(260) مدار الأفكار
ثمر السفر
يقول الشاعر العربي :
فسر في بلاد الله والتمس الغنى = تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
ولا ترض من عيش بدين ولا تنم = وكيف ينام الليل من كان معسرا
إن السفر والضرب في الأرض,والتأمل والتدبر في عجائب الكون والوقوفَ على أطلال السابقين,وآثارِ
الغابرين,للعظة والاعتبار هي من سنن الله تعالى التي جعل فيها منافع كبيرة وفوائد كثيرة,قال تعالى: (قُلْ
سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) [الأنعام:11],وقال سبحانه: (فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
المُجْرِمِينَ) [النمل: 69],وقال عز وجل: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ) [العنكبوت: 20],
وقال سبحانه وتعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور)
[الملك 15],وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سافروا تصحّوا,وجاهدوا تغنموا,وحجوا تستغنوا) ,وقال أيضا:
(السفر ميزان القوم) ,وقد عني الإسلام عناية فائقة بالسفر وأحوال المسافرين فأعان على ذلك بأحكامٍ تناسب
حال المسافر فقابَلَ مشقَّةَ السفر وعَنَتَه,وغربة المسافر وشغله,بالتخفيف عنه,فخفَّف عنه في فرائض العبادات,
في عَددها وصِفتها,ووضع عنه بعضَ النوافل,وكتب له أجْرَها مع أنه لم يعملْها,لأن السفر قد منَعَه منها,
فعومل فيها كأنه قد عمِلها تخفيفًا من الله ورحمة بعباده,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ
أو سافر,كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) ,وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الجمع بين
الصلاتين في السفر سنَّةٌ عند الحاجة إليه,مباحٌ عند عدم الحاجة إليه,وجاء في حديث ابن عمر رضي الله
عنهما قال: (رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجَلَه السيرُ في السفر, يؤخِّر المغرب,حتى يجمع
بينها وبين العشاء) ,و السفر كما يعرّفه أرباب اللغة يعني قطع المسافة والجمع أسفار,وهو خلاف الحضر,
ويقال رجل مُسافرٌ وقومٌ سفرٌ,وسمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق ووجوه المسافرين,وفي السفر تختلف
مقاصد الناس وتتعدد وتتباين بين السياحة والترويح عن النفس وطلب العلم واكتساب المعيشة وغيرها ,وفي
فوائد السفر يقول الإمام الشافعي رحمه الله : ( تغرب عن الأوطان تكتسب العلا *وسافر ففي الأسفار خمس
فوائد,تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشة*وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد ,فإن قيل في الأسفار ذلٌ وشدةٌ* وقطعُ الفيافي
وارتكابُ الشدائد, فموت الفتى خير له من حياته*بدار هوانٍ بين واشٍ وحاسد) ,وقال أيضا: (سافر تجد عوضاً
عمن تفارقه*وانصَبْ فإن لذيذ العيش في النصب,إني رأيت وقوف الماء يفسده*إن ساح طاب وإن لم يجر لم
يطب,والأسدُ لولا فراق الأرض ما افترست*والسهم لولا فراق القوس لم يصب,والشمس لو وقفت في الفلك
دائمةً*لملها الناس من عجم ومن عرب,والتبر كالترب ملقى في أماكنه *والعود في أرضه نوع من الحطب,
فإن تغرب هذا عز مطلبه*وإن تغرب ذلك عز كالذهب) ,ويقول أحد الشعراء : ( ومتى أمرت ببدعة أو زلة*
فاهرب بدينك آخر البلدان,الدين رأس المال فاستمسك به * فضياعه من أعظم الخسران ) ,وقال الثعالبي: (من
فضائل السفر,أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار,ومن بدائع الأقطار,ومحاسن الآثار,ما يزيده علماً بقدرة
الله تعالى ) ,ولما سئل الشعبي عن مصدر علمه الغزير قال: ( بنفي الاعتماد,والسير في البلاد) ,ومن فوائد
السفر كذلك استجابة الدعاء, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ: دعوة
المظلوم,ودعوة الوالد لولده,ودعوة المسافر) ,ولأجل فوائد السفر ورغبة في الابتعاد عن مجريات العمل
وغيرها من متاعب يحرص كثير من أهل الخليج على السفر خاصة في فترة الصيف التي لا توجد فيها
ارتباطات دراسية للأبناء ,إضافة إلى الرغبة في التخفيف من وطأة الحرارة التي تتميز بها أكثر دول المنطقة
,ويجب على المسافر الالتزام بهويته الإسلامية وأخلاقه الإيمانية,وأن ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات ودوافع
المغريات,وان يجعل السفر مجلبة للعلم والخير,لا منفذا للسوء والشر المستطير,والمصايف الأجنبية التي يحلو
للبعض ارتيادها ليست بحال من الأحوال أفضل من مصايف الخليج التي تتصف بعض مناطقها بأجواء معتدلة
وطبيعة خلابة جذابة وتحظى باهتمام ورعاية الجهات المعنية بشؤون السياحة في دول مجلس التعاون لتهيئة
أجواء الراحة لروادها,إضافة إلى الاهتمام بما فيها من معالم حضارية وتاريخية,ونسأل الله العلي العظيم أن
يكتب للمسافرين السلامة والسداد,وأن يحقق لجميع المسلمين الهداية والرشاد .
يا منتوي ترتاد بالصيف الأقطار = احرص على ما ينفعك بالمشاوير
احرص على واجبك واحذر من النار=ولا تستمع لأصوات ناس ٍ مغارير
لا يخدعك بين الورى جو الأسفار =وعقب الفضيلة والهدى تعكس السير
الدين رأس المال يا واف الأشبار= و خل التعلل بالسفر والمعاذير
ترى الزمن يا طيّب الذات دوّار = والرابح اللي دايم ٍ يزرع الخير