من أكبر أصحاب ابن عباس، وقد ترجمناهم في كتابنا (التكميل)، ولله الحمد، انتهى.
وقد زدنا هنا في ترجمة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب زيادة حسنة.
فأما طاوس فهو: أبو عبد الرحمن طاوس بن
كيسان اليماني، فهو أول طبقة أهل اليمن من التابعين، وهو من أبناء الفرس الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن.
أدرك طاوس جماعة من الصحابة وروى عنهم، وكان أحد الأئمة الأعلام، قد جمع العبادة والزهادة، والعلم النافع، والعمل الصالح، وقد أدرك خمسين من الصحابة، وأكثر روايته عن ابن عباس، وروى عنه خلق من التابعين وأعلامهم، منهم: مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار، وإبراهيم بن ميسرة، وأبو الزبير ومحمد بن المنكدر، والزهري وحبيب بن أبي ثابت، وليث بن أبي سليم والضحاك بن مزاحم، وعبد الملك بن ميسرة، وعبد الكريم بن المخارق، ووهب بن منبه، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وعبد الله بن طاوس، وغير هؤلاء.
توفي طاوس بمكة حاجا، وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك، ودفن بها رحمه الله تعالى.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، قال: قال أبي: مات طاوس بمكة، فلم يصلوا عليه حتى بعث هشام ابنه بالحرس، قال: فلقد رأيت عبد الله بن الحسن واضعا السرير على كاهله، قال: ولقد سقطت قلنسوة كانت عليه ومزق رداؤه من خلفه - يعني من كثرة الزحام - فكيف لا وقد قال النبي : «الإيمان يمان»، وقد خرج من اليمن خلق من هؤلاء المشار إليهم في هذا وغيره، منهم: أبو مسلم، وأبو إدريس، ووهب وكعب وطاوس وغير هؤلاء كثير.
وروى ضمرة، عن ابن شوذب، قال: شهدت جنازة طاوس بمكة سنة خمس ومائة، فجعلوا يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن، حج أربعين حجة.
وقال عبد الرزاق: حدثنا أبي، قال: توفي طاوس بالمزدلفة - أو بمنى - حاجا، فلما حمل أخذ عبد الله بن الحسن بن علي بقائمة سريره، فما زايله حتى بلغ القبر.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، قال: قدم طاوس بمكة، فقدم أمير المؤمنين، فقيل لطاوس: إن من فضله ومن، ومن فلو أتيته قال: مالي إليه حاجة، فقالوا: إنا نخاف عليك، قال: فما هو إذا كما تقولون.
وقال ابن جرير: قال لي عطاء: جاءني طاوس فقال لي: يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وجعل دونه حجابه، وعليك بطلب من بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة، طلب منك أن تدعوه ووعدك الإجابة.
وقال ابن جريج: عن مجاهد، عن طاوس، { أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت: 44] قال: بعيد من قلوبهم.
وروى الأحجري، عن سفيان، عن ليث، قال: قال لي طاوس: ما تعلمت من العلم فتعلمه لنفسك، فإن الأمانة والصدق قد ذهبا من الناس.
وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، عن الصلت بن راشد. قال: كنا عند طاوس، فجاءه مسلم بن قتيبة بن مسلم، صاحب خراسان، فسأله عن شيء فانتهره طاوس، فقلت: هذا مسلم بن قتيبة بن مسلم صاحب خراسان، قال: ذاك أهون له علي. وقال لطاوس: إن منزلك قد استرم، فقال: أمسينا.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، في قوله تعالى: { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا } [النساء: 28] قال: في أمور النساء، ليس يكون في شيء أضعف منه في النساء.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: لقي عيسى بن مريم عليه السلام إبليس، فقال إبليس لعيسى: أما علمت أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك؟
قال: نعم، قال إبليس: فأوف بذروة هذا الجبل فترد منه، فانظر أتعيش أم لا؟
قال عيسى: أما علمت أن الله تعالى قال: لا يجربني عبدي، فإني أفعل ما شئت.
وفي رواية: عن الزهري، عنه، قال: قال عيسى: إن العبد لا يختبر ربه، ولكن الرب يختبر عبده.
وفي رواية أخرى: إن العبد لا يبتلي ربه، ولكن الرب يبتلي عبده. قال: فخصمه عيسى عليه السلام.
وقال فضيل بن عياض، عن ليث، عن طاوس، قال: حج الأبرار على الرحال، رواه عبد الله بن أحمد، عنه.
وقال الإمام أحمد، حدثنا أبو ثميلة، عن ابن أبي داود. قال: رأيت طاوسا وأصحابا له إذا صلوا العصر استقبلوا القبلة ولم يكلموا أحدا، وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء.
وقال: من لم يبخل ولم يل مال يتيم لم ينله جهد البلاء. روى عنه أبو داود الطيالسي.
وقد رواه الطبراني، عن محمد بن يحيى بن المنذر، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي داود، فذكره. وقال لابنه: يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية وغاية المرء حسن عقله.
وسأله رجل عن مسألة فانتهره، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أخوك، قال: أخي من دون الناس؟
وفي رواية: أن رجلا من الخوارج سأله فانتهره، فقال: إني أخوك، قال: أمن بين المسلمين كلهم؟
وقال عفان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، قال: سأل رجل طاوسا عن شيء فانتهره، ثم قال: تريد أن تجعل في عنقي حبلا ثم يطاف بي؟
ورأى طاوس رجلا مسكينا في عينه عمش وفي ثوبه وسخ، فقال له: عد ! إن الفقر من الله، فأين أنت من الماء؟
وروى الطبراني، عنه، قال: إقرار ببعض الظلم خير من القيام فيه.
وعن عبد الرزاق، عن داود، عن ابن إبراهيم: أن الأسد حبس الناس ليلة في طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضا، فلما كان السحر ذهب عنهم الأسد، فنزل الناس يمينا وشمالا فألقوا أنفسهم، وقام طاوس يصلي، فقال له رجل - وفي رواية فقال ابنه -: ألا تنام فإنك قد سهرت ونصبت هذه الليلة؟ فقال: وهل ينام السحر أحد؟ وفي رواية: ما كنت أظن أحدا ينام السحر.
وروى الطبراني، من طريق عبد الرزاق، عن أبي جريج وابن عيينة. قالا: حدثنا ابن طاوس. قال: قلت لأبي: ما أفضل ما يقال على الميت؟ قال: الاستغفار.
وقال الطبراني: حدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث أن محمد بن يوسف - أو أيوب بن يحيى - بعث إلى طاوس بسبعمائة دينار، وقال للرسول: إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك.
قال: فخرج بها حتى قدم على طاوس الجند، فقال: يا أبا عبد الرحمن نفقة بعث بها الأمير إليك، فقال: مالي بها من حاجة، فأراده على أخذها بكل طريق فأبى أن يقبلها، فغفل طاوس فرمى بها الرجل من كوة في البيت، ثم ذهب راجعا إلى الأمير، وقال: قد أخذها، فمكثوا حينا ثم بلغهم عن طاوس ما يكرهون - أو شيء يكرهونه - فقالوا: ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا، فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعثه إليك الأمير رده إلينا، فقال: ما قبضت منه شيئا، فرجع الرسول إليهم فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق، فقالوا: انظروا الذي ذهب بها إليه، فأرسلوه إليه.
فجاءه فقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن، قال: هل قبضت منك شيئا؟ قال: لا ! قال: فقام إلى المكان الذي رمى به فيه فوجدها كما هي، وقد بنت عليها العنكبوت، فأخذها فذهب بها إليهم.
ولما حج سليمان بن عبد الملك قال: انظروا إلى فقيها أسأله عن بعض المناسك، قال: فخرج الحاجب يلتمس له، فمر طاوس فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: اعفني، فأبى، فأدخله عليه، قال طاوس: فلما وقفت بين يديه، قلت: إن هذا المقام يسألني الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير جهنم هوت فيها سبعين خريفا حتى استقرت في قرارها، أتدري لمن أعدها الله؟ قال: لا !! ويلك لمن أعدها الله؟ قال: لمن أشركه الله في حكمه فجار.
وفي رواية ذكرها الزهري: أن سليمان رأى رجلا يطوف بالبيت، له جمال وكمال، فقال: من هذا يا زهري؟ فقلت: هذا طاوس، وقد أدرك عدة من الصحابة، فأرسل إليه سليمان فأتاه فقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدثني أبو موسى قال: قال رسول الله : «إن أهون الخلق على الله عز وجل من ولى من أمور المسلمين شيئا فلم يعدل فيهم». فتغير وجه سليمان فأطرق طويلا ثم رفع رأسه إليه فقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدثني رجل من أصحاب النبي - قال ابن شهاب: ظننت أنه أراد عليا - قال: دعاني رسول الله إلى طعام في مجلس من مجالس قريش، ثم قال: «إن لكم على قريش حقا، ولهم على الناس حق، ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا ائتمنوا أدوا، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا»، قال: فتغير وجه سليمان وأطرق طويلا ثم رفع رأسه إليه وقال: لوما حدثتنا؟ فقال: حدثني ابن عباس أن آخر آية نزلت من كتاب الله: { وَاتَّقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [البقرة: 281] .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبو معمر، عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، قال: قال عمر بن عبد العزيز لطاوس: ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين - يعني سليمان - فقال طاوس: مالي إليه من حاجة، فكأنه عجب من ذلك، قال سفيان وحلف لنا إبراهيم وهو مستقبل الكعبة: ورب هذا البيت ما رأيت أحدا الشريف والوضيع عنده بمنزلة واحدة إلا طاوس.
قال وجاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاوس فلم يلتفت إليه، فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه؟ قال: أردت أن يعلم هو وأبوه أن لله عبادا يزهدون فيهم وفيما في أيديهم.
وقد روى عبد الله بن أحمد، عن ابن طاوس، قال: خرجنا حجاجا فنزلنا في بعض القرى، وكنت أخاف أبي من الحكام لشدته وغلظه عليهم، قال: وكان في تلك القرية عامل لمحمد بن يوسف - أخي الحجاج بن يوسف - يقال له: أيوب بن يحيى، وقيل: يقال له: ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم كبرا وتجبرا.
قال: فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فإذا ابن نجيح قد أخبر بطاوس، فجاء فقد بين يدي طاوس، فسلم عليه فلم يجبه، ثم كلمه فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الآخر فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه وأخذت بيده، ثم قلت له: إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك، فقال طاوس: بلى ! إني به لعارف، فقال الأمير: إنه بي لعارف، ومعرفته بي فعلت بي ما رأيت. ثم مضى وهو ساكت لا يقول شيئا، فلما دخلت المنزل قال لي أبي: يا لكع، بينما أنت تقول: أريد أخرج عليهم بالسيف لم تستطع أن تحبس عنهم لسانك.
وقال أبو عبد الله الشامي: أتيت طاوسا فاستأذنت عليه فخرج إلى ابنه شيخٌ كبيرٌ، فقلت: أنت طاوس؟ فقال: لا ! أنا ابنه، فقلت: إن كنت أنت ابنه فإن الشيخ قد خرف، فقال: إن العالم لا يخرف، فدخلت عليه فقال طاوس: سل فأوجز، فقلت: إن أوجزت أوجزت لك، فقال: تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا التوراة والإنجيل والفرقان؟ قال: قلت: نعم ! قال: خف الله مخافة لا يكون عندك شيء أخوف منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك.
وقال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه. قال: يجاء يوم القيامة بالمال وصاحبه فيتحاجان، فيقول صاحب المال للمال: جمعتك في يوم كذا في شهر كذا في سنة كذا، فيقول المال: ألم أقض لك الحوائج؟ أنا الذي حلت بينك وبين أن تصنع فيما أمرك الله عز وجل من حبك إياي، فيقول صاحب المال: إن هذا الذي نفد على حبال أوثق بها وأقيد.
وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن الضريس، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم قط: عطاء وطاووس، ومجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة.
وقال سفيان: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: مع من كنت تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء والعامة، وكان طاوس يدخل مع الخاصة.
وقال حبيب: قال لي طاوس: إذا حدثتك حديثا قد أثبته فلا تسأل عنه أحدا - وفي رواية: فلا تسأل عنه غيري -
وقال أبو أسامة: حدثنا الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، قال: أدركت خمسين من أصحاب رسول الله .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، أخبرني ابن طاوس، قال: قلت لأبي: أريد أن أتزوج فلانة، قال: اذهب فانظر إليها، قال: فذهبت فلبست من صالح ثيابي، وغسلت رأسي، وأدهنت، فلما رآني في تلك الحال، قال: اجلس فلا تذهب.
وقال عبد الله بن طاوس: كان أبي إذا سار إلى مكة سار شهرا، وإذا رجع رجع في شهر، فقلت له في ذلك، فقال: بلغني أن الرجل إذا خرج في طاعة لا يزال في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله.
وقال حمزة: عن هلال بن كعب، قال: كان طاوس إذا خرج من اليمن لم يشرب إلا من تلك المياه القديمة الجاهلية.
وقال له رجل: ادع الله لي، فقال: ادع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه.
وقال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: كان رجل فيما خلا من الزمان، وكان عاقلا لبيبا، فكبر فقعد في البيت، فقال لابنه يوما: إني قد اغتممت في البيت، فلو أدخلت علي رجالا يكلموني؟ فذهب ابنه فجمع نفرا فقال: ادخلوا على أبي فحدثوه، فإن سمعتم منه منكرا فاعذروه فإنه قد كبر، وإن سمعتم منه خيرا فاقبلوه. قال: فدخلوا عليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإذا تزوج الرجل فليتزوج من معدن صالح، فإذا اطلعتم على فجرة رجل فاحذروه فإن لها أخوات.
وقال سلمة بن شبيب: حدثنا أحمد بن نصر بن مالك، حدثنا عبد الله بن عمر بن مسلم الجيري، عن أبيه، قال: قال طاوس لابنه: إذا قبرتني فانظر في قبري، فإن لم تجدني فاحمد الله تعالى، وإن وجدتني فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال عبد الله: فأخبرني بعض ولده أنه نظر فلم يره ولم يجد في قبره شيئا، ورؤي في وجهه السرور.
وقال قبيصة: حدثنا سفيان، عن سعيد بن محمد، قال: كان من دعاء طاوس: يدعو اللهم احرمني كثرة المال والولد، وارزقني الإيمان والعمل.
وقال سفيان: عن معمر، حدثنا الزهري، قال: لو رأيت طاوس بن
كيسان علمت أنه لا يكذب.
وقال عون بن سلام: حدثنا جابر بن منصور - أخو إسحاق بن منصور - السلولي، عن عمران بن خالد الخزاعي. قال: كنت جالسا عند عطاء، فجاء رجل فقال: أبا محمد إن طاوسا يزعم أن من صلى العشاء ثم صلى بعدها ركعتين يقرأ في الأولى: ألم تنزيل السجدة، وفي الثانية: تبارك الذي بيده الملك كتب له مثل وقوف عرفة وليلة القدر. فقال عطاء: صدق طاوس ما تركتهما.
وقال ابن أبي السري: حدثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه. قال: كان رجل من بني إسرائيل، وكان ربما داوى المجانين، وكانت امرأة جميلة، فأخذها الجنون، فجيء بها إليه، فنزلت عنده فأعجبته، فوقع عليها فحملت، فجاءه الشيطان فقال: إن علم بها افتضحت، فاقتلها وادفنها في بيتك، فقتلها ودفنها، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه عنها، قال: ماتت، فلم يتهموه لصلاحه ومنزلته، فجاءهم الشيطان فقال: إنها لم تمت، ولكن قد وقع عليها فحملت فقتلها ودفنها في بيته، في مكان كذا و كذا، فجاء أهلها فقالوا: ما نتهمك ولكن أخبرنا أين دفنتها، ومن كان معك؟ فنبشوا بيته فوجدوها حيث دفنها، فأخذوه فحبسوه وسجنوه، فجاءه الشيطان فقال: أنا صاحبك، فإن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فاكفر بالله، فأطاع الشيطان، فكفر بالله عز وجل، فقتل فتبرأ منه الشيطان حينئذ.
وقال طاوس: ولا أعلم أن هذه الآية نزلت إلا فيه وفي مثله: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [الحشر: 16] .
وقال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: كان رجل من بني إسرائيل له أربعة بنين، فمرض، فقال أحدهم: إما أن تمرضوا أبانا، وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء، فمرضه حتى مات ودفنه ولم يأخذ من ميراثه شيئا.
وكان فقيرا وله عيال، فأتي في النوم فقيل له: إيتِ مكان كذا وكذا فاحفره تجد فيه مائة دينار فخذها، فقال للآتي في المنام: ببركة أو بلا بركة؟ فقال: بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت: اذهب فخذها فإن من بركتها أن تكسوني منها ونعيش منها. فأبى وقال: لا آخذ شيئا ليس فيه بركة. فلما أمسى أتي في منامه فقيل له: إيت مكان كذا و كذا فخذ منه عشرة دنانير، فقال: ببركة أو بلا بركة؟ قال: بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته، فقالت له مثل ذلك، فأبى أن يأخذها، ثم أتي في الليلة الثالثة فقيل له: إيت مكان كذا وكذا فخذ منه دينارا، فقال: ببركة أو بلا بركة؟ قال: ببركة، قال: نعم إذا.
فلما أصبح ذهب إلى ذلك المكان الذي أشير إليه في المنام فوجد الدينار فأخذه، فوجد صيادا يحمل حوتين فقال: بكم هما؟ قال: بدينار، فأخذهما منه بذلك الدينار، ثم انطلق بهما إلى امرأته فقامت تصلحهما، فشقت بطن أحدهما فوجدت فيه درة لا يقوم بها شيء، ولم ير الناس مثلها، ثم شقت بطن الآخر فإذا فيه درة مثلها.
قال: فاحتاج ملك ذلك الزمان درة فبعث يطلبها حيث كانت ليشتريها، فلم توجد إلا عنده، فقال الملك: إيت بها، فأتاه بها، فلما رآها حلاها الله عز وجل في عينيه، فقال: بعنيها، فقال: لا أنقصها عن وقر ثلاثين بغلا ذهبا، فقال الملك: ارضوه، فخرجوا به فوقروا له ثلاثين بغلا ذهبا.
ثم نظر إليها الملك فأعجبته إعجابا عظيما، فقال: ما تصلح هذه إلا بأختها، اطلبوا لي أختها. قال: فأتوه، فقالوا له: هل عندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم. فأتي الملك بها، فلما رآها أخذت بقلبه، فقال: أرضوه، فأضعفوا له ضعف أختها، والله أعلم.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا وهيب بن الورد، حدثنا عبد الجبار بن الورد، قال: حدثني داود بن سابور، قال: قلنا لطاوس: أدع بدعوات، فقال: لا أجد لذلك حسبة.
وقال ابن جرير: عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يحب أن له ما في أيدي الناس بالحرام لا يقنع.
وقيل: الشح هو ترك القناعة.
وقيل: هو أن يشح بما في يد غيره، وهو مرض من أمراض القلب ينبغي للعبد أن يعزله عن نفسه، وينفيه ما استطاع، وهو يأمرنا بالبخل.
كما في الحديث الصحيح عن النبي قال: «اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا، وبالقطيعة فقطعوا، وهذا هو الحرص على الدنيا وحبها».
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا المحاربي، عن ليث، عن طاوس، قال: ألا رجل يقوم بعشر آيات من الليل فيصبح قد كتب له مائة حسنة أو أكثر من ذلك، ومن زاد زيد في ثوابه.
وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس، قال: لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج.
وعن سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، قال: قال لي طاوس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور.
وقال طاوس: لا يحرز دين المؤمن إلا حفرته.
وقال عبد الرزاق: عن معمر بن طاوس، وغيره: أن رجلا كان يسير مع طاوس، فسمع الرجل غرابا ينعب، فقال: خير، فقال طاوس: أي خير عند هذا أو شر لا تصحبني ولا تمش معي.
وقال بشر بن موسى: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: إذا غدا الإنسان اتبعه الشيطان، فإذا أتى المنزل فسلم نكص الشيطان. وقال: لا مقيل، فإذا أتى بغدائه فذكر اسم الله، قال: ولا غداء ولا مقيل، فإذا دخل ولم يسلم قال الشيطان: أدركنا المقيل، فإذا أتى بغذائه ولم يذكر اسم الله عليه قال الشيطان: مقيل وغداء، وفي العشاء مثل ذلك.
وقال: إن الملائكة ليكتبون صلاة بني آدم: فلان زاد فيها كذا وكذا، وفلان نقص فيها كذا وكذا، وذلك في الركوع والخشوع والسجود.
وقال: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة، فلما خلق آدم سكنت، وكان إذا سمع صوت الرعد يقول: سبحان من سبحت له.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: قال مجاهد لطاوس: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصلي في الكعبة والنبي على بابها يقول لك: اكشف قناعك، وبيِّن قراءتك. فقال له: اسكت لا يسمع هذا منك أحد. ثم تخيل إلى أن انبسط في الحديث.
وقال أحمد أيضا بهذا الإسناد: إن طاوسا قال لأبي نجيح: يا أبا نجيح !! من قال: واتقي الله خير ممن صمت واتقى.
وقال مسعر، عن رجل: إن طاوسا أتى رجلا في السحر فقالوا: هو نائم، فقال: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا ابن يمان، عن مسعود، فذكره.
قال الثوري: كان طاوس يجلس في بيته، فقيل له في ذلك، فقال: حيف الأئمة وفساد الناس.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرني أبي، قال: كان طاوس يصلي في غداة باردة معتمة، فمر به محمد بن يوسف صاحب اليمن وحاجبها - وهو أخو الحجاج بن يوسف - وطاوس ساجد، والأمير راكب في مركبه، فأمر بساج أو طيلسان مرتفع القيمة فطرح على طاوس وهو ساجد، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم نظر فإذا الساج عليه فانتفض فألقاه عنه، ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله وتركه ملقى على الأرض.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا حماد بن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا كتب عليه حتى أنينه في مرضه، فلما مرض الإمام أحمد أنَّ فقيل له: إن طاوسا كان يكره أنين المرض فتركه.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا الفضل بن دُكَين، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن داود بن شابور، قال: قال رجل لطاوس: ادع الله لنا، فقال: ما أجد بقلبي خشية فأدعو لك.
وقال ابن طالوت: حدثنا عبد السلام بن هاشم، عن الحسن بن أبي الحصين العنبري، قال: مر طاوس برواس قد أخرج رؤوسا فغشي عليه.
وفي رواية: كان إذا رأى الرؤوس المشوية لم يتعش تلك الليلة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا الأشجعي، عن سفيان الثوري، قال: قال طاوس: إن الموتى يفتنون في قبورهم سغبا، وكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام.
وقال ابن إدريس: سمعت ليثا، يذكر عن طاوس وذكر النساء فقال: فيهنَّ كفر من مضى وكفر من بقي.
وقال أبو عاصم: عن بقية، عن سلمة بن وهرام، عن طاوس، قال: كان يقال اسجد للقرد في زمانه، أي: أطعه في المعروف.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أسامة، حدثنا نافع بن عمر، عن بشر بن عاصم، قال: قال طاوس: ما رأيت مثل أحد أمن على نفسه، ولقد رأيت رجلا لو قيل لي: من أفضل من تعرف؟ لقلت: فلان ذلك الرجل، فمكثت على ذلك حينا، ثم أخذه وجع في بطنه، فأصاب منه شيئا استنضح بطنه عليه، فاشتهاه، فرأيته في نطع ما أدري أي طرفيه أسرع حتى مات عرقا.
وروى أحمد، حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن طاوس: أنه رأى فتية من قريش يرفلون في مشيتهم، فقال: إنكم لتلبسون لبسة ما كانت آباؤكم تلبسها، وتمشون مشية ما يحسن الزفافون أن يمشوها.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر: أن طاوسا قام على رفيق له مرض حتى فاته الحج - لعله هو الرجل المتقدم قبل هذا استنضح بطنه -.
وقال مسعر بن كدام: عن عبد الكبير المعلم، قال طاوس: قال ابن عباس: سئل النبي من أحسن قراءة؟ قال: «من إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله عز وجل».
وقد روى هذا أيضا من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، قال: قال ابن عباس: إن النبي قال: «إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به».
وعنه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: رآني رسول الله وعلي ثوبان معصفران فقال: «أمك أمرتك بهذا»؟ قلت: أغسلهما؟ قال: «بل أحدهما». رواه مسلم في صحيحه، عن داود بن راشد، عن عمر بن أيوب، عن إبراهيم بن نافع، عن سليمان الأحول، عن طاوس، به.
وروى محمد بن مسلمة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عمرو، قال: قال رسول الله : «الجلاوذة والشرط وأعوان الظلمة كلاب النار». انفرد به محمد بن مسلم الطالقي.
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسن الأنماطي البغدادي، حدثنا عبد المنعم بن إدريس، حدثنا أبي، عن وهب بن منبه، عن طاوس، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: «يا علي استكثر من المعارف من المؤمنين فكم من معرفة في الدنيا بركة في الآخرة».
فمضى علي فأقام حينا لا يلقى أحدا إلا اتخذه للآخرة، ثم جاء من بعد ذلك فقال له رسول الله : «ما فعلت فيما أمرتك به»؟ قال: قد فعلت يا رسول الله، فقال له النبي : «اذهب فاِبلُ أخبارهم».
فذهب ثم أتى النبي وهو منكس رأسه، فقال له النبي : «اذهب فاِبلُ أخبارهم».
فذهب ثم أتى النبي تبسم فقال: «ما أحسب يا علي ثبت معك إلا أبناء الآخرة»؟ فقال له علي: لا والذي بعثك بالحق، فقال له النبي :
« { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ } [الزخرف: 67-68] يا علي ! أقبل على شأنك، وأملك لسانك، وأغفل من تعاشر من أهل زمانك تكن سالما غانما».
لم يرو إلا من هذا الوجه فيما نعلم، والله أعلم.
منقووووول عن ويكيبيدياتوقف