( 23 ) مدار الأفكار
صالون الشعراء
يقول الشاعر العربي :
لا عجب إن النساء ترجلت = ولكن تأنيث الرجال عجيبُ
وكم من سمي ّ ٍ ليس مثل سميّه = وإن كان يدعى باسمه فيجيبُ
قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى أننا بصدد الحديث عن أحد الصالونات الأدبية التي أدت دورا مهما في
نشر الثقافة، وإلقاء الأضواء على نتاج الأدباء والمفكرين والتعريف بالآداب المختلفة، ودفع المواهب
المغمورة إلى النجاح والشهرة، وقد انتشرت هذه الصالونات في الوطن العربي وذاع صيتها في مطلع القرن
الماضي، وشكلت في عدد من المدن العربية نوافذ يطل من خلالها الفكر والثقافة، ومن أشهرها صالون
الأديبة مي زيادة في مصر الذي حقق نجاحا كبيرا بسبب الخصائص الذاتية لشخصيتها، فإخلاصها وتألق
نبوغها وسحر حديثها زاد إعداد ورواد الصالون، فأثرت في أدب عصرها من الناحيتين الإنسانية والفنية،
وكان صالونها يزدحم بالأدباء والشعراء وتناقش فيه القضايا الفكرية والأدبية، وقد اعتاد ارتياده أعلام
النهضة العربية ومنهم: إسماعيل صبري، منصور فهمي، أحمد لطفي السيد، أحمد زكي، رشيد رضا،
مصطفى عبد الرزاق، سلامة موسى، إسماعيل مظهر، أحمد شوقي، خليل مطران، إبراهيم المازني، عباس
محمود العقاد، أنطوان جميل، صادق الرافعي وطه حسين وغيرهم، فهو منتدى علم وأدب، حيث تعقد فيه
حلقات في كل يوم ثلاثاء ويتلهف على حضوره الكبار من الشخصيات، لدرجة إن الشاعر إسماعيل صبري قال فيه:
روحي على بعض دور الحي حائمة=كظامئ الطير تواقـا إلـى المـاء
إن لم أمتـع بمـي ناظـري غـدا=لا كان صبحك يا يـوم الثلاثـاء
وكذلك مجلس الأديب عباس محمود العقاد الذي كان يعقد في كل يوم جمعة والذي أفرد له أنيس منصور
كتابا ضخما عنوانه: «كانت لنا أيام في صالون العقاد»، وفي الخليج وجد العديد من المجالس والندوات
والملتقيات الأدبية التي تحلو للبعض - خصوصا في السعودية - تصنيفها وفق أيام الأسبوع كأحدية
الدكتور راشد المبارك، وأبي عبد الرحمن بن عقيل، وأحمد المبارك، واثنينية عثمان الصالح، وعبد
المقصود خوجة، والنعيم، والعفالق، وسعيد أبوملحة، وثلوثية محمد المشوح، والطبيب المغلوث وندوة
سعود المريبض، وخميسية حمد الجاسر الثقافية، وعبد العزيز الرفاعي، وندوة النخيل للدكتور محمد بن
سعد بن حسين، والوفاء لأحمد باجنيد وغيرها، أما في الكويت فالرابطة مقر وملتقى الأدباء، وكذلك صالون
الثلاثاء الذي تبناه مجموعة من أدباء الكويت منهم محمد عبد الله السعيد وإسماعيل فهد إسماعيل وطالب
الرفاعي، وقبله كان صالون الأربعاء للأديبة إقبال الغربللي، وعن تاريخ وأهمية هذه الصالونات الأدبية
يقول الدكتور عبد الله إبراهيم العسكر: «كثرت الصالونات الأدبية أو الثقافية في حواضر العالم الإسلامي،
في ضحى الإسلام وظهره، فكان بعض الأدباء والعلماء ووجهاء الناس يعقدون مجالس يجري فيها العلم
بأنواعه، وكان أصحاب المجالس يتنافسون في ذلك، ومنها مجلس الوزير المهلبي الذي كان من نتيجته
كتاب الأغاني، ومن المجالس المشهورة مجلس سيف الدولة الحمداني الذي تخرج منه المتنبي وأبو فراس
والفارابي وابن خالوية وغيرهم كثير، ومن مجالس العلماء مجلس أبي سليمان المنطقي وابن أبي عامر،
وكانت تلك المجالس تعقد للمتعة العقلية، ويجتمع فيها مسلمون ونصارى ويهود وأصحاب
ديانات أخرى، ومن أشهر فرسان تلك المجالس ابن زرعة، وابن الخمار، وابن السمح، والقمسي،
ومسكويه، ويحيى بن عدي، وعيسى بن عدي، وأبو حيان التوحيدي الذي دون محاضر بعض هذه المجالس
في كتابه (المقابسات( , وتهدف الصالونات الأدبية عادة إلى تقديم زاد من المعرفة في المجالات المختلفة،
وكذلك الاهتمام بالقضايا الاجتماعية المعاصرة وطرحها للحوار والمناقشة، والسعي إلى إيجاد الحلول
المناسبة لها، أما الصالون المعني في العنوان فلا علاقة له بقضايا الفكر والشعر، والثقافة والأدب، بل انه
مقر وجد لتقديم خدماته في فن المساج والماكياج، وتفتيح البشرة وشد الوجه وإخفاء التجاعيد ورسم
الحواجب والشفاه، وتركيب الشعر والرموش، ووضع المساحيق والعدسات الملونة، والتفنن في الحف
والتسريحات والقصات، وجميع أعمال الصالونات التي أبدع فيها «أدعياء الشعر»، حتى تفوقوا في فنونها
على العرائس والفنانات وربات الاختصاص، ما دفع أحد أصحاب الصالونات إلى التفكير جديا في تغيير
مسمى صالونه إلى «صالون الشعراء»، ليضمن توافدهم عليه طلبا لخدماته أثناء إقامة المهرجانات الثقافية
والأمسيات الشعرية.
يا صاحب الصالون في فن مكياج = الأدعياء لخلطات فنـك محاويـج
تـرى كثير أشباه للصنف تحتاج = والبودرة والحف مطلب مراجـيج
في موسـم الأشعار زوّد بالإنتاج = ونــوّع وروّج للمسـاحيق ترويج
عبد العزيز الفدغوش
الأحد, 17 - أغسطس - 2008