(259) مدار الأفكار
ميدان شعبان
يقول الشاعر العربي :
مضى رجب وما أحسنت فيه= وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلاً =بحرمتها أفق واحذر بوارك
إن شهر شعبان من أعظم الشهور,ويفيض بمقدمه الخير والنور,والبركة والسرور,وترفع فيه الأعمال وتكتب
الأجور,على مر الأيام وتتابع العصور,ويعد من مواسم الخيرات,والإكثار من أعمال البر والطاعات,وزيادة
الأجر والحسنات,وفيه تسمو الروح و تترفع عن الماديات,ويعتبر مقدمة لشهر رمضان المبارك,فالمؤمن يعد
نفسه فيه ليكون على أهبة لاستقبال شهر الصيام, ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإن فيه شيء مما يكون
في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة,قال سلمة بن سهيل:كان يقال شهر شعبان شهر القراء,وكان
حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء,وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق
حانوته وتفرغ لقراءة القرآن,وعن سبب تسمية الشهر الثامن من السنة القمرية بشعبان والتي جاءت نحو
عام 412 م في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول صلى الله عليه وسلم,يقول أهل اللغة إن العرب
كانت تتشعب فيه وتتفرق طلبا للرزق والمياه,أوفي الحروب والغارات,وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري
رجب ورمضان,ويجمع على شعبانات وشعابين,ويقول الأصمعي: شعب الرجل أمره إذا شتته وفرقه,ويقول
ابن السكيت في الشعب: (يكون إصلاحا ويكون تفريقا),ويقال:شعب الرجل:أي بعد ما بين منكبيه,ويقول الشاعر
: (وإذا رأيت المرء يشعب أمره*شعب العصا ويلج في العصيان) ,وفي شهر شعبان ترفع الأعمال إلى الله
سبحانه وتعالى ومما يدل على ذلك ما ذكره أسامه بن زيد رضي الله عنهما حيث قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَمْ
أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ,
وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ,فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) ,وعن أم المؤمنين عائشة
رضِيَ الله عَنْهَا وعن أبيها قالت: (لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ,فَإِنَّهُ كَانَ
يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّه) ,وفي رواية قالت رضي الله عنها: (كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا) ,ويقول عبد الله بن المبارك
رحمه الله: (جَائِزٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ إذا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يُقَالَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ) ,ويقول ابن حجر رحمه الله :
( كان صيامه في شعبان تطوعاً أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان) ,ويقول ابن رجب
رحمه الله: ( صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم,وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله
وبعده,وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض,
وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده,فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون
صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه) ,ويقول أبو بكر البلخي: ( شهر رجب شهر الزرع,
وشهر شعبان شهر سقي الزرع,وشهر رمضان شهر حصاد الزرع) وقال أيضا: ( مثل شهر رجب كالريح,
ومثل شعبان مثل الغيم,ومثل رمضان مثل المطر,ومن لم يزرع ويغرس في رجب,ولم يسق في شعبان فكيف
يريد أن يحصد في رمضان), ويرى سلف الأمة وعلماء الحجاز خاصة أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان
ليس له أصل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم,ولا من فعل أحد من أصحابه,وما يفعله بعض المسلمين
اليوم من صلاة مخصوصة,وأذكار معروفة,وما لحق ذلك من أعمال يعد مخالفة للشرع,ومن البدع المنكرة,
فثمة فرق بين فعل العبادة,وبين تخصيصها بزمان أو مكان,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَخْتَصُّوا
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي,وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ
أَحَدُكُمْ ),أما الدعاء فقد ثبت ما يدل على مشروعية الإكثار منه فيها,وبشأن حكم الاحتفال بليلة النصف من
شعبان يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : (ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح
,كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها وهي ليلة ليس لها خصوصية,لا قراءة ولا صلاة
خاصة ولا جماعة,وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية فهو قول ضعيف فلا يجوز أن تخص بشيء),
وفي مواسم رفع الدرجات حري بالمسلم أن يكثر من الطاعات ويتعرض لنفحات الخير والرحمات,وقد مضى
رجب ورحل, وهل شعبان وحل,وشهر رمضان قادم نسأل الله أن يبلغنا إياه,وحلاوة صيامه ولذة قيامه تتطلب
علو الهمة والنشاط, وفي الصوم وقراءة القرآن والدعاء خلال شهر شعبان تمرين عملي واستعداد نفسي
لاستقبال شهر رمضان المبارك,وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لاستقبال رمضان من أول شعبان.
يا حي شعبان الفضيلة والإحسان= شهر العمل والخير والنور والدين
شهر ٍ به الأعمال ترفع بوكدان = والرابح اللي حط للصوم تمرين
يغرس ثمار الخير بأيام شعبان = حتى بشهر الصوم ترجح موازين
في موسم الغفلات مكسب للإنسان = وتجارة ٍ في عسر الأيام واللين
ترى العمل يحتاج صدق ٍ وبرهان =وغرس ٍ على منهاج خير النبيين