( 29 ) مدار الأفكار
عكاظ الخليج
يقول الشاعر العربي :
إذا بنـي القباب على عكاظ= وقـام البيع واجتمع الألوفُ
تواعدنا عُكاظ لنـنزلنــهُ = ولـم تشعر إذن أني خليـفُ
في عصر ما قبل الإسلام كانت للعرب أسواق عامة تجتمع فيها القبائل للبيع والشراء وتبادل المنافع، كما
ينشد الشعراء أشعارهم في التفاخر والحماسة والمجادلة، وغيرها من أغراض الشعر، ويتم تقويم هذه
القصائد من قبل كبار الشعراء ويعد سوق «عكاظ» في الحجاز، الذي ينعقد أول ذي القعدة إلى العشرين منه
أشهر هذه الأسواق، إذ كان ينفرد بموقعه الجغرافي الممتاز بين مكة والطائف، ويشغل مكانا منبسطا في واد
فسيح تتوافر فيه المياه والنخيل، ويمتاز كذلك بقربه من مكة «مركز التجارة الكبرى في بلاد العرب»،
ويسوده الأمن والاطمئنان على الأموال والأنفس لانعقاده في الأشهر الحرم التي تعظّمها العرب، ويتميز عن
غيره من أسواق العرب بشموليته وأهميته بما يقدم فيه من مناشط متنوعة تشارك فيها وفود عربية وأجنبية
مختلفة بالإضافة إلى عرب الجزيرة، فهو بمنزلة مؤتمر عالمي ينظمه العرب ويستمر 20 يومًا، وتعرض
فيه حوليات الشعراء على النقاد في احتفال كبير, وللسوق نظام أمني لحماية الأسلحة، إذ توضع عند رئيس
لجنة معني بها، وهوأحد أبناء العرب، ويتم تحديد مجموعة حكام في هذا السوق في مجال المنافرة والصلح
بين الخصوم وتحكيم المسابقات، وكان النابغة الذبياني الذي يجلس على كرسي ) دغيلان( وحنظلة بن فهد
وكلب بن ويرة يمثلون حكام الشعر ونقاده ومراقبيه، تنشد أمامهم قصائد الحوليات ومن أبرز روادها قس بن
ساعدة وذو الأصبع العدواني والخنساء وغيرهم, وللسوق نشاط تجاري تعرض فيه معروضات من الجزيرة
وفارس والحبشة ومصر والشام.
وهناك نشاط قبلي وسياسي لحل المشكلات بين الأمم والقبائل وعقد عهود السلام وتسليم الأسرى وإبراز
المعاهدات وتقويم الفرسان وتحديد مراكزهم ,وزار الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السوق مع أعمامه
متشوقا، وبعد نزول الوحي عليه داعيا إلى الله , وعلى المنوال ذاته ورغبة من ولاة الأمر في إحياء الشعر
وتقديرا لدوره وإيمانا بأهميته، فقد أعلنت الجهات المسؤولة عن الشعر العربي «الفصيح والشعبي» في
دول مجلس التعاون الخليجي «الخليج الأدبي» الكبير الذي رصدت له جوائز كبرى وفيه تنشد القصائد
الهادفة التي تخدم المجتمعات والأوطان والقضايا الإنسانية وتقدم بطرق تليق بسمو الشعر وبعيدا عن التمثيل
والصراخ و«المهايط»، وتتولى التقييم فيه لجان من ذوي الاختصاص والدراية من أبناء الخليج لخدمة الشعر
ولا تجامل أحدا على حسابه ولا مجال لـ (الواسطة) فيها، ولا يمكن تسييرها بـ «ريموت كنترول» ولا تتشدق
بالثناء والمديح المبالغ فيه، وترسيخ الفتن القبلية والطائفية والقطرية، كما يحدث في كثير من مسابقات
الشعر الحالية، إنما تهتم بجودة العمل وتجيز الأفضل وتقام الاحتفالية الكبرى في كل عام بدولة من دول
المجلس، وتحديدًا بذكرى يومها الوطني، وتحظى بدعم جميع وسائل الإعلام الخليجية، ولأن دولة الكويت
صاحبة الريادة والسبق في كثير من الميادين، فقد جاءت الانطلاقة الأولى للمهرجان الخليجي منها، وفي
خضم هذه الأحلام والأماني صحوت على صوت المؤذن مناديا لصلاة الفجر، فتذكرت قول الشاعر الشعبي:
يا حي ّ صوت ٍ ينطلق من منارة = صوت ٍ جهر بالحق في كل ديرة
نادى على خير العمل والبشارة = بأشرف نداء وآيات خير ٍ وخيرة
للفرض نادى في فصيح العبارة = ولبت نداء الداعي وجيه ٍ سفيرة
عبد العزيز الفدغوش
الأحد, 19 - أكتوبر - 2008