( 27 ) مدار الأفكار
أدعياء الحب
يقول الشاعر العربي :
لا تدّعي الحب مهلا لست تعرفه = عيناك منه براء صمتها الشاتي
الحب ليس عبــارات تنمـقها = لكنه الدفء يسري في مساءاتي
لماذا تطغى مصلحة بعض الشعراء على رجولتهم من خلال ادعاء الحب لأسماء شاعرات مشهورات
للوصول على أكتافهن؟ هكذا سألتني إحدى الشاعرات المشهورات، فقلت لها: لاشك إن الإنسان ميال نحو
الأضواء، منجذب إلى دائرتها، ومحب لما يصاحبها من بهرجة إعلامية وإشادات تأثيرية إيحائية، وتبعا
لذلك نجد أسماء في عالم الشعر (شعراء وشاعرات) نالت نصيبها من الشهرة والتميز، وحظيت بالإشادات
والثناء، وأضحت محط الأنظار ومركز الإشعاع، ويشار إليها بالبنان، وعليه نجد من يتعلق بهذه الأسماء
سواء كان ذلك تعلقا وجدانيا حقيقيا، أو انه عشق للأضواء وهيام بهذه الأسماء التي تمثل بالنسبة إليه أو
إليها دائرة الضوء ومصدره، وبتحقيق الغاية الأصلية، الضوء، يخفت هذا الحب غير الحقيقي أو التمثيلي –
إن جازت التسمية- وينتهي، وقد لاحظنا في الوسط الأدبي والشعبي منه على وجه الخصوص الانجذاب إلى
مصادر الضوء بادعاء بعض الشعراء والأدعياء العشق والهيام بشاعرات مشهورات، أو العكس من قبل
بعض الأسماء النسائية وبتحقيق الغاية والحلم ينتهي موال «الحب» ويقلب )المتيم ( لمعشوقه «ظهر
المجن» كما تقول العرب في أمثالها، ويتخلى عنه، وينكر حتى دوره في إيصاله إلى الضوء، الغاية ولكن
التجاهل لا يلغي الدور الحقيقي للحب لأن النفس البشرية كما خلقها الله سبحانه وتعالى نزّاعة إلى الحب
كلفة به مطبوعة على حب الجمال، مفطورة على احترامه وتقديره، والحب - كما يقول ابن قيم الجوزية في
مؤلفه «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» - من الشهوات العاجلة التي تملك قياد المرء وتختلط بدمه إذا
ما استقرت في ضميره وفي طويته، وإذا ما تمكن الحب واستقر في الضمير فان انتزاعه من سريرة
الإنسان ومن باطنه يصبح أمرا شاقا صعبا متعذرا بلا ريب» فالحب هو تاج الإنسانية وقانونها المقدس،
وشعارها الذهبي الذي يربطنا بواجبنا، وعنه يقول علي أمين: (من أحب نسي مرارة الدنيا ولم يبق على
شفتيه سوى حلاوتها( ، ويقول شيلر: ( ما اصغر النفس وما أحقر الحياة إذا تجردت من الحب) ,
قال تعالى: «زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل
المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب»، ( آل عمران: 14)، وهذه
الشهوات مستقرة راسخة في نفوس الناس، والذي يزهد فيها أو يلوي وجهه عنها يراه الناس غير قويم
الطبيعة شاذ التكوين، كما ينظر الطب إلى الرجل الذي يرغب عن النساء بأنه غير سوي وهو محتاج إلى
العلاج لتقوية غريزته وحفز الرغبة فيه، لأن الرغبة فيهن أمر طبيعي وما عداه مخالف للفطرة، وعندما
تتمكن قوة الحب والأشواق من قلب المحب فانه لا يقوى على دفع الإعصار الجارف الذي يعتصره ويعترض
طريقه ولا مخرج من ذلك إلا بإتباع الشرع الحنيف، فان فيه مخرجا لكل ما يعن ويعرض من نوازل
وملمات، ومهما حاول أدعياء الحب الغش والتدليس في مجاله فانه لا يصح إلا الصحيح.
التجاهل ما يضيّـع للصحيـح=والحقايق ما تزلزل بالصيـاح
لا يغرك من يجامل بالمديـح= ولا تنكر للمسبـب بالنجـاح
اعترف بأدوار غيرك يا صريح= ولا تغطي في ظلامك للصباح
عبدالعزيز الفدغوش
الأربعاء, 8 - أكتوبر - 2008