(262) مدار الأفكار
منارة الطهارة
يقول الشاعر العربي :
أكرم بعائشة الرضا من حرة = بكر مطهرة الإزار حصان
هي زوج خير الأنبياء وبكره =وعروسه من جملة النسوان
في مكة المكرمة وقبل الهجرة بحوالي تسع سنوات ولدت أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق
رضي الله عنها وعن أبيها,ونشأت مع إخوتها بين أبوين كريمين وفي بيت يشع إيمانا وعلما وحكمة وكرما
وشرفا ونبلا فتربت على الأدب الجم,والخلق الرفيع,وتعلمت من أبيها ومنذ نعومة أظفارها معرفة الأنساب
وأشعار وأيام العرب,وأبصرت النور في ظلال الإسلام كما قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين) ,وقد
نالت سائر وجوه الشرف والحسب والنسب,فهي بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب القرشي,
الإمام الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية التي
قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم
رومان ) ,وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى بأم عبد الله,ولُقِّبت بالصِّدِّيقة,وعُرِفت بأم المؤمنين,وبالحميراء
لغلبة البياض على لونها, وفي السنة الثانية بعد الهجرة وبأمر من الله عز وجل تزوجها الرسول صلى الله
عليه وسلم,وفي بيت النبوة الذي عاشت فيه بداية شبابها سمعت ما يتلى من آيات الله والحكمة فكانت من أنجب
من تربى في مدرسة النبوة,ولم تتجاوز العقد الثاني من عمرها حتى استوعبت جميع ثقافة مجتمعها وتفوقت
على غيرها في شتى العلوم الموجودة في ذلك العصر,فقد اتصفت بالعقل النير,والذكاء الحاد,والعلم الغزير,
وكان دورها فاعلا في خدمة الفكر الإسلامي من خلال اجتهاداتها ونقلها للأحاديث الشريفة,وتفسيرها لكثير
من جوانب حياة الرسول صلى الله عليه وسلم,فهي من أبرع الناس في القرآن والحديث والفقه,وقد روت من
الأحاديث (2210) حديثاً واحتلت المرتبة الرابعة في حفظ الحديث وروايته بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمر
وأنس بن مالك رضوان الله عليهم, وعن غزارة علمها يقول عروة بن الزبير : ( ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن
ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة) ,فهي أفقه نساء
المسلمين وأعلمهن بالقرآن والحديث والفقه,وكانت مرجعاً لأصحاب رسول الله عندما يستعصي عليهم أمر,
وفي ذلك يقول أبو موسى الأشعري: (ما أشكل علينا–أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-حديث قط,
فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً) ,وقال أبو عمر بن عبد البر : ( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في
ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر) ,ولذكائها وحبها للعلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها
ويؤثرها حيث قال: ( كمل من الرجال كثير,ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران,
وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ,وكانت من أحب نساء الرسول إليه,ومما عن
روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : يا رسول الله ! من أحب الناس إليك ؟ قال: (عائشة, قال:
ومن الرجال؟ قال: أبوها) ,وعن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: ( يا أم سلمة لا
تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها ) ,وقد ابتليت أم المؤمنين عائشة
رضي الله عنها من قبل المنافقين بحادث الإفك وكان بلاءً عظيماً لها ولزوجها,وأهلها,حتى فرجه الله بإنزال
براءتها من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ,وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم قال
تعالى في سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُو َخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ,ويقول العلامة ابن القيم في زاد المعاد: (
اتفقت الأمة على كفر قاذف عائشة رضي الله عنها) ,ويقول حسان بن ثابت : (حصان رزان ما تزن بريبة*
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل,عقيلة حي من لؤي بن غالب* كرام المساعي مجدهم غير زائل,مهذبة قد
طيب الله خيمها*وطهرها من كل سوء وباطل) ,ويقول أحد الشعراء: (ذاعَتْ مناقِبُها في كُلِّ ناحيةٍ*كالشّمسِ
بازغةً بالنّورِ تَزْدَهِرُ,إذْ أعْجَزَ الكُلَّ أدْراكاً لِمَنْزِلِها *كَأَنَّها الغيثُ سَحّاءاً وتَنْهَمِرُ) ,وبعد حياة حافلة بالعبادة
والتقوى والصلاح ونشر العلم, وبعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية والاجتماعية والسياسية للمسلمين
,وفي 13 يوليو عام 677 م انتقلت إلى جوار أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وهي في
السادسة والستين من عمرها ودفنت بالبقيع,وبالرغم من إفك وبهتان المتقولين,وحقد المبغضين الظالمين,وكيد
الزنادقة والمنافقين,ستظل عائشة الصديقة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وزوجته في الجنة منارة
الطهر وقدوة النساء,وصورة مضيئة من صور الحياء,والمثل العليا والعفة والنقاء.
زوج النبي من كل إفك ٍ أمبرات=بأمر الذي وسط البحر سيّر الحوت
في محكم التنزيل سجّل شهادات=لاسم ٍ رسخ في هالة الطهر منحوت
الله كتب من فوق سبع السماوات=براءة ٍ للطاهرة حق مثبوت
بان الخبر في سورة النور بآيات = ولا ينكر التنزيه مسلم ومبخوت
رمز النقاء والطهر بآيات وإثبات= بأمر الكريم المعتلي موجب الموت