( 37 ) مدار الأفكار
دور الشعر
يقول الشاعر العربي :
الشِّعـر يلهج بالحقيقـة واقعـاً = مُـرَّاً وحلـواً بالمعـاني فائض
الشِّعـر ديــوانُ الحياة ورسْمُها = يحكي صداها بالمعـاني نـابِضُ
الشعر يمثل أعلى درجات الوعي في الكلام، وهو فن كسائر الفنون يصدر عن العبقرية ويعتمد على المواهب
التي يرزقها فريق من الناس من غير أن يكون لهم دخل في صنعها، ويقوم على الذوق أكثر مما يقوم
على الفكر والمنطق. والشعر فطري في الإنسانية عرفته منذ عهدها بالكلام الواضح، وجميع الأمم في كل
العصور احتاجت إلى أن تعبر عن أفكار وعواطف خاصة تعبيرا جميلا أجمل من الذي تستعمله في
الأحاديث العادية، وجمال هذا التعبير يتم - كما هو معروف - بالإيقاع، فحيثما كان الفكر الحي، والعاطفة
الصادقة، والنغمة العذبة، كان الشعر مهما اختلفت أدوات التعبير، وتجليات التصوير
وكما يقول عباس محمود العقاد:
ما الشعر إلا لسان الكون خص ّ به= رب ّ الشعـور إذا نـادى يلبـيـه
فالشعر عند جميع الشعوب هو تصوير ما في المخيلة من فكر وخيال، وما في النفس من شعور وإحساس
وآمال، في قالب بديع من الكلام يستسيغه الذوق وترتاح له النفس وتحفظه الذاكرة ويلهج به اللسان،
ويقول محمد زتيلي: (الشعر ذروة النثر، وحالة التجلي العظمى له، وهو تلخيص وتكثيف للجميل في الحياة
واللامرئي، والشعر هو الحكمة التي تعني عصارة التجربة البشرية ملخصة ومكثفة، والشعر هو حالة الصفاء
العظمى للوعي، وهو الوعي في تجلياته تعبيرا عن حالات الانتصار والانكسار، وهو أزهار شجرة المعرفة،
ولحظة فرح أو حزن، سعادة أو تعب، يقبض عليها العقل فيصبها ويعجنها بوسيلة اللغة. وعندما نقول
الشعر نقول الشاعر، والشاعر هو القصيدة، وهو الأعصاب الحية النابضة للزمن، وهو الجغرافيا والتاريخ
والآمال والعواصف التي تفاجئ تجربة التجربة، والشعر هو التمرد على السائد وحالات لتخطي كل ما هو
عادي ومألوف، وهو الإضافة الكبرى في مسيرة البشرية، وفضح للزائف في النفس، وقتل للرغبة في
المهادنة، وتعرية دائمة عن الجميل والمشرق، وتقديم للمحظور في علاقته الإنسانية الخالدة، والشعر إلغاء
للجفاف، وسقي لليبوسة واعتزاز وكبرياء، وازدهار الشعر هو الشرارة التي تنبئ بكل ما هو صحي وسليم
في الحياة بجميع جوانبها ). والشعر عند العرب يختلف عنه عند غيرهم فهو فوق كونه تصويرا لإحساسات
النفس، وتصورات المخيلة فهو عنوان بلاغتهم، وقاموس لغتهم، ومرجع لآدابهم، ونبراس لأمجادهم، ولم
يعرف أن أمة ارتبط الشعر بروحها وكيانها كأمة العرب، وبما أن الشعر ملكة عند العربي، وجبلة
مستحكمة ويتشبث به وينزع إليه، مادام يجد إلى النطق سبيلا، فإذا لم يتسن له أن يقول الشعر فصيحا سليما
مستقيما قاله بلغته التي تواتيه وبلهجته التي تسعفه، فكان أن وجد الشعر الشعبي الذي له -كما يقول
العلامة عبد الله بن خميس - من النفوذ الطبيعي على كافة الطبقات والسمة المعروفة لدى جميع الأوساط.
فالشعر يجسد الكتابة الحرة النابعة من الذات المتطلعة إلى آفاق الإنسان التي لا حدود لها، والتي
تؤسس للحرية وللفعل الحضاري، ولإنسان يعي البناء والشموخ والارتقاء وعن دور الشعر وأهميته يقول
عبد الستار الكاظمي: ( لقد ذكرت السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشجع المقاتلين المقتدرين
على إجادة فن الشعر ونظمه ليحرك فيهم الهمم نحو الثقة بالنفس، فكان الشعر السلاح الأقوى في تحطيم
معنويات العدو وفي إحراز النصر في ميادين المعركة) .
الشعر مرجع في تواريخ الأزمان=وسفر ٍ يسجل للوقايع عناويـن
للمجتمع مرآة في كـل ميـدان=ولسان حال الناس بالعسر واللين
عبد العزيز الفدغوش
الأحد, 23 - نوفمبر - 2008