الأصيلة من
قبل صانعي تلك الأعمال»، مما يوجب تصحيح تلك الرؤية، عن الحياة البدوية الحافلة بقيم البطولة، والكرم،
والشهامة، والإيثار، والوفاء. وتقول الكاتبة الهنوف: «إن هذه المسلسلات ما هي إلا نقيض لواقع البدو
الأصيل ولم تستطع أن تمثل أو تجسد حياة البدو على حقيقتها، بل على العكس شوهت شهامة رجال البادية
وعفة نسائها». وقد يعتقد البعض لاسيما الناشئة أن هذه المسلسلات تترجم واقع الحياة في البادية، وبإلقاء
نظرة على كتاب «من شيم العرب» للأديب السعودي فهد المارك يغني عن مضامين هذه المسلسلات فقد جاء
الكتاب بأجزائه الأربعة ليسجل مكارم الأخلاق التي تعبر عن الحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية لأبناء
البادية وما فطروا عليه من وفاء وكرم وسخاء، ونجدة ومروءة وشمم وإباء، فهو يجسد قصصا واقعية رائعة
تنطق بروح الشيم والقيم والجوانب المضيئة في حياة أبناء البادية.
كم من مسلسل ينعت للبوادي= لو كان به تشويه عصرٍ مجيدي
تــرى الـبوادي مـنبــــع ٍ للمبادي = من أول عصور وجودها والجديدي
فيــــــها المفـــاخر والمآثر وكادي= لا تشــوهون أمجـــادها بالزهيــــدي
عبد العزيز الفدغوش