( 25 ) مدار الأفكار
صيانة الأمانة
يقول الشاعر العربي:
أدِ الأمانة والخيانة فاجتنب=واعدل ولا تظلم يطيب المكسب
واحذر من المظلوم سهماً صائباً=واعلم بأن دعاءه لا يحجب
قال تعالى: «يأيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» (الأنفال:27)،
الأمانة رمز السعادة وعنوان الخير والمحبة والجلادة، وقد حلّى الله بها ملائكته وأمر بها عباده وتعد من
أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام، لأنها شرط أساسي لاصطفائهم بالرسالة، وهي من اخص
الفضائل والآداب التي يترتب عليها: صيانة الأموال والأعراض، وحفظ المجتمع من غوائل الفوضى
والفساد، فبين الأمانة والإيمان تلازم وثيق، فحيث يكون الإيمان تكون الأمانة، وحيث تكون الأمانة يكون
الإيمان، وتعني أداء الحقوق والمحافظة عليها، وكل ما يكون في عهدة إنسان وذمته، أمانة، ويعرفها أرباب
اللغة بأنها ضد الخيانة، كما إن الإيمان ضد الكفر، ويقول عبد الرحمن حبنكة الميداني في مؤلفه «الأخلاق
الإسلامية»: «الأمانة مصدر كالأمان، والأمان من الأمن وهو ضد الخوف وحين تنعدم مسببات الخوف
يحصل الأمان في النفوس، ولما كان الأمين إنسانا مأمون الجانب لا يخشى عدوانه على حقوق غيره، كانت
ساحته ساحة أمان، وليس فيها أي مثير للخوف على المال أو على العرض، أو على الحياة، ولذلك سميت
الخصلة التي يتحلى بها الأمين على حقوق الآخرين أمانة، ولما كانت هذه الخصلة داخلة في ميدان الأخلاق
وإيثاره، وقد ظهر لنا من تعريف الأمانة إنها تشتمل على ثلاثة عناصر: الأول: عفة الأمين عما ليس له به
حق، والثاني: تأدية الأمين ما يجب عليه من حق لغيره، والثالث: اهتمام الأمين بحفظ ما أستؤمن عليه من
حقوق غيره وعدم التفريط بها والتهاون بشأنها) ,وقد فرض الإسلام على المسلمين الأخذ بخلق الأمانة،
وحرم عليهم أن يسلكوا مسلك الخيانة، فمن كان أمينا كان مطيعا لربه في إسلامه، ومن كان عاصيا لربه
في إسلامه وربما وصل إلى حالة كان فيها مجروح الإسلام والإيمان، فقد روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم انه قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟قال: «الذي لا يأمن جاره
بوائقه» أي غوائله وخياناته،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا إيمان لمن لا
أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، ففي هذه الأحاديث ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة وكون
الإنسان مأمون الجانب بالإيمان وجعل عدم الأمانة مؤثرة في صحة الإيمان، لأن الخيانة من علامات
النفاق، كما يوضح ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا
وعد اخلف، وإذا اؤتمن خان»، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «أنظر عقل الرجل عند حديثه،
وحلمه عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما عليك بحلم المرء ما لم يغضب، وأمانته ما لم يطمع، وعقله ما
لم يتكلم»، وكما يقال: )إن الأمانة تصون صاحبها عن العار والنار( ,وقد ورد ذكر الأمانة في مواضع كثيرة
من القرآن الكريم منها قول المولى عز وجل: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها» «النساء 85»،
حيث يخبر الله سبحانه وتعالى انه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي الحديث الشريف: (أد الأمانة إلى من
ائتمنك ولا تخن من خانك) وهو أمر يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله جل وعلا على
عباده من الصلاة والصيام والزكاة والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه، ومن حقوق العباد
بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك ما يؤتمنون به فأمر الله سبحانه بأدائها، ومما جاء في الحديث «إن
الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بالرجل يوم القيامة وان كان قد قتل في سبيل الله فيقال: أد أمانتك
فيقول: فأنى أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوى إليها فيحملها على عاتقه فتنزل
عن عاتقه فيهوى على إثرها ابد الآبدين»، ويقول الحق سبحانه وتعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات
والأرض والجبال فأبين إن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا» (الاحزاب72)
ويقول ابن عباس يعني بالأمانة «الطاعة» عرضها عليهم قبل إن يعرضها على آدم فلم يطقنها، فقال لآدم:
إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب وما
فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، وإن أست عوقبت، فأخذها آدم فحملها، وتعد الكتابة من أهم المجالات التي
تدخل فيها الأمانة حيث يجب أن تكون مضامينها هادفة وخالية من الكذب والتضليل والتلاعب بالحقائق والتهويل.
يا حي من جسد معان الأمانـه=وفي كل منهج ملتزم شرع دينه
صان الأمانة وأجتنب للخيانه = والله على منهاج دينه يعينه
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 27 - أغسطس - 2008