( 32 ) مدار الأفكار
شجون البدون
يقول الشاعر العربي :
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة = على المرء من وقع الحسام المهندِ
أرى الموت إعداد النفوس ولا أرى = بعيداً غداً ما أقرب اليوم من غدِ
مشكلات الجنسيات في العالم العربي متعددة و مشكلة "البدون" في الكويت حالة إنسانية بالدرجة
الأولى قبل أن تكون اجتماعية أو سياسية أو دولية، كما أضحت بعدما تحدثت عنها وسائل الإعلام العالمية،
وكما يقول الدكتور عبد الله العنزي :
«بدون» في القاموس تعني بلا رأس= ضعيف تلعب به ظروف السياسـة
ويعتبر مصطلح "البدون" تعبيرا مختصرا ودارجا بين عموم الناس في الكويت للتدليل على فئة اجتماعية
غير محددة الجنسية مقسمة في حقيقة الأمر إلى قسمين، الأول ويشمل من لا يحملون جنسية أي دولة،
والثاني يشمل من ينتمون إلى دول أخرى ولكنهم أخفوا كل الوثائق القانونية التي تثبت أنهم ليسوا عديمي
الجنسية، ففي الخمسينات من القرن الماضي لم تكن هناك مسميات معينة للجنسية، وإنما كان الجميع
مواطنين في إمارة الكويت، أما في الستينات، فقد تم استخدام مسمى "بادية الكويت"، واستمر الأمر حتى
السبعينات حين ظهر للمرة الأولى مصطلح "البدون" الذي ظهر لوصف وتسمية هذه الفئة، ولكن المشكلة
كانت في التناول الرسمي والشعبي على حد سواء لمصطلح "البدون" وتعميمه على كل حالة تدّعي إنها لا
تحمل جنسية دولة محددة، وهو الأمر الذي أدى مع مرور الوقت إلى تكوين صورة ذهنية عامة عن جميع
أفراد هذه الفئة المقسمة أصلا بين أصحاب حق ومدّعين له، أما في الثمانينات، فقد استبدلت الحكومة ذلك
المسمى بمصطلح " غير كويتي" ورمزت له بـ “غ.ك” تفاديا للحرج الاجتماعي الذي طال هذه الفئة،
وخصوصا أن الكثيرين منهم يعيشون بين أقربائهم وذويهم من المواطنين الكويتيين, وقد كان آخر مصطلح
استخدمته الحكومة لوصف هؤلاء هو "المقيمون بصورة غير مشروعة" وهو المصطلح الذي يحمل في
طياته مزج وجودهم بقانون الإقامة رغم عدم خضوعهم له، ويعتقد إن اختيار هذا الاسم يرجع أساسه إلى
ممارسة نوع من الضغط النفسي على أفراد هذه الفئة على أمل أن يظهر منهم من يمتلك وثائق تثبت
انتماءه إلى دولة ما، وإلا فسيكونون عرضة لإجراءات أشد قسوة ومنها الإبعاد , ومن هذا المصطلح
يتضح أن فئة عديمي الجنسية أو "البدون" هم بالتحديد الذين لا يتمتعون بجنسية أي دولة أخرى
ويعيشون على أرض الكويت، ومن العدالة النظر إلى وجودهم تاريخيا في ضوء طبيعة تكوين المجتمع
الكويتي، فكما هو معروف أن الكويت هي بلد الهجرات، والشعب الكويتي تكوّن من قوميات مختلفة
نزحت إليه على فترات متفاوتة من المناطق المجاورة، وينحدر البدون" في أصولهم أيضا من هذه المناطق
وبخاصة من البدو الرحّل الذين كانوا يعيشون حياة التنقل والترحال بحثا عن المراعي والحياة الآمنة,
وتتضح الصورة بشكل أكبر إذا علمنا أن الترسيم الحدودي القانوني لم يكن واضحا في ذلك الوقت، فقبل
أن توجد الحدود الدولية في المنطقة كانت القبائل العربية تنتقل بحرية بين الدول دون قيود وكانت تعبر
الحدود الكويتية عن طريق البر سواء بحثا عن الكلأ أو لمقايضة سكان الكويت بما لديهم من منتجات
حيوانية كالصوف والحليب والدهن في مقابل حصولهم على مستلزمات حياتهم من البضائع، فكان أن
وقع هؤلاء البدو الرحل ضحايا الضوابط القانونية التي وضعت للحدود بعد ذلك. وقد ظهرت هذه المشكلة
بوضوح عندما صدر أول قانون للجنسية في الكويت عام 1959، وبعد الاستقلال وظهور النفط، ظهرت
حاجة الدولة للسكان والعمالة، ففتحت الباب واسعا أمام الوفود المهاجرة إليها، وهذا ما يفسر استثناء
قانون الإقامة للأجانب في المرسوم الأميري رقم17/1959 لأفراد القبائل والعشائر الذين يدخلون الكويت
برا من الجهات التي تعودوها لقضاء أشغالهم، من كل إجراءات الإقامة وجوازات السفر وسمات الدخول،
وقد ألغت الحكومة الفقرة “د” في تعديل أجري على قانون الإقامة سنة1987م، ومع هذا فإن إلغاء تلك
الفقرة لم يغير شيئا، فهي لم تنص على إنها تسري بأثر رجعي ولم تضف إلى القانون مادة تنص على
إلغاء المركز القانوني الذي نشأ في ظل المادة “ش25”، وحتى يتم التعديل على قانون إقامة الأجانب فإن
أحكام الإبعاد المقررة في قانون إقامة الأجانب رقم “17” لسنة 1959م، لا تنطبق على "البدون" أو غير
محددي الجنسية ولا يوجد أي نص قانوني آخر يحكم وضعهم القانوني، ومن ثم فلا يجوز إبعادهم طبقا
للقانون كما أوضح ذلك الدكتور رشيد حمد العنزي وفق دراسة قانونية أكاديمية نشرت عام 1994م ,
ويعد استثناء أفراد هذه الفئة من تطبيق قانون الأجانب اعترافا من الدولة بتلك القبائل كونها منتمية إلى
الكويت ومرتبطة بها تاريخيا، فالتواجد والامتداد القبلي على طول الصحراء، كان يقف مع المصالح
الإستراتيجية للدولة آنذاك، إذ كان يستخدم معيارا لترسيم الحدود وقوة الدولة حتى بلغ عدد "البدون"عام
1990م ( 220- 250 ) ألفا ثم تقلص العدد بعد التحرير ليصبح اقل من 120 ألف نسمة وفق
الإحصاءات الرسمية، وذلك بسبب سياسة الضغط والتهجير القسري الذي اتبع مع هذه الفئة .
حب الوطن بين الورى درع ووشاح= وبين المحاني يسكن الروح بوضوح
جاد "البدون" بموجبه غال الأرواح=ومن الوفاء والانتماء تبذل الـروح