( 31 ) مدار الأفكار
الأسماء المستعارة
يقول الشاعر العربي :
أكنيه حين أناديه لأكرمه =ولا ألقبه والسوءة اللقبا
كذاك أدّبت حتى صار من خلقي = أني وجدت ملاك الشيمة الأدبا
الأسماء المستعارة هي التي يستبدل فيها الشخص اسمه باسم آخر يختاره بطوعه أو وفق ظروفه وأحوال
مجتمعه - في الغالب - وأكثر ما تظهر هذه الأسماء في مجالات الأدب والإعلام، ولدى عديد من الكتّاب
والفنانين والشعراء, وان كان ذلك لا يعني انتفاءها لدى القادة السياسيين في مختلف العصور، وهي ليست
جديدة في عالم الكتابة، بل إنها قديمة جدا، فنحن نعرف شعراء وكتابا عربا كتبوا بأسماء غير أسمائهم
وألقاب غير ألقابهم، ولكن بعض الصفحات الأدبية والشعبية في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية
والمطبوعات الشهرية المتخصصة تحفل اليوم بالكثير من المتناقضات والظواهر السلبية العجيبة الغريبة،
والتي يتقن “البعض” فنها طلبا للشهرة وحب الأضواء، فمن مسلسل الصور ذات “المكياج” والابتسامات
العريضة مع أسماء مستعارة إلى إجراء حوارات ولقاءات بتقديم مبالغ فيه لأسماء نكرة، مرورا بظاهرة منح
الألقاب والمسميات الرنانة، ونعت أربابها بصفات الإبداع والنجومية والتميز والعبقرية والتنزيه عن الوقوع
في الأخطاء وفق “صك” شللي خاضع للمداهنة والمحاباة والمجاملات والمصالح المشتركة، وصادر عن أحد
مقار اجتماع “الشلة”، والتي عادة ما تتم في المقاهي والإسطبلات، ولا يخفى على المتابع الواعي واقع
الأسماء “الملمعة” المعنية ذات الألقاب المبتدعة الفوقية، والتي تمنح لكثير من طحالب” الساحة خاصة
الشعبية، وتحظى من قبل مانحيها بهالات الإجلال والتمجيد، والثناء والتبجيل والتأييد، ونعتها بالإبداع
والتميز والتجديد، رغم انه لا وجود لتلك النعوت إلا في رؤوس وخيالات مبتدعيها، وعقول وأذهان حامليها .
وأخيرا جاءت ظاهرة أخرى تتمثل في دخول المواقع الأدبية في شبكة “الانترنت بأسماء مستعارة “النك
نيم”، إذ يحاول من خلالها عديمو الثقة مدح أنفسهم والإشادة بأعمالهم، وغالبا ما يتم التخفي بأسماء
مستعارة أنثوية، إمعانا في الإخفاء والتضليل وكسب العدد الأكثر من المتابعين والمطبلين، ويقول الشاعر
والكاتب مصطفى معروفي: إن مسألة الاسم المستعار ليست بالأمر الجديد ,بيد أن كاتبا يستعير اسم أنثى
ليوقع به ما يكتبه أو كاتبة تستعير اسم ذكر لتوقع به ما تكتب هنا تكمن الطرافة والغرابة معا، وقد حكى لي
أحد أصدقائي الشعراء مرة أنه استعار اسم أنثى للكتابة في جريدة نسائية، وأخذ يهاجم بعض الكتاب
المرموقين تحت ذلك الاسم، ولا أحد علم بالأمر، وكان هجومه النقدي عنيفا على أولئك الكتاب، ولقي من
أولئك الكتاب ردودا ربما هي أعنف وأقسى مما كتب، ولو كتب باسمه الصريح المعروف به، لما كان نقده
وهجومه على تلك الدرجة من العنف والقساوة، ولكن رغم كل المبررات ستظل المسميات العارية لا تحقق
المراد، وكما يقول الليث: “سميت العارية عارية لأنها عار على من طلبها”، وهذه الأسماء وان كانت لها
دواعيها أحيانا - إلا أن من سلبياتها ضياع بعض حقوق أصحابها، وربما اتجه أصحابها إلى انتقاء أسماء
تشاؤمية توحي بالإحباط والألم، وقد تؤدي بأصحابها إلى مزالق السخط والاكتئاب من حيث عكس المأمول.
وهذه الظاهرة عموما لا تزال قيد الدراسة، ولا تزال الدراسات في ساحاتها محل الاجتهاد، ومهما حاول
البعض تحسين صور الأدعياء فانه لا يصح إلا الصحيح والبقاء للأصلح، والاستمرارية للأفضل، قال الله
سبحانه و تعالى: “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك
يضرب الله الأمثال” ( الرعد: 17 ) .
يا مبتدع بين الـورى جـمّ الألقـاب = احرص على المضمون رأس المطاليب
احرص على ما طاب في فهـم وآداب= وإلا المسمـى لا يـودي ولا يجيـب
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 29 - أكتوبر - 2008