( 20 ) مدار الأفكار
سراب الألقاب
يقول الشاعر العربي :
ألا ليست الألقاب من تكسب المجد = بل الناس بالأفعال قد حققوا مجدا
ومـن ســره أن لا يرى ما يسوءه = فلا يتـخذ شــيئا يخاف له فقدا
اللقب مفردة يختص بها شخص ما وتلتصق به، وقد يعرف بها أكثر من اسمه، وذلك لاختصارها أو
تميزها أو غرابتها.وجاء تعريف اللقب في لسان العرب بأنه اسم غير مسمى به والجمع ألقاب وقد لقبه بكذا
فتلقب به، وتفيض كتب التاريخ والسير ومعاجم الأعلام والموسوعات ومصنفات الأسماء بآلاف الألقاب
والكنى، سواء تلك التي يختارها أهلها بعناية فائقة، متوسمين فيها خلالا حميدة أو لتأصيل قيمة معنوية
تحظى بالتقدير لديهم، وأحيانا تتحدر إلى الإنسان كنية من مهنته أو من صفة جسدية يتميز بها، فيتوارى
خلفها اسمه وتعلق به، وهي موجودة منذ القدم وعند كثير من الشعوب والأمم. وقد تكون الألقاب للتعريف
والتشريف، وترمز إلى مكانة أصحابها في كثير من الميادين، فهي كالأوسمة على صدورهم ومحببة إليهم
ومصدر لاعتزازهم وتفاخرهم، وقد يكون إطلاقها على سبيل السخرية والتحقير، وتؤدي إلى إشعال الفتن
وزرع العداوات، وذلك ما نهى عنه الله عز وجل في قولةiتعالى «ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب»
(الحجرات - آية 11) ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، «عجلوا بكنى أولادكم لئلا تسرع إليهم ألقاب
السوء»، ويقول أبو جعفر محمد بن على) : بادروا بالكنى قبل الألقاب، وإنا لنكني أولادنا في الصغر، مخافة
اللقب إن يلحق بهم( , ومما يلاحظ في هذه الأيام زيادة التهافت على إطلاق الألقاب والمبالغة فيها، رغم
أن تسليط الأضواء وإضفاء الألقاب الرنانة، كما يقال، على من لا يستحقها تؤدي إلى نتائج عكسية على
بعض الأدباء أو الكتاب العرب، حيث ما زلنا نشاهد في الساحة الثقافية من يؤكد انه أديب قدير وكاتب كبير،
يشار إليه بالبنان بسبب لقب أطلق عليه هنا أو هناك، لمجرد المجاملة الشخصية أو لتشجيعه لتقديم عمل
أفضل. ولا شك في أن الإعلام يتحمل جزءا من المسؤولية، لكنه ليس المسؤول الوحيد، فعندما يُقدَّم شاعر
أو قاص أو روائي مبتدئ أو ضعيف الموهبة - وفق تقييم النقاد المعروفين بالحياد والمصداقية - له على
انه «فعل ما لم تفعله الأوائل» خلال فعالية ثقافية ما، فإن ذلك سيُحدث ردة فعل تتفاوت وفق الشخص
المعني، فهناك من سيأخذ الأمر على انه حقيقة مطلقة فينتشي، ويبدأ الغرور في التسرب إلى نفسه،
وهذه بداية النهاية.وآخر يضع الأمر في حكمه الحقيقي، ويعتبره مجرد مجاملة وتشجيع يدفعانه للمزيد، أما
في ساحة أدبنا الخليجي، ولاسيما بين الشعراء، فيزيد الاهتمام بالحصول على الألقاب والالتصاق بها،
والسعي إلى اكتسابها، وتحظى بهالة من العناية والدعاية، حتى أن البعض أصبح يطلق على نفسه ألقابا لا
يستحقها ويكافح بشأن الترويج لها، ما دفع كثيرا من المطبوعات الأدبية للعزف على وتر هذه الألقاب،
فأخذت بتوزيع صكوك ألقابها والمدفوع ثمن البعض منها، وتزاحم الأدعياء وأشباه الشعراء للفوز
بسراب الألقاب التي لا تجمل هزيلا ولا تضيف نتاجا بديلا .
يا متعبٍ نفسك على كسب الألقاب=ما تنفعك ما دام ما لك مقاضيـب
احرص على المضمون وأحسب له إحساب= وإلا المسمى لا يودي ولا يجيب
عبد العزيز الفدغوش
الثلاثاء, 22 - يوليو 2008