(261) مدار الأفكار
عزيز الشعر
يقول الشاعر العربي :
ولقد كان للعروبة نايًا =يتغنى بمجدها خلابا
ولقد كان وهو مثل بنينا= إن شدا بزنًا فنحني الرقابا
تمر اليوم العاشر من يوليو الذكرى الـ ( 38 ) لرحيل الشاعر الكبير عزيز بن محمد بن عثمان أباظة الذي
يُعد رائد الحركة المسرحية الشعرية بعد أحمد شوقي,ومن أبرز أعلام وفرسان الشعر العربي الأصيل,وقد
أشتهر بمسرحياته الشعرية التي اتسمت بالحبكة الفنية وروعة البيان,وهو شاعر مصري من أصول شركسية
ولد في قرية الربعماية مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية في 13 أغسطس عام1898م,وتلقى تعليمه الابتدائي
في المدرسة الناصرية الابتدائية,وأكمل دراسته في كلية فيكتوريا في الإسكندرية ثم المدرسة التوفيقية بشبرا
ثم المدرسة السعيدية حتى حصل على الشهادة الثانوية عام 1918م,ودرس القانون في كلية الحقوق بالقاهرة
وتخرج منها ونال الليسانس عام 1923م ,وتمرن على المحاماة في مكتب (وهيب دوس بك المحامي) لمدة
عامين,ثم التحق بالحكومة وشغل عدة مناصب فيها فعمل مساعداً للنيابة فوكيلاً للنيابة في مديرية الغربية,وفي
عام 1929م فاز بعضوية مجلس النواب,ثم عاد بعدها ليتولى عدة مناصب إدارية منها مديرًا لمصلحة تحقيق
الشخصية بوزارة الداخلية عام 1933م, ثم وكيلاً لمديرية البحيرة عام 1935م,ومديراً للقليوبية عام 1938م ثم
مديراً للفيوم ثم مديراً للبحيرة,وفي عام 1942م عين محافظاً لبورسعيد وحاكماً عسكرياً,ومنها مديراً لأسيوط
وأثناء خدمته فيها نال رتبة باشا,وفي عام 1947م عين عضواً في مجلس الشيوخ,واختير عضواً بمجمع اللغة
العربية في القاهرة سنة 1959م ورئيساً للجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب كما عين عضواً
بالمجمع العلمي العراقي,وفي عام1965م حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عن فئة الشعر,وبالرغم
من اتسام أسلوبه بالجزالة وقوة المعنى والرصانة,إلا انه كان يوازن في حياته بين عمله في الإدارة والإبداع
حتى فجع في 29 يونيو عام 1942م بوفاة زوجته ابنة عمه فانبعثت ملكته الشاعرة بأناته الحائرة فدوت بين
القلوب والأسماع ,وعرفت ما طبع منها في جميع البقاع,وقد عبّر عن روح الوفاء,وعناء الرثاء في ديوانه
الموسوم (أنات حائرة) والذي نشر عام1943م,وله عدد من المسرحيات الشعرية هي: (قيس ولبنى1943م,
,العباسة 1947م,الناصر 1949م,شجرة الدر 1950م,غروب الأندلس 1952م,شهريار 1955م,أوراق الخريف
1957م,قافلة النور 1958م,قيصر 1963م,و زهرة 1968م ) ,وله خمسة دواوين هي: ( أنات حائرة, تسابيح
قلب,في موكب الخالدين,محفل التاريخ, من الشرق إلى الغرب,وفي موكب الحياة) ,ومن شعره الإسلامي
ملحمته الخالدة : (من إشراقات السيرة الزكية) التي نظم فيها السيرة النبوية شعرا في( 33) قصيدة,وأكثر من
( 1300 ) بيت من الشعر وهي قصائد حافلة بالإشراق الروحي والطهر النفسي وبالجمال الفني والموسيقى
الشعرية العذبة,وتتميز بقوة التأثير وجلال الإبداع,ومنها قصيدته في كتاب الله الكريم والموسومة (دنيا القرآن)
حيث يقول: (أناف على العقول فقيل: شعر*وعز على الفحول,فقيل: سحر,تعالى الله أحكمه كتاباً*فليس لعاقل
إن ضل عذر,مطالع حكمة,ومعين هدى*وبحر مج فيه الدر در) ,وأثناء تنفيذ مشروع السد العالي قال قصيدته
المشهورة والتي تغنت بها أم كلثوم عام 1960م ومنها قوله: (كان حلماً مخاطراً فاحتمالا*ثم أضحى حقيقة لا
خيالا,عمل من روائع العقل جئناه*بعلم ولم نجئه ارتجالاً,إنه السد فارقبوا مولد السد* وباهوا بيومه الأجيالا
),وفي رثاء زوجته يقول: ( وأقسم قد أديت الفضل حقه*وللأهل والأبناء والزوج والرب,سألقاك لم يشغل
فراغ تركته*ببيتي ولم يملأ مكانك من قلبي ),وقد اشترك عزيز أباظة في المؤتمرات البرلمانية بإسطنبول
ودبلن,ومثل مصر في مؤتمر الشعراء بوارسو,ومؤتمر المجامع اللغوية ببغداد,وفي حديقة الأدباء يقول عنه
الدكتور طاهر الطناحي: (عزيز أباظة: بلبل من بلابل الأشعار ,قال الشعر منذ العاشرة من عمره,وفي كهولته
تبوأ مكانه في الطبقة الأولى من شعراء العربية,يقول الشعر ويتغنى به بعيدا عن الأنظار),ويقول العالم
الأزهري الشيخ أحمد الباقوري في تقديمه لملحمة السيرة النبوية: (إن الشاعر عزيز أباظة قد لخص السيرة
النبوية في هذه الملحمة الشعرية رائعة مبتغياً من وراء ذلك أن يلفت حدثاء الإنسان من أدبائنا إلى أن لغتنا
العربية شريفة قادرة أبين القدرة على التعبير عن كل ما يختلج في الصدور ويطوف بالأذهان,وتحتاج إليه
حقائق الحياة,وأن يدعو القادرين على العمل والقيادة والتوجيه إلى أن يضعوا نصب أعينهم هذه السيرة النبوية
الشريفة يستمدون منها الحرية الشاملة والعدالة الكاملة),ويقول عنه الشاعر فاروق شوشة: ( هذا شاعر كبير
القامة والمقام,لم ينصفه عصره,وهو صاحب الإنجاز المسرحيّ الشعري الباذخ والمجموعات الرصينة
البديعة) ),فالشاعر عزيز أباظة يعد مدرسة للشعر العربي الرزين,ومن شعراء الطبقة الأولى المميزين,ومن
مؤلفي القصص التمثيلي المعدودين,ومن أبرز شعراء العالم العربي في القرن العشرين,وقد تناول في شعره
قضايا الأمة والوحدة العربية وكان منشغلا جدا بهذه القضايا ويشعر بحنين كبير إلى أمجاد العرب القديمة
وكان شعره مصدر إلهام للدفاع عن البقاء العربي فهو يمثل قمة شامخة في تاريخ الشعر العربي الأصيل,رحم
الله شاعرنا الفذ عزيز أباظة الذي وافاه الأجل المحتوم أثناء زيارته للكويت في 10 يوليو عام 1973م,وبفقده
خسرت الحركة الشعرية المعاصرة ودولة الأصالة والاتزان,أحد أكبر رموزها وأبرز فرسان الأدب والبيان .
الشاعر النبراس يبقى للأجيال=رغم الرحيل ومرّ جيل ٍ بثر جيل
شعر ٍ يخلّد في معانيه الأنفال= وشعر ٍ قليل الفائدة والمحاصيل
مرت ثلاث عقود وخمس ٍ ولا زال = عزيز للأمثال قنديل بالليل
حاضر بذهن الشعر في كل الأحوال =ولا يختفي من جاد روح التماثيل
جسّد عمود الشعر في روح الأمثال = ويشهد له التاريخ والشعر والنيل