(257) مدار الأفكار
حوار النار
يقول الشاعر العربي:
والشر إن تلقه بالخير ضقت به = ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا= فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن الحوار مصطلح يستوعب كل أنواع الحديث وأساليب النقاش,سواء كانت منبعثة من خلاف المتحاورين أو
عن غير خلاف لأنها تعني المراجعة في المسألة موضوع التخاطب,والحوار والمحاورة مصدر حاور يحاور,
ومعناه لغة الجواب والمجادلة,وجاء في لسان العرب لابن منظور: (هم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام) ,
والمحاورة:مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة,والمحورة من المحاورة مصدر كالمشورة من المشاورة
ويقول العلّامة جار الله الزمخشري في أساس البلاغة : ( حاورته وراجعته الكلام وهو حسن الحوار,أي حسن
الكلام) ,وفي تعريف الحوار يقول الدكتور عبد العزيز الخياط : ( هو الأخذ والرد في الكلام وطرح الحجة
والرد عليها وبيان الرأي والرأي المضاد) ,ويقول الدكتور خالد المغامسي : (إنه حديث بين طرفين أو أكثر
حول قضية معينة الهدف منها الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الخصومة بل بطريقة علمية إقناعية ولا يشترط
فيها الحصول على نتائج فورية) ,وعلى ذلك فالحوار يدل على التقارب وتداول الكلام بين أطرافه بغير عنف
ولا صراع,و في أجواء يسودها الحلم والرفق,فهو قناة من قنوات التواصل المجتمعي وركيزة من ركائز بناء
الثقة,وتقريب وجهات النظر,وعملية تواصلية متكافئة بين اثنين أو أكثر بهدف الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن
المنازعات والتعصب, قال الحق سبحانه وتعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [المجادلة:1], وقال سبحانه : ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكَثْرُ مِنْكَ مَالاً وأعزُّ نَفَرًا) [الكهف:24]ويقول الشاعر حسان بن ثابت : (هَل رَسمُ دارِسَةِ المَقامِ
يَبابِ* مُتَكَلِّمٌ لِمُحاوِرٍ بِجَوابِ ويقول شاعر غيره : (هَلاَ رَبَعْتَ فَتَسْألَ الأطْلالاً * وَلقَدْ سَألْتُ فَمَا أَحَرْنَ سُؤَالاً
) ,وللحوار ضوابط وضعها أهل الاختصاص منها : (تقبل الآخر,حسن القول,العلم وصحة الأدلة ولإنصاف
والموضوعية), ويهدف الحوار إلى نزع الأقنعة والكشف عن وجه الحقيقة غالبا وبيان الصواب وإثبات الحق,
وفي 20 يونيو الحالي وبعد يوم واحد من إعلان ناشطي المعارضة السورية تأسيس هيئة تتولى قيادة التحرك
ضد النظام,وعندما شعر بقوة الثورة وقرب سقوط نظامه وخوفا من الانتقام المنتظر رفع رئيس النظام
السوري الدكتور بشار الأسد شعار( الحوار الوطني ),فقال انه سيبدأ عما قريب في إجراء حوار وطني,وأنه
سيشكل لجنة لدراسة تعديل الدستور السوري أوإقرار دستور جديد في أحدث تنازلات يقدمها في مواجهة
الاحتجاجات الشعبية التي تنادي بإسقاط نظامه منذ ثلاثة أشهر,وقال الأسد في خطابه إن العفو الذي أصدره:
(لم يكن مرضيا للكثيرين على الرغم من انه كان الأشمل وانه سيستشير وزارة العدل لدراسة توسيعه ليشمل
آخرين) ,وأضاف الأسد خلال ظهوره الثالث منذ اندلاع الاحتجاجات المناوئة لحكمه قبل أكثر من ثلاثة أشهر
إن البعض يعتقد أن هناك مماطلة من قبل الدولة,وأريد أن أؤكد أن عملية الإصلاح بالنسبة لنا قناعة كاملة,
ولا يمكن لإنسان عاقل أن يعارض الإصلاح,ونستطيع القول إن الحوار الوطني بات عنوان المرحلة المقبلة
وهي مرحلة تحويل سورية إلى ورشة بناء لبلسمة الجراح) ,كما دعا إلى القضاء على الفساد بالاعتماد على
التفتيش والقضاء وهيئات مكافحة الفساد,وعبر عن أسفه لسقوط ضحايا في الأرواح بأحداث العنف التي مرت
فيها سورية مؤكدا إن (سورية مرت بأيام صعبة ومحنة غير مألوفة من خلال تخريب تخلل الاحتجاجات),
ولكن لم تفلح تلك التنازلات في وأد الاحتجاجات التي تشهدها سوريا والتي أسفرت عن مقتل 2000 شهيد
وأكثر من 5000 جريح واعتقال نحو 12 آلاف آخرين وفرار أكثر من 10 آلاف سوري إلى تركيا وخمسة
آلاف آخرين إلى لبنان,وقد قوبل خطاب رئيس النظام السوري برفض دولي وشعبي كونه ونظامه مراوغا
لا يلتزم بالوعود ولا يعرف المواثيق والعهود ويصدق فيه قول الشاعر: ( إن الحقود و إن تقادم عهده*فالحقد
باق فالصدور مغيب,يلقاك يحلف إنه بك واثق*و إذا توارى عنك فهو العقرب,يعطيك من طرف اللسان حلاوة
*و يروغ منك كما يروغ الثعلب ) ,وبالرغم من مرتبة الحوار الشريفة ومكانته في الإسلام المنيفة إلا أنه لا
يتحقق ولا يؤتي ثماره في ظل نظام الإجرام القاتل المخادع والذي تدك دباباته وأسلحته الثقيلة المدن السورية
الآمنة وتسرف في القتل والتدمير وتشريد الأهالي,ولكن البطش لا يخيف الشعب السوري ولا يثبط عزيمته,
وهاهي بوارق الأمل والنصر والحرية تلوح في سماء سورية الأبية .
يا قاتل الأطفال والشعب الأحرار= ما به حوار ٍ بين قتل ٍ وتدمير
أسرفت بالتعذيب والبطش والنار=واليوم تطلب للحوار الجماهير
رغم التجبر زاد بالشعب الإصرار=على اقتلاع الظلم وإحلال تنوير
يومك دنا ما عاد ينفعن الأعذار= وبأمر يندار صفوك معاصير
دارت على رامي وماهر وبشار =والله يحقق نصر كل المناعير