(19 ) مدار الأفكار
رهين التدخين
يقول الشاعر العربي :
أتكرمني بسيجارة الدخان = وما في شربها إلا هواني
أصاحبها فيتركني شبابي = يفارقني ويجهل ما أعطاني
أيشعل العاقل بيديه ناراً = ليحرق نفسه في كل آنِ ؟؟
يجمع عقلاء البشر على وجوب طلب ما ينفع وترك ما يضر ورحى الحياة تدور ـ منذ إن وجدت – وفق هذا
المبدأ المسلم به من كل أهل الإدراك والفهم، إلا إن إدراك الناس لما ينفع أو يضر يختلف اختلافا كبيرا بين
إنسان وآخر وفق تفاوت المدارك البشرية في القوة والضعف والسلامة والنقص، فكم من نافع رآه البعض
ضارا فتركوه لما توهموا من ضرره وكم من ضار اعتقد الناس نفعه فأقبلوا عليه وأتوه وفعلوه، يضاف إلى
ذلك أشياء كثيرة قد يخفى أمرها وتلتبس حالها ولا يدري هل هي من المنافع التي يجب إن تطلب أو من
الضار الذي يجب إن يجتنب ويترك؟ ويشهد لهذا الحقيقة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيّن
والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس»، إن الحلال هو النافع والحرام هو الضار
ومنهما ما هو معلوم النفع بالضرورة كنفع العسل أو معلوم الضرر بالضرورة كالسم، وأيضا كنفع الإحسان
وضرر الإساءة، ولكن بين ذلك أمورا كثيرة لا يعرف نفعها أو ضررها إلا ذوو الخبرة والإدراك الصحيح
من عقلاء البشر وحكمائهم، ومن ذلك مادة الدخان فقد خفي أمرها والتبس على كثير من الناس لان التدخين
لم يكن معروفا قبل عام 1492م، عندما اكتشف بعض البحارة الأسبان شجرة الدخان في القارة الأميركية ومن
ثم انتشر الدخان انتشارا رهيبا في أوروبا نهاية القرن السادس عشر، وبقي كذلك إلى إن جاء جيمس الأول
ملك بريطانيا فشن حربا على التدخين وأصدر منشورا بتجريم تعاطيه سنة 1604، وفي عام 1634م صدرت
في روسيا قرارات رهبيه مفادها إن المشترين والبائعين والمدخنين للتبغ تشق أنوفهم وتجلد ظهورهم وفي
حالة العودة للتدخين يتم نفيهم إلى سيبيريا أو ينفذ بحقهم حكم الإعدام،وفي القرن السابع عشر أصدرت
الدنامرك والسويد وصقلية والنمسا والمجر قوانين تحرّم التدخين، أما في البلاد الإسلامية فقد ظهر الدخان في
أواخر عام 1588 وقد زرع بمصر عام 1589 حتى أوقفت زراعته عام 1890. حيث جلب بمعرفة
النصارى كما يقول الدكتور ماجد أبي رخّية في كتابه «الأشربة وأحكامها».
والدخان كما هو معروف مجموعة من المواد السامة وليس فيه فقط كم يتوهم كثير من الناس مادة النيكوتين،
ولكن فيه مواد أخرى يفوق ضررها وخطرها مادة النيكوتين، منها غاز أول أكسيد الفحم المعروف بتأثيره
السام، وعنصر الرصاص الثقيل السام الذي يتجمع فلا يستطيع الجسم إفرازه، ومادة البنزوبيرين التي لا
خلاف بين الأطباء بشأن تأثيرها الفعال في ظهور السرطان. وكذلك النيكوتين المادة السامة لدرجة إن 50
مليغراما منها يقتل إنسانا إذا حقن بها دفعه واحدة في الشريان، وعنصر البلونيوم المشع الذي يتركز في رئة
المدخن ويفتك بها، والقطران تلك المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار الأسنان ونخرها والتهاب
اللثة وهي من اشد المواد خطرا، والزرنيخ الذي يستعمل لإبادة الحشرات وينفذ من هذه المادة 10 في المائة
ويدخل الرئتين، إضافة إلى كحول ومواد مطّيبة تضيفها المصانع من أجل الاحتفاظ بالرطوبة في التبغ وغير
ذلك من مواد سامة وضارة وقد بين العالم الأفغاني محمد عبد الغفار في كتابه «مصائب الدخان تسع
وتسعون» إن الدخان ينجم عنه أمراض مختلفة بينّها الأطباء بلغ مجموعها تسعة وتسعين مرضا، ويقول
الدكتور صلاح الدين عبد رب النبي طبيب الأمراض العصبية في مصر: إذا أصبح الإنسان أسير عادة
التدخين فإنها تؤثر عليه تأثيرا سيئا في صحته من غير شك وبخاصة في القلب إذ تضطرب دقاته والدورة
الدموية، ويشعر الإنسان بالدوران من إن لآخر نتيجة تقلص شرايين الدماغ وقد يتعرض مع تقدم السن لضغط
الدم المرتفع والذبحة الصدرية، كما إن جهازيه الهضمي والتنفسي يتأثران بالتدخين فيفقد شهية الأكل وينتابه
السعال المعروف بسعال التدخين، وإذا تأثر الجهاز العصبي يشعر المدخن بتنميل وخدرة الأطراف وبالآلام
في الأعصاب، ويقول مدير الأبحاث الإحصائية بجمعية مكافحة السرطان الأميركية الدكتور ادوارد كويلر
هاموند: إن سرطان الرئة الذي يسببه تدخين السيجارة ليس مهما نسبيا إذ قورن بالتلف الذي يحدثه التدخين
بوسائل أخرى مختلفة، وتؤكد المنظمات والجمعيات الخيرية لمكافحة التدخين في إحصائياتها إن عدد وفيات
التبغ تبلغ حوالي ثلاثة ملايين شخص سنويا، يوجد الثلث منهم في الدول النامية (حوالي 70 في المائة) وقد
نجحت شركات التبغ في ترويج منتجاتها بإتباع سياسة إعلامية جهنمية وهو إن التدخين بالنسبة للصغار
والمراهقين دليل رجولتهم ومن مظاهر التباهي والتفاخر، وبالنسبة إلى الإناث دليل على استقلالهن ومساواتهن
بالرجال في جميع الحقوق والحريات والتصرفات، لكن المساواة للأسف ظهرت بوضوح في عدد وفياتهن.
وتحتل الكويت المرتبة الـ 19 عالميا في استهلاك التبغ بمعدل استهلاك 2280 سيجارة لكل فرد سنويا وتأتي
السعودية في المرتبة الـ 23 بمعدل 2130 سيجارة لكل فرد، وبالإجمال تنفق دول مجلس التعاون
الخليجي ما يقارب 800 مليون دولار على التبغ سنويا، ومما جاء في تحريم الدخان قول الحق سبحانه وتعالى
«يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث» (الأعراف / 157)، والآية
جلية بحل الطيبات وحرمة الخبائث، ولا يشك عاقل في إن الدخان من الخبائث، لأن الخبيث في اللغة يطلق
على الرديء المستكره طعمه أو ريحه، وهذا الوصف موجود في الدخان، كذلك قول الله تعالى «ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة»(البقرة/195)، والدخان يوقع في الأمراض المهلكة كالسرطان والسل وغيرهما، وقول الله
عز وجل «ولا تقتلوا أنفسكم»(النساء/29)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن شرب سما فقتل نفسه
فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا». والدخان يحتوي على سموم كثيرة، وبالتالي فإن المدخن
يقوم بعملية انتحارية بطيئة، وهو يتعاطى شربه. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»،
والدخان كله أضرار وفق دراسات وإحصاءات عالمية، وقد تنبهت كثير من الدول في الوقت الحاضر
لمخاطر التدخين حتى على غير المدخنين فسنت القوانين بمنعه بشكل قاطع في الأماكن العامة والمغلقة نظرا
إلى خطورة التدخين السلبي على الصحة العامة، وفي مصر أطلق فريق «حياة بلا تدخين» شعار «كن حرا
ولا تكن عبدا لها»، حيث يقول نائب رئيس مجلس إدارة الفريق الداعية مصطفى حسني «إن التدخين ساحة
قتال حقيقية ويحصد أرواح الآلاف يوميا وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، وهو البوابة الكبيرة لاقتحام
عالم الإدمان وإذا لم تتضافر جهود مخلصة لتجفيف منابع التدخين فإن أعداد المدمنين ستظل في اطراد»،
ويسعى فريق «حياة لا تدخين» إلى تغيير نظرة المجتمع إلى التدخين والشيشة والمخدرات من كونها وسيلة
للمتعة إلى اعتبارها مصدرا للأمراض والمتاعب الصحية الخطيرة، وكذلك تنشئة أجيال جديدة تعي أضرار
التدخين.
يا مشتري تدمير حالك بمالـك = راجع قبل ساعة رحيلك حصيلك
ترى السجاير توردك للمهالك = وأمراض عصرك من سببها تجيلك