(253) مدار الأفكار
مضيق الفاروق
يقول الشاعر العربي :
سمّوك هرمزا وما أنصفوا = لو أنصفوا سمّوك فاروقا
لأن في الفاروق دينا وعدلا =وهرمز لا دينا ولا ذوقا
في مغارة جبلية بإحدى المقاطعات النائية من بلاد ( الواق واق ) أشتهر أحد اللصوص بسطوته وإجرامه
وإقدامه على قطع طريق الرعاة والمسافرين,والتسلل ليلا للسرقة من البوادي والقرى المجاورة,وفي النهار
يختبئ بالمغارة,وقد زاد خطره وأستفحل أمره وأنتشر خبره,ولأنه لا يخرج إلا ليلا فقد سمي بلص العتيم,
والعرب تقول عتم الليل بمعنى مرّ منه قطعة,والعتمة هي ثلث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة
العشاء الأخير,وعن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها قالت:
(كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول),أما لص العتيم فقد استقر في مغارة
الجبل الشاهق مدة طويلة حتى عرف الجبل والسهل القريب منه باسمه وبقي محتفظا بذات الاسم حتى بعد
وفاته,وعندما أقدمت الدولة على إقامة قرية قريبة من الجبل أسمتها قرية (العتيم ""Aotaim )والتي شهدت
تطورا ونهضة حديثة كغيرها من مقاطعات وقرى تلك البلاد إلا إنها استمرت بذلك الاسم القديم حتى هيأ الله
لها أحد أبنائها البررة الذي درس تاريخ قريته فوجد أن أسمها نسبة إلى لص مجرم, فتقدم إلى والي المقاطعة
بعريضة لتغيير الاسم وفقا للمبررات التي أوردها وجاءت الموافقة ونظرا لنباهته ومفهوميته فقد نسبت القرية
إليه وأستبدل أسمها إلى قرية ( الفهيم "" Fahim) ,لقد تذكرت أحداث هذه القصة عند متابعتي للحملة الموفقة
والتي قامت بها بعض المواقع الإلكترونية للمطالبة بتغيير اسم مضيق ( هرمز ) وتحويله إلى مضيق الفاروق
عمر بن الخطاب ) ,فالمضيق يقع في منطقة الخليج العربي ويعد من أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها
حركة للسفن,فهو القصبة الهوائية للخليج, ورئة العالم الاقتصادية,وبمنزلة عنق الزجاجة الواصل ما بين مياه
الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى,وهو المنفذ الوحيد
للدول العربية المطلة على الخليج العربي عدا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة
وسلطنة عمان,وهو الطريق الأهم لإمدادات النفط العالمية ومن خلاله يمر 90%من نفط الخليج إلى العالم
وأكثر من 50% من حجم تجارة المنطقة,وقديما قال الشاعر الإنجليزي جون ملتون John Milton"" :
(العالم كله إن كان خاتما فهرمز يجب أن تكون جوهرته) ,ويشرف على المضيق من الجانب العربي دولتان
خليجيتان,هما الإمارات وسلطنة عمان التي تشرف على حركة الملاحة البحرية في المضيق باعتبار أن ممر
السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية,أما الجانب الشرقي من المضيق فتشرف عليه إيران بشكل كامل بعد احتلال
الصفويين في أوائل القرن التاسع عشر لإمارة لينجا العربية التي كانت على الشاطئ الشرقي للخليج,ومن غير
المنطق والمقبول نسبة المضيق العربي الإسلامي إلى المجوسي هرمز بن كسرى أنو شروان أحد ملوك الدولة
الساسانية,والذي اتصف كما جاء في (تاريخ الأمم والملوك للطبري )بالتجبر والعنف والطغيان,وعندما وصل
إلى عرش بلاده في عام 579م بدأ بقتل أخوته لكي لا ينازعونه الحكم,وقد خلع من قبل الأقطاب بعدما ثار
بهرام عليه,وأعلن ابنه كسرى الثاني ملكاً والذي بدوره قتل أبيه,أما الفاروق الذي يشرف المضيق بالتسمية
فهو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فتح بلاد فارس وأخرج أهلها من عبادة العباد إلى عبادة رب
العباد,ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة,ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام,وعلى يديه أطفأ الله نار فارس,
فهو الخليفة العادل,والصحابي الجليل,والقائد العظيم والسد المنيع في وجه الفتن وبإسلامه أعز الله الإسلام
استجابة لدعوة رسوله الله صلي الله عليه و سلم القائل: ( اللهم اعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن
الخطاب أو بأبي جهل بن هشام ) ,وقال النبي صلي الله عليه و سلم: ( أشد الناس في أمر الله عمر ),ويقول
الشاعر رفعت المرصفي: ( ماذا نسجل عنك اليوم يا عمر*يا دعوة المصطفى _ قد صانها القدر ,قد صرت
في جبهة التاريخ أغنية *يشدو بها الكون و الآفاق تنبهر,أسست حكما عظيما صار مدرسة *و الكل يزهو به
حتى الألي كفروا,إن اليراع يخط الآن في وجل *فأنت غيث من الإيمان ينهمر,أتيت بالابن في أصفاد معصية
*من قسوة الحد كان الابن يحتضر,يا من أقمت حدود الله كاملة*و كنت في الأهل يا فاروق تختبر,كل القضايا
سواء في تباعدها*توحد الحكم فيها واستوى النظر,حتى كأنك بالتحديد تحفظها*وان تغير في أطرافها البشر,
فمن لعدلك يسمو في نزاهته*ومن لقدرك يرقى أيها القمر؟,تركت فينا دروسا سوف نحفظها والجذر إن غاب
فالأغصان تنتشر,يا واحة العدل والترحام معذرة لمثلك اليوم يا فاروق نفتقر),وبالرغم من أن الدعوة إلى تغيير
اسم المضيق ونسبته إلى الفاروق قد جاءت متأخرة كثيرا إلا أنها دعوة حق صائبة ورأي حكيم يستحق المساندة
والتأييد والثناء.
يا حي دعوة حق من بعد الأعوام = ومضيق يعرب واضح الاسم معلوم
أولى به الفاروق في شرع الإسلام = محرر بلاد الفرس والترك والروم
في درته يسهر على العدل ما نام = وبين الرعية ما وجد حي مظلوم
حطم قوى الطغيان عبّاد الأصنام = وعهده بنور العدل والخير موسوم
سيرة عمر من فوق توصيف الأقلام = وأسمه شرف من بعثة النور لليوم